"حرب عبثية".. موظفون في السويداء رفضوا الخدمة العسكرية وفصلوا من وظائفهم

السويداء – نورث برس

 

يعمل موظفون سابقون لدى الحكومة السورية في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، في ورشات بناء وأعمال صيانة منذ صدور قرارات فصلهم من القطاع العام خلال السنوات الماضية.

 

وبلغ عدد موظفي القطاع الحكومي المفصولين من عملهم جراء عدم التحاقهم بالخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية في محافظة السويداء منذ عام 2012 حتى الآن  /2000/ موظف، بحسب مكتب الإحصاء والتعبئة التابع لمحافظة السويداء.

 

وقال مدرس، صدر قرار فصله من وظيفته منذ العام 2016، وطلب عدم ذكر اسمه، إنه يعمل في ورشة ميكانيك في المنطقة الصناعية بالسويداء، "تألمت كثيراً لقرار فصلي آنذاك، وعندما علم طلابي في المرحلة الثانوية بذلك، توجه بعضهم للاعتصام أمام مبنى محافظة السويداء احتجاجاً على قرارات الفصل التعسفية ".

 

وأضاف لـ"نورث برس": "لم ألتحق بالخدمة العسكرية لقناعتي بأن الحرب الدائرة في سوريا عبثية ولا جدوى منها".

 

وأشار "المدرس" إلى اضطرار مدرسين وموظفين آخرين للالتحاق بالجيش لإعالة عائلاتهم، "لكن تم فرزهم آنذاك إلى إدلب، وتمكن بعضهم من الفرار، في حين انقطعت أخبار أخرين عن ذويهم".

 

حرمان من التعويضات

 

وتسببت قرارات الفصل التعسفي تلك بحرمان الموظفين من العديد من حقوقهم الوظيفية والنقابية وعدم حصولهم على تعويضات وتأمينات يفترض أنها محمية بقوانين وأنظمة داخلية لتلك المؤسسات.

 

وقال رئيس دائرة الشؤون الإدارية في مديرية تربية السويداء، منصور جريرة، إن قرارات الفصل تلك، حرمت المفصولين من تعويضات الخدمة والتقاعد، إضافة إلى فصلهم من نقابة المعلمين والتي تتولى مهمة صرف التعويضات الصحية لهم كأعضاء في النقابة".

 

"مديرية المفصولين"

 

وقال جهاد عز الدين، وهو أمين مجلس محافظة السويداء الأسبق، لـ "نورث برس"، إن قرارات فصل صدرت منذ العام 2014 في ظل حكومة رئيس مجلس الوزراء الأسبق وائل الحلقي، "وكانت تلك القرارات ممهورة بختم رئيس الحكومة ومحافظ السويداء السابق عاطف النداف".

 

وكانت أولى قوائم الفصل لعدد من موظفي السويداء قد صدرت في /30/ نيسان/ أبريل عام 2014، وشملت /61/ عاملاً من دوائر حكومية مختلفة، بينهم /32/ من الموظفين لدى مديرية التربية بالسويداء، بينما توزعت باقي الأسماء المفصولة بين مديريات الصحة والزراعة والخدمات الفنية.

 

وأضاف "عز الدين": "أتت قرارات الفصل تلك جراء امتناع الذين وردت أسماؤهم في كتاب الفصل الوزاري عن تلبية التبليغات الصادرة عن شعب تجنيدهم للالتحاق بالخدمة الإلزامية أو الاحتياطية".

 

وجاء القرار الثاني في /15/ أيار/ مايو 2015 ليقضي بفصل /48/ عاملاً من موظفي القطاع الحكومي في محافظة السويداء، من بينهم /22/ اسماً لثمانية مهندسين وعشرة مدرسين واثنين من الإداريين، ممن رفضوا الالتحاق بالجيش السوري.

 

أما القائمة الثالثة لفصل الموظفين في السويداء، فصدرت في /13/ كانون الأول/ ديسمبر 2015، وقضت بالفصل الوظيفي لـ /54/ موظفاً، كانت حصة مديرية التربية هذه المرة /25/ اسماً، فيما كان الباقون موظفين لدى دوائر الصحة والزراعة والخدمات والمالية بالسويداء.

 

 ويذكر موظفون مفصولون من المدينة أن السكان أطلقوا على مديرية تربية السويداء تسمية "مديرية المفصولين"، في إشارة إلى كثرة أعداد المفصولين من قطاع التربية آنذاك.

 

الفرار من الخدمة العسكرية

 

وحاول وجهاء السويداء و"شيوخ عقل طائفة الموحدين الدروز"، إيجاد حل لمسألة المطلوبين للخدمة العسكرية، سواء الإلزامية أو الاحتياطية، إلا أن تشدد السلطات في التعامل مع هذا الملف حال دون حل المشكلة.

 

وكان بيان قد صدر في 2015 من "شيخ العقل" حكمت الهجري، وهو أحد أبرز ثلاث "شيوخ عقل لطائفة المسلمين الموحدين الدروز"، قد تعهّد " لمن يسلّم نفسه من المتخلفين عن خدمة العلم بأن تكون خدمته داخل السويداء".

 

إلا أن الحكومة السورية زجت بالكثير ممن سلموا أنفسهم في معارك بعيدة عن السويداء، لتتكرر حوادث فرار أولئك الملتحقين بالخدمة العسكرية حتى قبل صدور قرارات فرزهم.

 

و قال مصدر من القوات الحكومية، رفض كشف اسمه، لـ"نورث برس"، إن قرابة /50/ شاباً من أبناء السويداء فروا في تموز/ يوليو من العام 2015 من ثكنة "سد العين" الواقعة جنوب مدينة السويداء قبل فرزهم النهائي على قطاعات الجيش.

 

وأضاف: "توجه الفارون إلى بلدة المزرعة لطلب الحماية من الشيخ وحيد البلعوس، قائد فصيل مشايخ الكرامة آنذاك".

 

وأفاد مصدر خاص من شعبة التجنيد الحكومية في السويداء "نورث برس" أن أعداد غير الملتحقين بالخدمتين الإلزامية والاحتياطية وصل إلى نحو /30/ ألف شاب.

 

"وقف التنفيذ"

 

وحصل ناشطون في السويداء على جدول لأسماء موظفين، قالوا إن قرار الفصل صدر بحقهم في عام 2016  من مقر ديوان المحافظة، وتضمنت القائمة على أكثر من أربعين حالة فصل إفرادي شملت نشطاء وسياسيين معارضين.

 

 ولم تعلن الحكومة عن الكثير من تلك الأسماء بشكل رسمي، حيث طلبت رئاسة الحكومة من دوائرها في السويداء التبليغ الإفرادي لكل حالة، بحسب ناشطين وثقوا تلك القرارات.

 

وتتابعت قوائم الفصل الصادرة من الحكومة السورية بعد العام 2017 ولكن بأعداد أقل من السابق، وقضى تعميم لرئاسة مجلس الوزراء صدر بعد قائمة فصل موظفين في العام 2018، بتجميد تنفيذ الفصل بحق الأسماء الواردة في القرار.

 

ويرى البعض أن الاستياء الشعبي في السويداء والإشارة إلى القرارات التعسفية بحق العاملين في الدولة في بيانات صادرة عن "الرئاسة الروحية لمشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز"، كان له الدور الأبرز في إيقاف تنفيذ بعض قرارات الفصل بحق موظفي القطاع الحكومي.

 

ولم تصدر أي قوائم فصل من رئاسة الوزراء في العامين 2019 و2020 رغم تخلّف المئات من أبناء المحافظة للالتحاق بالجيش، بينما صدرت مراسيم رئاسية بتسريح دورات عسكرية، ليعود من شملهم التسريح سابقاً والتحقوا بالخدمة العسكرية إلى وظائفهم بعد تأدية الخدمة العسكرية.

 

إلا أن العودة لتلك الوظائف بعد سنوات من الحرب والمعاناة لم يغث عائلاتهم وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة السورية، في ظل راتب وظيفي يقدر وسطياً بـ /50/ ألف ليرة سورية وهو ما يعادل حوالي /20/ دولاراً.