أزمة حادة في الأدوية بحلب وانتقادات حيال "إهمال" الحكومة السورية

حلب – نورث برس

 

بدءاً من حي الأعظمية الذي يسكنه، يدور عبد الغفور صابوني (72عاماً) لأكثر من ساعتين على صيدليات مدينة حلب، شمالي سوريا، دون أن يجد حاجته من أدوية السكري.

 

وقال لـ "نورث برس" إنه جاب أكثر من /20/ صيدلية بحثاً عن أدوية السكري والضغط والتي لا يسمح وضعه الصحي بإيقاف استعمالها.

 

وتشهد مناطق سيطرة الحكومة السورية هذه الأيام أزمة حادة في فقدان الأدوية وارتفاع أسعارها، في ظل الانهيار الحاد لقيمة الليرة السورية وتداعياتها من غلاء وإغلاق في الأسواق عموماً.

 

وقال صابوني: "لم أجد أدوية للسكري أو الضغط في أكثر من عشرين صيدلية ذهبت إليها، حتّى مسكنات الألم باتت مفقودة، وفي حال وجدت الدواء الذي أبحث عنه، فسيكون بثمن يفوق قدرتي المادية، لذا فوضت أمري للقدر علّ الأمور تتحسّن".

 

ودفع النقص الحاد في الأدوية في الصيدليات والمستودعات الطبية بحلب بعض المرضى للعزوف عن شراء أدويتهم على أمل تراجع حدة الأزمة خلال أيام، بينما فضّل آخرون شراء أدوية مهرّبة مصدرها لبنان وتركيا ودول أخرى بأسعار مرتفعة.

 

وقال محمد نور الأقرع وهو صيدلاني في حي الزهراء بحلب، إنه لا ذنب للصيادلة في رفع الأسعار وفقدان الأصناف، "فمعظم الصيدليات تعاني من نقص غير مسبوق في الأدوية، لكننا كصيادلة ندفع الثمن الأكبر، فالمواطن يتهمنا بالتقصير وإخفاء الأدوية".

 

وأضاف لـ"نورث برس": "الأزمة الدوائية التي نعيشها ليست أزمتنا الأولى لكنها الأشد والأخطر، ولا حلول واضحة ولا رؤية تنقذ هذه الصناعة".

 

كما أشار "الأقرع" إلى أن "استمرار الأزمة قد يكون هدفه احتكار الصناعة الدوائية من قبل مجموعة من المتنفذين، وهنا تكمن الكارثة".

 

وقال إن "وزارة الصحة السورية لا تمتلك أي آلية ضبط للقطاع الطبي والسوق الدوائية، وعملها بات يقتصر على توجيه المخالفات وفرض الغرامات والعقوبات على الصيادلة الذين يمثلون الحلقة الأضعف في موضوع الأدوية".

 

ورغم أن البعض يقول إن الصناعة الدوائية كانت طوال الحرب وما قبلها بمنأى عن تذبذبات السوق وتلاعب التجار، كما بقيت لحد ما بمنأى عن التدمير والاستهداف المباشر الذي طال باقي المنشآت الصناعية، إلا أن الآثار السلبية لأضرار الحرب والإهمال الحكومي بدت واضحة في الصيدليات ومستودعات الأدوية منذ سنوات.

 

وقالت الصيدلانية وفا إبراهيم، وهي مديرة قسم الشرابات في معمل ابن الهيثم في حلب، لـ "نورث برس"، إن السياسة الحكومية كانت قاصرة وغير واضحة بما يخص القطاع الدوائي السوري، فمعامل الأدوية السورية كانت قبل الأزمة تصدّر منتجاتها لمختلف أسواق الشرق الأوسط، بعد تلبية احتياجات السوق المحلية.

 

وأضافت: "تلك المعامل تحتاج تقديم دعم وتوفير مصادر لاستيراد المواد الفعّالة الداخلة في تركيب الأدوية، لكن استيراد تلك المواد الأولية ترك للتاجر والصناعي، ولم ينشأ مستودع مركزي يمد الشركات الدوائية بمستلزماتها ضمن المعايير والشروط الصحية، وبسعر صرف يتناسب مع العملة المحلية".

 

وترى "إبراهيم" أن غياب الحلول والخطط الحكومية سيدفع معامل الأدوية إلى الإغلاق أو توفير الأدوية بأسعار باهظة، "فالصناعة الدوائية متروكة اليوم لمزاجية السوق وارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما دفع الصناعة الدوائية لخيارين، إما الإغلاق التام أو رفع سعر الدواء لأكثر من 500%".

 

 وكان صناع الأدوية السورية يلجؤون إلى تخفيف تكاليف الانتاج، من خلال تخفيف نوعية العبوات والنشرات مثلاً، أو اللجوء لتهريب كميات من منتجاتهم إلى السوق العراقية عبر وسطاء بهدف تحقيق أرباح تعوض المردود الضعيف، لتشهد الصناعة الدوائية اليوم أزمة أكبر بسبب وطأة العقوبات والفساد وغياب الدعم الحكومي، بحسب مصدر طبي مطلع.