من داخل سري كانيه.. صور لمنازل منهوبة وشهادات حول انتهاكات وتتريك للمدينة
سري كانيه – دلسوز يوسف – نورث برس
لم يقبل مصطفى وليد (اسم مستعار) مغادرة مدينته، سري كانيه، شمال الحسكة، التي سيطرت عليها القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الفائت، وذلك بهدف الحفاظ على بيته وممتلكاته، لكنه لم يكن يتوقع الانتهاكات التي يشاهدها اليوم " في وضح النهار ودون حسيب أو رقيب".
يقول الرجل الأربعيني، في تسجيل صوتي أرسله لمراسل "نورث برس" وطلب عدم نشره:"معالم المدينة تغيرت يا ولدي، رايات غريبة ترفرف فوق رؤوسنا، والغرباء يمرحون في جميع أركان مدينتنا، تتم سرقتنا علناً".
وعلى غرار مدينة عفرين، بريف حلب الشمالي، تخشى عائلات مدينة سري كانيه وريفها شمال مدينة الحسكة من استمرار انتهاكات عناصر الفصائل المسلحة في ظل هيمنة تركيا على المدينة.
سياسة تتريك
يقول مصطفى وليد، بصوت مرتجف في التسجيل الصوتي، إن المدينة باتت كولاية تركية، "جميع المؤسسات تحتوي صوراً لكمال أتاتورك (مؤسس الجمهورية التركية) وأعلاماً تركية، وفي المدارس يتم تدريس اللغة التركية قبل العربية، وسط منع كامل للغة الكردية".
وتظهر صور نشرتها منصات إعلامية تابعة لتركيا والفصائل المسلحة الموالية لها، تغير معالم المدينة بإضفاء صبغة تركية وتعليق لوحات تعريفية للمؤسسات باللغتين "العربية والتركية" وتعليق صور للرئيس التركي أردوغان بجانب مؤسس الدولة العثمانية أتاتورك داخل المؤسسات.
وأضاف "وليد" أن أعمال السرقة لم تتوقف داخل المدينة وخارجها، وشملت " المواشي والمنازل ومحتوياتها وحتى قواطع الكهرباء وكل ما يحلو لهم".
وذكر أن "التهمة جاهزة لاعتقال كل من يخالفهم أو يقف في طريقهم، وهي التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية".
وأرسل وليد صوراً خاصة لـ"نورث برس"، من داخل المنازل في مدينة سري كانيه تظهر أعمال النهب، وتبدو فيها منازل خالية من محتوياتها، إلى جانب أخرى تم حرقها "بحجة أن أصحابها متعاطفون مع قوات سوريا الديمقراطية"، وفق قوله.
وقام والي محافظة أورفا التركية، عبد الله أرين، في نهاية حزيران/ يونيو الفائت، بتدشين منزل تعود ملكيته لعائلة كردية نزحت من مدينة سري كانيه/ رأس العين، كمعهد لتحفيظ القرآن.
ونشرت "شبكة الخابور" مقطعاً مرئياً يظهر فيه والي أورفا وهو يقوم بافتتاح المعهد، وكتب محي الدين عيسو، وهو ناشط حقوقي يقيم في ألمانيا، على حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن المنزل يعود لعائلته، وأن "والي مدينة أورفا التركية يشرف على عملية النهب الممنهجة بحجة افتتاح المعهد".
وأشار "عيسو"، آنذاك، إلى أن "تعليم القرآن في البيوت المنهوبة والمسروقة عمل غير أخلاقي ومخالف لمبادئ الدين الإسلامي".
وكانت منظمة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" قد نشرت، إبان عملية "نبع السلام" التركية في شمالي سوريا، تقريراً اتهمت فيه المعارضة المسلحة التابعة لتركيا بارتكاب جرائم قتل ضد مدنيين حاولوا العودة إلى منازلهم، كما قامت بسرقة منازل وتحويلها إلى مقرات تابعة إلها إضافة إلى اعتقال وطرد المئات من السكان، بحسب التقرير الحقوقي.
خلافات على المسروقات
وبحسب "وليد" فإن ثلاث حالات اقتتال جرت بين فصائل المعارضة المسلحة التابعة لتركيا خلال شهر حزيران/ يونيو الفائت وبداية تموز/ يوليو الجاري، بسبب "خلافات على تقاسم المسروقات والمحلات التجارية والمنازل".
وكانت "نورث برس" قد نشرت عن حدوث اشتباكات مطلع شهر تموز/ يوليو الجاري، بين مجموعات مسلحة تابعة للفصائل التابعة لتركيا في مدينة سري كانيه، أسفرت عن قتل وجرح العشرات من العناصر، في ظل فلتان أمني داخل المدينة ومخاوف المدنيين من الاقتتال المستمر بين تلك الفصائل.
"وضع معيشي سيء"
وقال مصدر آخر من داخل مدينة سري كانيه، طلب عدم كشف هويته، إن الوضع المعيشي "سيء للغاية"، "والمجالس المحلية في المدينة وريفها حددت تسعيرة الأمبير الواحد للمولدات الكهربائية بثمانية آلاف ليرة سورية أسبوعياً، بينما تباغ جرة الغاز بـ /30/ ألف ليرة، وهذا الغلاء يشمل جميع المواد الغذائية والأساسية داخل المدينة".
وأضاف: "إن لم نمت برصاصة طائشة بسبب خلافاتهم، سنموت بسبب الوضع المعيشي المتدهور".
وأشار، المصدر نفسه، إلى أن المجلس المحلي فرض، قبل مدة وصفها بالقصيرة، التعامل بالليرة التركية في الأسواق، ولكنه تراجع عن قراره بعد "امتعاض واحتجاج شعبي"، وفق قوله.
وقال أيضاً إن تركيا فرضت عليهم بطاقات تعريف في المنطقة تسمى بـ"الكملك التركي"، بالإضافة إلى "أخذ محلات تجارية عنوة من أصحابها ومنحها للمستوطنين القادمين من الخارج".