مشاهد المجازفة وإخراج المعارك.. ودورها في الدراما السورية
دمشق – أحمد كنعان – نورث برس
يشكل تنفيذ المشاهد الخطرة وأحداث المعارك في الدراما السورية أهمية خاصة لدورها في نجاح العمل وإقناع المشاهد بواقعية الحدث الذي يجري عرضه، وهو ما جعل الحاجة تزداد إلى مجازفين ومخرجي معارك يجمعون بين المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية.
ومع تطور الدراما السورية في فترة التسعينيات من القرن الماضي وتنوع مواضيعها واعتمادها بشكل ملحوظ على الفانتازيا والمسلسلات التاريخية، كان لابد من الاعتماد على خبرات وكوادر سورية في منتصف التسعينات نتيجة ارتفاع أجور الخبرات الأجنبية، إلا أن المتابع كان يلاحظ بعض الركاكة قياساً بالإنتاج العالمي.
رفض الممثل أداء المجازفة
ومع شعور الممثل أن المشهد المطلوب يتضمن خطورة أو أداء يحتوي حركات ومهارات خاصة، يطلب من الجهة المنتجة الاستعانة ببديل لإنتاج المشهد المطلوب، بينما يتولى هو بنفسه تنفيذه في حالات أخرى.
وقالت الممثلة أمية ملص: "إذا لم يكن المشهد مدروساً بشكل جيد، أعتذر عن أدائه، وأطلب بديلاً من الجهة المنتجة، لأن المجازفة اختصاص ويحتاج طاقات جسدية ومعرفة بتكنيك حركي معين لا نمتلكه في كل الأحيان".
وذكرت "ملص" أنها مثّلت دون بديل دور امرأة مشنوقة في مسلسل "أولاد الشر" الذي أُنتج عام 2019، "لأن الفريق الذي حضر كان متخصصاً ولاحظت احتراف عملهم، فقبلتُ أداء المشهد، مع أنهم عرضوا علي أن تقوم مجازفة بديلة بأدائه بدلاً عني".
واستطاعت الدراما السورية تقديم /234/ عملاً، بينها /203/ عملاً من إنتاج سوري بحت و/31/ عملاً من إنتاج عربي بمشاركة سوريّة، وذلك في سنوات الحرب بين العامين 2011 و2019، وبلغ نسبة الأعمال التي نفّذت فيها مجازفات 40 %، تشمل كل الأعمال التاريخية وأعمال البيئة الشامية والأعمال البوليسية الاجتماعية.
مجازفون أحبوا مهنتهم
وقال محمد الصيرفي (21 عاماً)، وهو مجازف كان قد مارس الفنون القتالية لفترة طويلة، إنه اختار هذا المجال لأنه يقوم بمجازفات لا يستطيع الكثيرون القيام بها، "لا أخاف من أخطر المشاهد لأن الخوف يخلق تشويشاً قد يؤدي إلى الإصابة".
ورغم أنّ الأجور التي يدفعونها للمجازف "جيدة"، برأيه، "لكن هناك أمراً معنوياً، فلماذا لا يعرضون صورة المجازف الذي أدى المشهد الخطير إلى جانب صورة النجم الذي كان المجازف بديلاً عنه في تلك المشاهد".
في حين قالت المجازفة أريج حسون (21 عاماً)، وهي طلبة بكلية الحقوق جامعة دمشق: "في البداية كنت أخاف فعلاً، ولكن بعد التدريب وإعادة المشهد أكثر من مرة تخلصت من الخوف".
وأضافت أنها اختارت أن تثبت ذاتها في هذا المجال، "لأن الجميع ينظر للمرأة على أنها غير قادرة على أداء هكذا مجازفات".
ضرورات لإخراج المعارك
ويعتمد نجاح المشاهد القتالية على "مخرج المعارك" الذي يجمع بين المعرفة الأكاديمية والتقنية لتنفيذها، والجانب الفني لتقديم صورة تحقق إبهار المشاهدين.
وقال معد ورد، وهو مخرج معارك سوري خضع لدورة مكثفة في بوليوود في الهند، لـ "نورث برس"، إنه "ينبغي على من يحمل صفة مخرج معارك أن يمتلك الخبرة الكافية في مختلف أنواع الفنون القتالية بشكل نظري وعملي، وأن يكون خبيراً في استخدام الأسلحة التقليدية والنارية، وأن يحمل ثقافة معرفية عن تنوع الأساليب القتالية بين المجتمعات والأعراق وتطورها عقب الحقب الزمنية، كما يجب أن تتوفر لديه الرؤية الفنية التي تخوله لتشكيل صورة تحقق المتعة والإبهار".
وأشار "ورد" إلى أن مستوى إخراج المعارك في الدراما السورية "لم يكن مقنعاً إلا نادراً وذلك عندما تم الاعتماد على خبرات أجنبية في بعض الأعمال، فالموضوع لا ينجح ارتجالاً وبشكل اعتباطي، بل يحتاج إلى دراية ومعرفة وتحضير مدروس، لأن أي معركة تحتاج بداية إلى سيناريو خاص بمجموعات حركية فردية وسيناريو جماعي بتشكيلات متناسقة ومتوافقة مع سيناريو العمل، وهذا لا يمكن أن يقوم به إلا خبير أكاديمي بإخراج المعارك".
"ليست خطرة لمن تلقوا التدريب"
وعن مستوى الخطورة في مشاهد المجازفة التي يقوم فريقه بأدائها، قال "ورد": "لا يوجد أي خطورة إلا في حال تشتت ذهن المجازف وخروجه عن تعليمات مخرج المعارك، فنحن نقوم بمجازفات وحركات خطرة بالنسبة للأشخاص العاديين، لكنها ليست كذلك بالنسبة لفريق مدرب ومجهز ومدرك للمسار الصحيح لكل خطوة أو حركة نقوم بها".
وأضاف أن فريقه الذي خاض مجازفات ومعارك في خمسة مسلسلات كان آخرها "بروكار"، لم يتعرض لأي إصابة ولو طفيفة، على حد تعبيره.
ويرتبط إخراج المعارك ارتباطاً وثيقاً بمستقبل الدراما السورية، وسينعكس الاهتمام به إيجاباً على الدراما بشكل عام، "فلا يمكن إنكار أن هوليود تفوقت عالمياً بسبب حرفية واتقان مشاهد الأكشن"، برأي مخرج المعارك السوري معد ورد.