أطفال في إدلب دفعهم النزوح والفقر إلى صفوف هيئة "تحرير الشام"

إدلب- رزان السيد – نورث برس

 

يتفقد الطفل بسام جدعان (١٤عاماً)، من سكان إدلب شمالي سوريا، ضماد جرح في كتفه اليمنى بعد إصابته بطلق ناري أثناء مناوبته الليلية على حاجز لهيئة "تحرير الشام"، شمال إدلب، وذلك حين باغتتهم مجموعة ملثمة بهجوم مسلح كاد يودي بحياته.

 

ولا تزال الانتهاكات بحق الأطفال مستمرة، وخاصة فيما يتعلق بتجنيدهم واستخدامهم في العمليات العسكرية من قبل معظم أطراف النزاع في البلاد، ولاسيما هيئة "تحرير الشام"  التي عمدت لتجنيد أطفال تقل أعمارهم عن /18/ عاماً من خلال حملات كانت تطلقها مع كل حملة عسكرية، من بينها حملتا "انفروا خفافاً وثقالاً" و"جاهد بنفسك" اللتان استهدفتا بشكل أساسي سكان مخيمات النازحين وأطفالهم من خلال المغريات المادية وحثهم على "الجهاد".

 


تقرير من شبكة إباء حول حملة "انفروا خفافا وثقالا" لتجنيد الأطفال في مخيمات أطمة شمال إدلب
 

ولا ينكر الطفل "جدعان" أن ما دفعه للانضمام لصفوف هيئة "تحرير الشام" هو البحث عن مصدر للدخل نتيجة الوضع المعيشي المتدهور لوالده في ظل النزوح وقلة فرص العمل.

 

 " أحاول من خلال ما أتقاضاه من راتب شهري، مساعدة والدي في مصاريف المنزل وخاصة آجار المنزل الذي يثقل كاهلنا".

 

من جهته يعرب والد الطفل الجدعان ويدعى أبو محمد (٤١ عاماً) عن عدم رضاه عن سلوك ابنه لهذا الطريق الخطر وخاصة وهو في هذا العمر.

 

 وقال:" لم أستطع منعه من الذهاب رغم كل محاولاتي، كنت متأكداً أنني سوف أخسره، وإصابته هذه أكبر دليل على كلامي".

 

 وأضاف أن "فصائل المعارضة تقوم بتجنيد هؤلاء الأطفال لجعلهم في فوهة المدفع وليكونوا درعاً بشرياً يحتمون خلفه".

 

وبالإضافة للأسباب المادية، يرى بعض اليافعين المجندين أو أولياء بعض الأطفال المجندين أن الانتساب إلى الفصائل والحصول على نفوذ ضمن صفوفها سيحمي عائلاتهم من بطش وانتهاكات مسلحي تلك الجماعات  التي ترتكب القتل والاعتقال والتعذيب والسرقة وغيرها.

 

وكانت الأمم المتحدة قد قالت في التقرير السنوي للأمين العام عن الأطفال والنزاعات المسلحة، الذي صدر في حزيران/ يونيو الفائت، إنها تحققت من وقوع /6382/ انتهاكاً أثرت على /2922/ طفلاً في سوريا، بالإضافة إلى تجنيد واستخدام /820/ طفلاً، بينهم /798/ طفلاً خدموا في القتال، و/147/ بينهم تقل أعمارهم عن /15/ عاماً.

 

ولا يجرؤ ذوو الأطفال الذين تم تجنيدهم على المطالبة بتسريح أطفالهم غير البالغين، خوفاً من سلوك وممارسات تلك الجماعات.

 

وقال خالد الحلاق (٤٥ عاماً)، وهو والد أحد الأطفال المجندين لدى هيئة "تحرير الشام": "فقدت ابني الذي خرج غاضباً على خلفية شجار عائلي عدة أيام ثم علمت لاحقاً أنه التحق بهيئة "تحرير الشام"، جن جنوني خوفاً عليه وتوجهت على الفور إلى مقراتهم للمطالبة بإطلاق سراحه، لكنهم طردوني وهددوني بالاعتقال إن لم أنصرف، فلم أجد بداً من العودة".

 

وأضاف "الحلاق" أنهم أخبروه بأنه لا يحق له منع ابنه من الالتحاق بالفصائل ونيل شرف ما أسموه بـ "الجهاد في سبيل الله".


طفل مجند في صفوف هيئة "تحرير الشام" (نورث برس)
 
ويتم ضم الأطفال لصفوف "الهيئة" عن طريق إخضاعهم لدورة شرعية لساعات طويلة في اليوم، إضافة لتدريبات عسكرية على السلاح، وسط جدية دائمة ومطلقة لترسيخ فكرة طاعة الأمير، وفق شهادة أطفال التقتهم "نورث برس" بعد تجنيد الهيئة لهم.

 

 ويضيف أحد هؤلاء الأطفال أن "التعامل مع الأطفال المجندين يتم بغض النظر عن أعمارهم ودون وجود أي وسائل ترفيهية".

 

وكانت حملة  "أطفال لاجنود" التي أطلقها ناشطون في إدلب بهدف مناهضة تجنيد الأطفال قد وثقت تجنيد أكثر من /٥٠٠/ طفل خلال حملة "انفروا" التي أطلقتها هيئة "تحرير الشام"  أواخر العام ٢٠١٦.


جدرا مدرسة في إدلب (نورث برس)
 

وكانت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" قد قالت، في تقرير لها نشر في أيار/ مايو الماضي، إن عدداً من الجهات المحسوبة على هيئة "تحرير الشام" كمجلس الشورى العام ووزارة الأوقاف التابعة لحكومة الإنقاذ، قد أطلقت حملة "جاهد بنفسك" في أواخر العام 2019 لحثّ الناس على القتال ومن ضمنهم الأطفال، من خلال ترغيبهم بالمال تارةً وبالجنة تارة أخرى.

 

ويضيف التقرير، أن هذه الحملات وبحسب ناشطين إعلاميين، تمكنت من تجنيد عشرات الأطفال ضمن صفوفها، من خلال تقديم المغريات لهم، كإعطائهم المنح المالية، بالإضافة إلى حوافز أخرى كتوزيع السلال الغذائية أو منحهم مساكن مجانية والتكفل بإيجارها، ولعلّ سوء الأحوال المادية للعديد من الأطفال وعوائلهم، هو ما دفعهم لقبول هذا التجنيد.

 

وقال علي الحسن (٣٠ عاماً)، وهو أخصائي اجتماعي من إدلب، إن " الهيئة أطلقت لتجنيد الأطفال حملات ضخمة ومدروسة وممولة بشكل جيد، واعتمدت بشكل رئيسي على الجانب العاطفي والحماسي من خلال مهرجانات في أغلب البلدات والقرى والمدن يحضرها مشايخ ودعاة يروجون للفكرة".

 

وأضاف: "لا يقتصر الأمر على ذلك، فهناك أيضاً وسائل إعلانية مثل اللوحات الطرقية الداعية للجهاد، وتكريس صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي والقيام بلقاءات شخصية بهدف ضم الأطفال إلى المسلحين".

 

ويعزو "الحسن" سبب وصول مثل هذه الحملات لأهدافها في استقطاب الأطفال واليافعين إلى " قلة الوعي في المجتمع وغياب المؤسسات التعليمية وحركة النزوح، فيجد الأطفال أنفسهم عرضة للتجنيد بسبب استغلال الهيئة للظروف والأسباب وإعطاء أولئك الأطفال الذين يعانون الفقر الشديد مبالغ مالية لم يحلموا بها يوماً والتي تتراوح بين /١٠٠/ و/١٥٠/ دولار أمريكي.