التدهور الاقتصادي يفاقم الأوضاع المعيشية لنازحين وعائلات مرضى في منبج

منبج – صدام الحسن – نورث برس

 

في شقة غير مكتملة البناء، وسط مدينة منبج، شمالي سوريا، يسكن الأربعيني أحمد الحسون رفقة عائلته المكونة من /8/ أشخاص، دون أبوابٍ ولا نوافذ، وهو ما يلخص حال عائلات نازحة في المدينة أنهكها النزوح والفقر مع وجود مرضى بين أفرادها.

 

وأدى استمرار انهيار قيمة الليرة السورية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وإيجار المنازل وأثمان الأدوية، إلى تفاقم معاناة عوائل ذات دخل محدود في مدينة منبج، من ظروف معيشية صعبة، ولاسيما تلك النازحة أو التي يعاني أحد أفرادها من مرض ويحتاج إلى معالجة دورية.

 

وينحدر "الحسون" من قرية "الكريدية" شرق مدينة الباب، شمال غربي سوريا, والتي نزح منها عام 2016  هرباً من معارك جرت بين مسلحي فصائل المعارضة المدعومة من تركيا وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

 

"كنا نعيش سابقاً في بيوتنا بالقرية، اضطررنا للنزوح وترك ديارنا بسبب الاشتباكات بين الفصائل والدولة الإسلامية، لكن حتى بعدها لم يكن الوضع يطاق في ظل سيطرة الفصائل"، على حد تعبيره.

 

ودفعت حالة الاستقرار الأمني النسبية في المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مقارنة بالمناطق السورية الأخرى، مئات آلاف السوريين من مختلف المناطق للتوافد والنزوح إليها خلال سنوات الحرب.

 

"أوقفت العلاج"

 

ويعاني "الحسون" من مرض التهاب الكبد /B/، وهو مرض معدٍ ناجم عن تلوث فيروسي يصيب الكبد، "لا أستطيع حمل أكثر من \10\ كغ ولا أستطيع المشي لأكثر من خمسين متراً، كما أنني أحتاج إلى قرابة \25\ ألف ليرة شهرياً ثمن أدوية معالجة المرض".

 

ويخضع" الحسون" حالياً للمراقبة، كما يحتاج لإجراء تحاليل طبية ومخبرية كل ستة أشهر في مشفى ابن النفيس أو مشفى الأسد الجامعي في دمشق.

 

ويضيف: "كنت أنفق قرابة \400\ ألف ليرة سورية في كلّ مرة أذهب فيها إلى المشفى، وهو ما أجبرني على بيع قطعة أرض كنت أملكها في القرية لمتابعة مرحلة العلاج وتسديد الديون التي تراكمت علي".

 

وعلى الرغم من توصية الأطباء، لا يقوى الحسون على متابعة علاجه بسبب تكاليف السفر والمشافي، بالإضافة إلى إغلاق الطرقات، "أوصاني الأطباء بعدم إيقاف العلاج درءاً لأي تفاعلات في المرض قد تصل إلى حالة تشمع الكبد وحينها سيكون الموت أهون علي من البقاء حياً".

 

وتتكون عائلة الحسون بالإضافة إلى زوجته من سبعة أبناء، أكبرهم ابنته صفاء (11 عاماً) وأصغرهم محمد (3 أعوام)، ودفع مرضه الزوجة إلى العمل في إحدى دوائر الإدارة المدنية في مدينة منبج براتب شهري لا يتجاوز /80/ ألف ليرة و"هذا لا يكفي ثمن الطعام والشراب وآجار المنزل"، على حد قوله.

 

وتقوم منظمة مدنية تنشط في مدينة منبج، حالياً، بتقديم مساعدات غذائية لعائلة "الحسون" وعائلات أخرى بقيمة /40/ ألف ليرة شهرياً.

 


 

"فقدت عملي"

 

ولا يختلف حال هيثم الموسى (34 عاماً)، من سكان مدينة منبج، عن سابقه كثيراً، فعائلته تتكون من أربعة أطفال، يعاني أحدهم من ضمور في الدماغ منذ ولادته.

 

يقول عن حالة ابنه: "لا يستطيع تناول الطعام، غذاءه الوحيد هو حليب نيدو، يحتاج كل ثلاث أيام لعلبة ويبلغ ثمنها \4500\ ليرة".

 

وكان الأب يعمل في معمل للألبان في المدينة لقاء أجر يومي يبلغ /2000/ ليرة سورية فقط، لكن توقف العمل في حظر التجول جعل الديون تتراكم عليه، ليفاجأ بعد انتهاء فترة الإغلاق بعدم إعادته للعمل.

 

 "لم يكن الراتب يسد رمق أطفالي ولا يكفينا ثمن الخبز والخضار، وتوقف عملي قرابة الشهرين، فتراكمت الديون علي وبلغت /150/ ألف ليرة سورية وكلها كانت ثمن أدوية وحليب لطفلي".

 

ويقطن "الموسى" الآن في منزل يبلغ ثمن إيجاره /30/ ألف ليرة سورية، "لا أملك مئة ليرة في المنزل الآن، كما أنني لا أملك ثمن علاج طفلي أو تأمين الأدوية له".

 

يقول ايضاً إنه بحث جاهداً عن عمل لكنه لم يجد، "أغلب الذين أذهب إليهم يقولون لي نحن لا نجد عملاً لأنفسنا الآن".

 

وباتت سوريا تتقدم دولاً مثلا مدغشقر وزمبابوي وسيراليون، لتأتي في صدارة قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، وفق بيانات موقع “World By Map” العالمي، بنسبة بلغت 82.5%،  حيث تتوافق هذه النسبة مع ما أورده تقرير سنوي للأمم المتحدة الأمم المتحدة العام 2019، حول أبرز احتياجات سوريا الإنسانية.

 

"طفل يعمل"

 

وتعيل النازحة حورية السعيد (38 عاماً)، التي تنحدر من مدينة الخفسة جنوب مدينة منبج، عائلتها بعد أن أصيب زوجها البالغ من العمر /40/ عاماً بشلل نصفي منذ قرابة ثلاث سنوات.

 

تقول إنها تأخرت بعلاج زوجها بسبب ضعف الإمكانات المالية، " عند ذهابي للطبيب قال لي تأخرت كثيراً على العلاج وأصبح من الصعب أن نقوم بأي شيء، سنكتفي بإعطائه الأدوية التي من شأنها أن تجعله محافظاً على وضعه الحالي".

 

 وتقطن "السعيد"، مع عائلتها المؤلفة من تسعة أفراد، في منزل غير مكتمل البناء بحي "مشفى الفرات" في منبج، حيث تدفع ثمن إيجاره /20/ ألف ليرة سورية شهرياً، "وأبلغنا صاحب المنزل مؤخراً أنه سيزيد أجرة المنزل، يقول إن كل شيء أصبح غالياً".

 

وترسل الأم أحد أطفالها (يبلغ من العمر /10/ سنوات) إلى العمل في سوق الهال بمدينة منبج لقاء أجر يومي يبلغ /1500/ ليرة، "لا يكفينا مصاريفنا اليومية، فزوجي بحاجة إلى دواء يبلغ ثمنه ثمانية آلاف ليرة سورية كل عشرين يوماً".

 

تضيف: "يقدم لنا الناس بعض المال بداعي الصدقة أو الزكاة، نعيش بهذه الأموال، فأطفالي يحتاجون الطعام واللباس ولا أستطيع تأمين شيء لهم".

 

وأدى استخدام روسيا والصين إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي في كانون أول/ديسمبر من العام 2019 إلى إيقاف وصول المساعدات الإنسانية عبر معبر اليعربية إلى مناطق شمال شرقي سوريا.

 

مساعدات محدودة

 

وقال خالد المحمد، وهو إداري في منظمة "نور المستقبل الخيرية"، لـ"نورث برس"، إن لديهم برنامجاً لدعم الأسر التي تعيش تحت خط الفقر وذلك من خلال تقديم مساعدات غذائية بقيمة /70/ ألف ليرة شهرياً لعدد من العائلات سيتم تسجيلها الشهر القادم بالتنسيق مع الكومينات (مجالس الأحياء) في منبج.

 

ورغم أهمية ما تقوم به منظمات محلية في المنطقة، إلا أن العائلات الواردة في التقرير وأخرى ربما تكون أسوأ حالاً لا يدرون إن كانوا ممن ستشملهم مساعدات تلك المنظمات أم لا، في ظل أزمة معيشية وغلاء يعصفان بكافة المناطق السورية.

 

وتقر الأمم المتحدة بأن 33% من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، إذ بات/11.7/ مليون سوري بحاجة شكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة، كالغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم.

 

ويقول مسؤولون في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوري إنهم سيعملون على "تحسين الوضع المعيشي العام لسكان المنطقة، التي تضم ما يقارب الخمسة ملايين شخص وتأثروا بشكل كبير بالوضع الاقتصادي المتردي".