العنف ضد المرأة خلال الحظر المنزلي في شمال شرقي سوريا.. "وباء الظل" ينتشر مع كورونا
القامشلي – عبدالحليم سليمان – نورث برس
سجلت مقاطعة الجزيرة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أكبر عدد لدعاوى العنف ضد المرأة الواردة إلى لجان التحقيق والادعاء التابعة لمجلس العدالة الاجتماعية في شمال شرقي سوريا، خلال الأشهر الست الماضية والتي تخللتها ثلاثة أشهر من الحظر ومنع التجول الذي فرضته الإدارة الذاتية احترازاً لمنع انتشار فيروس كوفيد 19 (كورونا).
"قتل وانتحار"
وبلغ عدد دعاوي المرأة المسجلة والواردة إلى لجان التحقيق والادعاء في مقاطعة الجزيرة /209/ دعوة بينها /23/ حالة قتل و /20/ محاولة انتحار، فيما بلغ عدد الدعاوي في جميع أقاليم وإدارات مناطق الإدارة الذاتية /319/ دعوة مسجلة أصولاً لدى جميع لجان التحقيق والادعاء.
وقالت عضو مجلس العدالة في شمال وشرقي سوريا، شيرين إبراهيم لـ"نورث برس" إن فترة الحظر المنزلي زادت من عدد الشكاوي المقدمة إلى الخطوط الساخنة في قوى الأمن الداخلي – قسم المرأة ودور المرأة بالإضافة إلى زيادة كبيرة في حالات الضرب والإيذاء بسبب تواجد الرجل داخل المنزل في تلك الفترة، على حد قولها.
"الشكاوى أكبر من الدعاوى"
وأضافت ابراهيم أن عدد الشكاوي أكبر من المعلن عنها في التقرير بسبب تراجع الجهات المدعية وعقد الصلح، مبينة أن الدعاوي الأخرى سجلت كدعاوي جزائية ويتم النظر فيها من قبل ديوان العدالة وجرى محاسبة المذنبين، بالإضافة إلى أن العفو الذي صدر في السابع عشر من أيار/ مايو الماضي أبقى على ثلث عقوبة الجنح المرتكبة في دعاوي العنف ضد المرأة "ليشكل رادعاً للمعتدين".
ودعت عضو مجلس العدالة إلى ضرورة الوقوف عند أسباب انتشار حالات العنف ضد المرأة قبل تشديد العقوبات الصادرة بحق المعتدين وأن منظومة المجتمع بشكل كامل مسؤولة عن انتشار الظاهرة رغم قدمها وتجددها على حد تعبيرها.
"ليست محصورة بالجزيرة"
وحول سبب زيادة عدد الحالات في إقليم الجزيرة عن غيره من الأقاليم و الإدارات، أوضحت إبراهيم أن الإقبال على تقديم الشكوى أكبر من غيرها من المناطق، "وهذا لا يعني أن نسبة العنف في بقية الأقاليم والإدارات أقل منها بل الفارق في تقديم الشكوى" على حد قولها.
من جهتها قالت نوروز أسعد ممثلة مجلس عدالة المرأة والعضو في مؤتمر ستار- قسم لجنة الصلح في القامشلي، إنهم في بداية الحظر حذروا من تفاقم حالات العنف والإيذاء ضد المرأة لذلك عملوا على إبقاء مراكزهم مفتوحة لتلقي شكاوي النساء اللاتي قد يتعرضن للعنف المنزلي من خلال اعتماد نظام المناوبات في مراكزهم ودور المرأة في مختلف مناطق شمال شرقي سوريا.
وأضافت أن لجان المرأة داخل مجالس الأحياء عقدوا العديد من حالات الصلح ومعالجتها "للحيلولة دون تطور تلك الحالات و تفاقمها".
وكانت ظاهرة العنف ضد المرأة قد تصاعدت على مستوى العالم خلال فترة الحظر المنزلي التي فرضتها الكثير من البلدان، حيث حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مطلع نيسان/ أبريل الفائت، من تصاعد عالمي "مرعب" للعنف المنزلي وسط تفشي وباء كورونا.
وقال "غوتيريش" إن المنزل الذي يفترض فيه أن يكون واحة الأمان للنساء والفتيات، هو أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف ضدهن، كما حث الحكومات في أنحاء العالم على أن تكون مواجهة العنف ضد المرأة من ضمن خططها الوطنية لمواجهة تفشي وباء كورونا.
"ظروف غير مسبوقة"
وتفتقد مناطق شمال شرقي سوريا إلى استشاريين اجتماعيين ونفسيين مهتمين بموضوع المرأة ومعالجة قضاياها.
ويقول شكري يوسف، الاستشاري النفسي في مدينة القامشلي لـ"نورث برس"، إن فترة الحظر بسبب انتشار فيروس كورونا كانت غربية وفريدة على سكان المنطقة وهو ما غير من عادات أفراد العائلة لا سيما بقاء الرجل لوقت طويل داخل المنزل، وهو ما زاحم على حرية الزوجة داخل بيتها وزادت من ضغوطاتها النفسية وتقييد حركتها، على حد تعبيره.
"وباء الظل"
وكان مجلس المرأة السورية الذي ينشط في مناطق شمال شرقي سوريا قد حث مطلع أيار/مايو الفائت، الإدارة الذاتية على تشكيل خلية أزمة لمواجهة ما أسماه بـ"وباء الظل" أسوة بخلية الأزمة التي شكلت لمواجهة كورونا".
ودعا إلى التعاون والتنسيق مع مختلف المنظمات والمنصات المدنية العاملة في مجال حقوق الإنسان "لمطالبة الحكومات بتنفيذ العقوبات وملاحقة مرتكبي جرائم العنف المنزلي".
وأوضح أن جائحة كورونا "قد أماطت اللثام عن المستور والمتستر عليه ودقت جرس الإنذار وفضحت الثقافة الذكورية المبنية على الازدواجية في الأخلاق والتعامل وخاصة في فترات المحن والأزمات" على حد تعبير البيان.
"تدابير"
ودعا "يوسف" إلى الاهتمام بالتنمية البشرية وإعادة تنظيم المجتمع من الناحيتين الإدارية والثقافية لتجاوز مواضيع العنف المنزلي، وهو "شيء مفقود في منطقتنا" كما قال.
وينصح أن يتمكن أفراد العائلة من تلافي الضغوط النفسية عبر القراءة والتواصل مع الأصدقاء والأقارب، لاسيما في فترات المكوث الطويلة في المنزل.
وكان محمد علي عثمان، المرشد النفسي والإداري في مركز "سمارت" الذي يعنى بشؤون المجتمع المدني في القامشلي، قد قال في وقت سابق لـ"نورث برس" إن الحظر غيّر من روتين العائلات، لا سيما في المدن، كما أن الروتين في حياة بعض الأفراد تغير بشكل جزئي، بينما تغيرت أحوال آخرين بشكل كبير بحسب ظروفهم قبل الحظر. مؤكداً أن هذا التغيرات شملت جوانب اقتصادية واجتماعية وأسرية.
ويرى "عثمان" أن عدد أفراد الأسرة عامل مهم في نوع المشاكل التي تعيشها الأسرة، بالإضافة إلى طبيعة شخصية الآباء والوضع الاقتصادي.
وينصح المرشد النفسي، باتباع سلوك يدعو إلى التفاهم بين أفراد الأسر لتلافي المشاكل النفسية التي تظهر جراء قضاء فترة الحظر في المنزل، وكذلك "اتباع خطط فردية أو جماعية كالقراءة والرياضة والتواصل مع الأصدقاء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لتخفيف وطأة الحظر والمشاكل المرافقة له".