السويداء ودرعا.. ما بين السهل والجبل جيرة أنهكتها سنين الحرب

السويداء – نورث برس

 

عاد أحمد أبو خالد (40 عاماً) إلى بلدته الحراك شرق مدينة درعا جنوبي سوريا، بعد انتقاله مع عائلته لفترة قصيرة إلى محافظة السويداء للعمل في ورشة نجارة، وذلك بعدما تزايدت عمليات الخطف والقتل.

 

وتشهد محافظتي السويداء ودرعا جنوبي سوريا، منذ بداية الحرب السورية مثل هذه الحوادث ولكنها باتت تنحو مؤخراً منحاً خطيراً قد يؤدي إلى إثارة فتنة على أسس مناطقية لطالما كانت المنطقة بعيدة عنها حتى قبل بداية الحرب.

 

ويقول أبو "خالد" لـ "نورث برس" إن "الأمر سيء جداً عندما تقوم عصابة من درعا بخطف شخص من السويداء وكذلك العكس".

 

وتجمع السكان في محافظتي السويداء ودرعا التي تمتد بينهما حدود إدارية طويلة تصل إلى /140/كلم، علاقات اجتماعية واقتصادية شهدت تأثراً بعد انتشار ظاهرة الخطف والقتل وتشكل مجموعات مسلحة أدت لأحداث عنف يأمل سكان المحافظتين تجاوزها.

 

"علاقات اجتماعية عريقة"

 

يقول الشيخ جمال هنيدي، وهو من أحد الوجهاء البارزين في ريف السويداء لـ "نورث برس": "تجمعني علاقات اجتماعية واسعة مع أغلب عائلات درعا وهم يكنون لأبناء السويداء كل الحب والخير".

 

ويتابع "هنيدي" المقيم في قرية "صما الهنيدات" شمال غرب السويداء، "الخطف والقتل جراء الاحتقان الحاصل من حرب وتهجير وتشريد وظهور عصابات في كلا المنطقتين، تأتي كمحاولات لإثار الفتنة وإحداث الدسائس بين السهل والجبل".

 

"تبقى العادات والتقاليد والقيم العشائرية وحق الجيرة بين المحافظتين وما جمعهم تعاضد أكبر من إثارة التفرقة والفتنة، لحساب جهات تعمل لحساب الخارج"، وفقاً لوصفه، مؤكداً أن ما يحصل "لن يدوم طويلاً ويبقى التاريخ الناصع بين الجارتين هو الأبقى والأقوى".

 

رابط تجاري

 

وقال أحد تجار الماشية من محافظة درعا والقاطن في مدينة السويداء طلب عدم الإفصاح عن هويته في مقابلة مع "نورث برس": "بحكم العلاقات الجغرافية والاجتماعية بين المحافظتين نشأت علاقات تجارية قديمة بينهما ولكن مع الأسف أغلقت أغلب الطرق الواصلة بين السهل والجبل بين أعوام  2013و2020 جراء  انتشار العصابات التي تمارس الابتزاز والسرقة للسيارات المحملة بالماشية، مما أدى الى توقف عمليات التبادل التجاري والاقتصادي".

 

وكان لتجّار السويداء دور في تحريك النشاط التجاري بدرعا وخاصة في أسواق الهال، كما أن أسواق السويداء كانت تستقطب قبل الحرب السورية أغلب المحاصيل الزراعية من درعا، عدا تجارة المواشي بين الطرفين, لكن تجّار السويداء حالياً باتوا يتوجهون إلى سوق الهال في دمشق عوضاً عن درعا بحسب ذلك التاجر.

 

"جرائم بدوافع اقتصادية"

 

وفي ظل التوتر الأمني، قال أحد المكلفين بالتسويات والمصالحات بين درعا والسويداء من قبل "مشايخ عقل" الطائفة (طائفة المسلمين الموحدين الدروز) والذي تربطه علاقات جيدة مع أهالي المحافظة، وطلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، "لقد تنامت أحداث الخطف والقتل والمتبادل بين المحافظتين الجارتين في السنوات الأخيرة وبالأخص في السنتين الفائتتين أي منذ عام 2018 حيث بدأت ظاهرة الاختطاف تتجه باتجاه خطير".

 

وأوضح أن "قسماً كبيراً من عمليات الخطف تتم بدوافع اقتصادية، عبر طلب الفدية والتي وصلت إلى مبالغ كبيرة تجاوزت الخمسين مليون ليرة سورية مقابل تسليم المخطوف لأهله، وأن انتشار البطالة والفقر الشديدين في عموم الجنوب السوري كان يقابله انتشار واسع للسلاح".

 

ويشير إلى أن "بعض عمليات الخطف قد تكون بدوافع انتقامية وتصفية لحسابات وأحداث سابقة بين سكان من المنطقتين". متأملاً أن "يستطيع أبناء السهل والجبل تجاوز المحنة، بسبب الحرب، والالتقاء الأخوي والأهلي في قادم الأيام؟".

 

مخاوف مستمرة

 

ويرى "الشيخ هنيدي" الذي يحظى بحضور في منطقته، أن أحداث المنطقة بدأت تتفاقم منذ 25 نيسان/ أبريل المنصرم، حين أقدمت مجموعة مسلحة مجهولة من السويداء على اختطاف شابين من سكان بلدة "بصرى الشام" التابعة لريف درعا الشرقي، واقتيادهما إلى بلدة "القريا"، الواقعة إلى الجنوب من مركز مدينة السويداء والتابعة لها إدارياً.

 

ويضيف، "بعد ساعات، قام مسلحون من "بصرى الشام" بمهاجمة بلدة "القريا" في محاولة لاختطاف أشخاص من هناك، حيث وقع اشتباك بين المهاجمين وأشخاص من أبناء المنطقة، تسبب بمقتل عشرة أشخاص من السويداء وإصابة ستة آخرين بجراح، بالإضافة إلى مقتل أربعة من المهاجمين".

 

تدخّل روسي

 

ويقول عماد العقباني منسق العلاقات الروسية السورية في المنطقة الجنوبية لـ "نورث برس" بأن وفداً من الضباط الروس والمكلفين من قياداتهم بمتابعة المسائل الأمنية في السويداء ودرعا والتابع لمركز حميميم العسكري، قام بزيارة مفاجئة في 4 أيار/مايو الماضي إلى مقر الزعامة الأميرية الدرزية للأمير لؤي الأطرش في "دار عرى" للتباحث معه في التطورات الخطيرة والمتنامية من خطف وقتل بين المحافظتين.

 

وبعد التداول تمخض النقاش عن مقترحات أبرزها تشكيل لجنة مصالحة مشتركة بين المحافظتين عددها ستة أشخاص من كل محافظة تكون من الوجهاء من كلا الطرفين، لكن  اللجنة لم تشكّل حتى الآن، وفقاً لكلامه.

 

عمليات خطف وقتل

 

وسجل "مكتب توثيق الشهداء في درعا" /15/ حالة خطف جرت بين المحافظتين خلال شهري آذار/مارس ونيسان/ أبريل الماضيين، فيما بلغت حصيلة الخطف المتبادل /27/ حالة منذ بداية العام الحالي، و/54/ حالة منذ أيار/مايو العام الماضي.

 

وتشير إحصائية لنشطاء مدنيين من المحافظتين إلى ارتفاع عدد محاولات الاغتيال بأشكال وأساليب عدة، كتفجيرات بواسطة عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار، نفذتها خلايا مسلحة خلال الفترة الممتدة من حزيران/يونيو العام الماضي إلى تاريخ مطلع حزيران/يونيو الجاري بلغ أكثر من /389/ حالة.

 

ووصل عدد الذين قتلوا إثر تلك المحاولات وخلال الفترة ذاتها إلى /232/ حالة بينهم /51/ مدني و/118/ من قوات الحكومة السورية والمسلحين التابعين له والمتعاونين مع قوات الأمن و/41/ من فصائل المعارضة ممن أجري تسويات ومصالحات بحقهم و/17/ من القوات التابعة لـ"حزب الله"، إضافة إلى 6 من الفيلق الخامس الذي أنشأته روسيا.

 

خلال الحرب

 

وكانت حالة الاستقرار والتضامن المجتمعي بين المحافظتين، مع بداية انتشار الاحتجاجات في معظم المدن السورية العام 2011، هي السائدة قبل أن تتطور الأحداث نحو العسكرة ويتراجع الأمن والاستقرار.

 

وفي حين تطورت الحالة الاحتجاجية في درعا إلى حمل السلاح بعد استخدام القوات الحكومية للعنف المفرط تجاه السكان، لم يشهد الحراك في محافظة السويداء أي نوع من أنواع التحول إلى حمل السلاح أو تشكيل فصيل تحت لواء ما يسمى الـ "الجيش الحر".

 

لكن تجمع "رجال الكرامة في محافظة السويداء" المعارض كان قد أعلن في بيان أصدره في أيلول/ سبتمبر 2015، أن "جبل العرب منطقة محررة من عصابات الأمن وزمرهم"، متعهداً بـ"استمرار عمل المؤسسات العامة والخدمية بإشراف الإدارة الذاتية المنبثقة عن الهيئة المؤقتة لحماية الجبل"، لكن البيان سحب فيما بعد دون معرفة السبب.

 

وفي نيسان / أبريل 2017 طُرح في منطقة حوران "مشروع للحكم الذاتي لإقليم جنوب سوريا"، الذي لم يحمل اسم أي جهة أو أي توقيع، ودعا إلى إقامة حكم إداري وسياسي لتدبير وإدارة شؤون المنطقة الجنوبية، التي تشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، على أن يتكون من سلطات ثلاث؛ متمثلة ببرلمان الإقليم، وحكومة الإقليم، والمجلس الأعلى للقضاء.

 

لكن مؤسسات وفعاليات من درعا، وسوريا عموما، اعتبرته مشروعاً يدعو لفصل حوران عن سوريا.