"أم واجعات".. تنظيف العيون من الأجسام الغريبة بطريقة بدائية في الرقة

الرقة- مصطفى الخليل- نورث برس

 

في الدكان الصغير الواقع عند مدخل منزلها في قرية العكيرشي /18/ كم جنوب الرقة، شمالي سوريا، تستقبل أمينة الصالح(45عاماً) الشباب والرجال، ممن يشتكون من دخول أجسام غريبة في عيونهم، بينما تستقبل النساء والفتيات داخل منزلها "دفعاً للحرج".

 

وبالرغم من التطور في مجال الطب ووجود أطباء عيون في مدينة الرقة ومشافيها، إلا أن بعض سكان ريف الرقة لا يزالون يلجؤون إلى "أم واجعات"، لتنظيف أعينهم من الأوساخ واستخراج الأجسام الغريبة منها.

 

و"أم واجعات" هي تسمية يطلقها سكان الرقة على "المرأة التي تقوم بتنظيف العين بواسطة لسانها" لقاء أجر مادي، وهي مهنة طبية شعبية تمارسها النساء دون الرجال، حيث يقبل سكان من الريف وخاصة ممن يعملون في الفلاحة على "أم واجعات" لإخراج أجسام غريبة من عيونهم.

 

"أسرار المهنة"

 

وتمارس "الصالح" مهنة "أم واجعات" منذ حوالي ثلاثين سنة، مذ كانت في مقتبل الصبا، "كنت صبية صغيرة وكان الأهل والجيران يأتون إلي بأطفالهم لتنظيف أعينهم وإخراج الأوساخ منها".

 

وتُعرف المُعالِجة، التي تعيش مع ابنين وبنتين بعد وفاة زوجها، لدى أهالي قرية العكيرشي وقرى ريف الرقة الجنوبي بلقب "الدكتورة أماني" وذلك "لتشخيصها أمراض العين بدقة ولبراعتها في إخراج الأشياء الصغيرة التي تعلق داخل العين"، حسب ما يذكر سكان من ريف الرقة الجنوبي.

 

وتستقبل "الصالح" مراجعيها لتعالجهم بسرعة فائقة ومهارة اعتادت عليها، "البعض منهم لا يضطر للنزول من سيارته أو دراجته النارية، إذ أني أقوم بشكل سريع بتنظيف عينه".

 

وقال صالح المحمد (70عاماً)، من سكان قرية الدلحة /20/ كم شرق مدينة الرقة، إن الأطباء العاديين يعجزون عن استخراج الأجسام الغريبة من العين، في حين أن "أم واجعات قادرة على استخراج كل ما يدخل إلى عين الإنسان بسهولة وبأجر بسيط لا يتعدى ألفي ليرة سورية".

 

لكن استقبال النساء والفتيات يكون في داخل المنزل، لأن "بعض النساء والفتيات يشعرن بالحرج من كشف وجوههن أمام الناس"، كما تقول الصالح.

 

وقالت سارة العلي(35عاماً) من سكان قرية العكيرشي، إنها شعرت براحة بعد أن قامت (الدكتورة أماني) باستخراج حصى صغيرة وقطع من القش والتبن من عينيها،  "كانت قد دخلت في عيني أثناء عملي في الأرض الزراعية".

 

 

وتفتخر "الصالح" بمهارتها وأسرار مهنة "أم واجعات"، التي "جعلت حتى الأطباء يغتاظون لأن كل من يأتي إلى (الدكتورة أماني) يعود متعافياً، سليم العين"، حسب قولها.

 

"اتهامات بالسحر"

 

ولم يكن الأطباء وحدهم من استغربوا كيفية قيام "الصالح" باستخراج وتنظيف العيون بهذه الطريقة البدائية، فعناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لم ينظروا للأمر بحسن نية أو من زاوية أن سيدة تمتهن الطب الشعبي، وقد ساورهم الشك في أنها "تستخدم السحر لعلاج عيون الناس".

 

تقول "الصالح": "لقد وشى أحدهم لعناصر تنظيم الدولة أنني ساحرة وأستخدم الجن في عملي، فقام عناصر التنظيم بإدخال كاميرا تصوير خاصة داخل فمي".

 

وتضيف: "بعد أن تأكد عناصر تنظيم الدولة من أني لا أستخدم السحر أو سواه من الطرق المحرمة، صاروا يقبلون على تنظيف عيونهم بشكل مستمر لدي".

 

وقامت بعدها بتنظيف عيون العديد من أمراء التنظيم وبعضهم من جنسيات أجنبية مجاناً، "وهذا ما دفع عناصر للتنظيم من الجنسية العراقية للطلب مني أن أذهب معهم إلى العراق لأقوم بمعالجة الناس هناك، لكنني رفضت ذلك".

 

"عيون العسكر"

 

وتردف المرأة، بطرافة، إنها تقدم خدماتها العلاجية "مجاناً أيضاً" للعسكريين من منتسبي قوات سوريا الديمقراطية، وجنود القوات الحكومية الذين تصادفهم أثناء ذهابها إلى مدينة السبخة، /30/ كم شرقي الرقة، والواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية.

 

وتستغرب رفض ابنتيها تعلم واكتساب مهنة "أم واجعات" على يديها، "فعلى الرغم من أنها تدر أموالاً لا بأس بها ، إلا أن ابنتي لا تقبلان تعلم هذه المهنة".

مخاطر

 

ولا تخلو مهنة "أم واجعات"  في الرقة من حوادث غريبة ومؤلمة أحياناً، ومنها أن امرأة من الرقة في ثمانينات القرن الماضي، كانت تمتهن مهنة "أم واجعات"، قامت ذات مرة بتنظيف عين حصان أصيل من الأوساخ بلسانها، ما أدى لوفاتها، بسبب إصابتها بمرض ما في فمها، حسب ما يقول سكان من المنطقة.

 

وتعتقد "الصالح" أنها في مأمن من الأمراض ما دامت تحتاط قبل تنظيف العيون بلسانها، "أقوم بالمضمضة بالماء والملح قُبيل مباشرتي بإدخال لساني في عين المراجع وذلك لحماية نفسي من الالتهابات والأمراض".

 

لكن أسعد العيسى، وهو طبيب مختص بأمراض العين في الرقة، يرى أن الذهاب إلى أم واجعات "خطأ كبير، في فترة انتشار جائحة كورونا وفي وغيرها من الأوقات لأنها تتسبب بنقل العدوى بالإضافة لالتهابات وجراثيم أخرى".

 

ويضيف الطبيب أن لطريقة استخراج الأجسام الغريبة من العين عند "أم واجعات"  مضاراً على الصحة عموماً وعلى العين خاصة، "إذ أنها تؤدي لالتهاب وتقرحات في جفن العين".

 

وبحسب "العيسى"، فإنه صادف العديد من الحالات الطبية الخطرة جراء استخراج الأجسام الغريبة عند "أم واجعات" ومنها التهابات بالقرنية، "وقد يصل بعضها إلى استئصال العين بعملية جراحية".

 

وينصح الطبيب سكان الرقة بمراجعة "طبيب العيون المختص الذي يمتلك المقدرة على استخراج الأجسام الغريبة من العين بطرق طبية علمية وأكاديمية"، حسب تعبيره.