على الرغم من جماهيريتها.. انتقادات لاذعة لمسلسلات البيئة الشامية

دمشق – أحمد كنعان – نورث برس

 

يعتبر مسلسل أيام شامية أول عمل تلفزيوني اتّخذ البيئة الشامية شكلاً له، ومنذ إنتاجه عام 1992، تمّ إنتاج عدد كبير من الأعمال المشابهة بالشكل، كالخوالي وأهل الراية وغيرها.

 

وفي الوقت الذي اعتبرت فيه صحيفة "واشنطن بوست" مسلسل باب الحارة من الأعمال العشرة الأكثر متابعة حول العالم، فإنّ هذه الأعمال لاقت انتقادات واسعة من النقاد ومن الجمهور، ومازال المنتجون مصرّون على إنتاجها، حيث يتم الآن التحضير لجزأين جديدين من باب الحارة، ويتم كتابة جزء جديد من مسلسل بروكار.

 

وقال أحمد علي هلال وهو ناقد فني لـ "نورث برس" إنّ ما اصطلح على تسميته بدراما البيئة الشامية، واختزالاً بالدراما الشامية، "ظلّ وثيق الصلة بالماضي وبيئته الاجتماعية، ما خلا إدخال جملة من القضايا والمفاهيم والأفكار تطعيماً للنص والرؤية الإخراجية".

 

وأضاف: "الأعمال التي عُرضت في الموسم الأخير، خلقت لدى المشاهد سؤالين يرتبطان ببرهان على كسر الصورة النمطية التي جاءت بها هذه الدراما، الأول: هل هي كسر الألفة والاطمئنان إلى ما يعرفه المتلقي، الثاني: من تستهدف هذه الأعمال، وهي شعبوية الطابع؟".

 

وقال هلال إن "مقارنة بسيطة بين ما ألفه الجمهور سابقاً، وما شاهده راهناً (بروكار وسوق الحرير) على سبيل المثال لا الحصر، نرى إنّ جملة من القضايا قد نزعت إلى الالتصاق بما يمكن تسميته بالمعاصرة وتحرير المعنى، في النظرة إلى المرأة ودورها ومكانتها، وهذا ما يُسجل لها، لكن المشكلة في كيفية النظرة إلى الماضي والتخفيف من منظوماته القيمية وعصرنة العمل البيئوي بما ينسجم مع استحقاق الحاضر".

 

وأمّا الناقد الفني زيد قطريب فقد أطلق في حديثه لـ "نورث برس" على أعمال البيئة الشامية تسمية "دراما الردّة" لأنها برأيه "عودة قهرية إلى الماضي المظلم جرّاء انعدام المستقبل وغياب المشروع الفني والثقافي الواضح والهادف".

 

 وقال: "من هنا تورطت الدراما الشامية، بمعظمها، في قلب المجتمع السوري رأساً على عقب، عندما حولت النساء إلى جاريات، والرجال إلى فحول وقبضايات، فأصبحت البلد عبارة عن حارة مغلقة الأبواب تتصارع مع جاراتها من الحارات الأخرى، ويظهر فيها الجميع مشغولين بطبخ الكبة مع البصل وكتابة الحجابات والتعاويذ بحضور الداية التي تعتبر كاركتراً ضرورياً لتبهير المشاهد الخالية من الدسم والمغرقة في التفاهة والاستهلاك".

 

وعن المتابعة الجماهيرية الكبيرة لهذه الأعمال وخصوصاً باب الحارة رأى قطريب أن "ذلك اتهام لهذا المسلسل في أجزائه المكسيكية الكثيرة، التي أغرقت في تسطيح العقل، ولم تشاهد في التاريخ السوري أيّاً من المناضلات ومؤسسات الجرائد وصاحبات الصالون النسائية المعروفات في تاريخنا الدمشقي على نحو خاص".

 

ومن الطبيعي ألّا تشكّل جماهيرية الأعمال الفنية صك غفران لنوعيتها الرديئة، فالجماهير سبق أن تورطت أيضاً بالتصفيق للفن الهابط في الغناء والرقص مثلما فعلت في المسلسلات الهابطة ".

 

وعبر عن اعتقاده بأن السبب في ذلك هو "غياب القضية وانعدام المشروع الثقافي والمسؤولية في الدفاع عن الجمال وعن الحقيقة التاريخية كأضعف الإيمان".

 

وتابع قطريب "إنّ هذه المسلسلات شكّلت دعم اتجاه تكفيري تعصبي في المجتمع وساعدت على انتشاره، خاصة عندما انتشرت ألعاب الأطفال المستوحاة من هذه المسلسلات مثل الخنجر واللباس التقليدي الذي يلبسه الرجال في باب الحارة، وفي هذا الإطار يمكن أن نتحدث عن تواطؤ مقصود أو بعامل الجهل، لدى صناع هذه المسلسلات، مع كل ما يجعل المجتمع متخلفاً يعود للوراء، من دون تصوير ولا نقطة مضيئة في التاريخ القريب والبعيد، مع أن النقاط كثيرة ويمكن الإشارة إليها التزاماً بالموضوعية وهو أقل من الواجب بكثير".

 

في حين بيّن سمير هزيم كاتب مسلسل بروكار، وهو من أعمال البيئة الشامية التي عرضت في الموسم الأخير، لـ "نورث برس" أنّه لا يوجد عمل يمكن أن يخلو من الانتقادات، والنقد هو الذي يصحح مسار العمل الفني، ولكن يجب أن يكون نقداً بنّاءً وبنوايا طيبة".

 

وعن الخطأ الذي وقع فيه المسلسل بتقديم أميرة هولندية ترتدي فستان زفافها المصنوع من البروكار الدمشقي في حين كانت الملكة إليزابيت هي التي ارتدت الفستان كهدية الرئيس شكري القوتلي الذي قدم لها /200/ متر بروكار في العام 1952، "لأني محكوم بفترة الانتداب الفرنسي، لم أستطع تجسيد الواقعة الحقيقة، فأسقطت الحادثة على أميرة هولندية ومن حق الكاتب أن يمارس هذا الاسقاط في العمل الفني".

 

وعن مستقبل أعمال البيئة الشامية رأى أن هذه الأعمال يجب أن تستمر ضمن إطار تجديد دائم، لأن الحارات الدمشقية غنية بالحكايات الفلكلورية، ولها طابع خاص لتكون الفاكهة الرمضانية لكل عام".

 

أمّا المخرج محمد زهير رجب الذي أخرج مسلسل بروكار وكذلك الجزء العاشر من باب الحارة فقد أشار لـ "نورث برس" إلى أنّ التعميم بالحديث عن أعمال البيئة الشامية ظالم إلى حدّ كبير، فلكل عمل خصوصيته، ويجب أن يناقش منفرداً، ولا يمكن التعميم بالحديث عن هذه الأعمال حتى ولو تشابهت باتخاذها البيئة الشامية شكلاً لها".

 

وقال إن: "بروكار على سبيل المثال لا يحتوي ما تحتويه كل الأعمال من حفلات طهور وأعراس وحمام، مما أشار إليه النقاد في مهاجمتهم لأعمال البيئة الشامية، فالموضوعية تقتضي أن يوجّه النقد لكل جزء من الأجزاء على حدى، حتى باب الحارة لا يمكن اعتباره عملاً واحداً فقد تناوب على كتابته عدد من الكتاب، وأخرجه عدد من المخرجين".

 

وأوضح أنّ أسرة العمل أصرّت على إقامة مؤتمر صحفي للإعلان عن بدء التصوير، لكي نستمع إلى كل الآراء ونستنير بها، شرط أن تغني العمل ولا تهاجمه سلفاً لأنّه عمل بيئة شامية، أو لأن عدد أجزائه صار كبيراً، فما المانع من الأجزاء الكثيرة إذا كنا سنستفيد من الأخطاء السابقة وسنطور خطوط جديدة في العمل".

 

وكان رجب قد قال لنورث برس في وقت سابق أن الاجزاء الجديدة من باب الحارة تحمل مفاجآت كثيرة وأنه سينصف المجتمع الدمشقي وبرأ نفسه من عدم المصداقية التي كانت موجودة في الأجزاء السابقة.

 

وكان محمد قبنض مدير الشركة المنتجة لباب الحارة قد قال في المؤتمر الصحفي الذي عقد للإعلان عن إطلاق التصوير قبيل الحظر بسبب كورونا "باب الحارة كشجرة مثمرة وتعيش منه عائلات كثيرة وهو مطلوب للمحطات ويحظى بمتابعة لذلك سنستمر بتقديمه".