بين "ليلان" و "كوزلية".. قصة نازح أحرقت الفصائل محصوله أمام عينيه شمال الحسكة
تل تمر- دلسوز يوسف – نورث برس
في محل صغير بقرية كوزلية غرب بلدة تل تمر، بريف الحسكة الشمالي، يعمل أحمد الإبراهيم (40 عاماً)، ميكانيكياً بعد أن نزح من قريته "ليلان" التي لا تبعد سوى كيلومتراً واحداً شمال الطريق الدولي /M4/، وذلك بعد سيطرة الجيش التركي والفصائل المسلحة التابع له عليها أثناء الهجوم على منطقتي سري كانيه وتل أبيض، في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2019.
يتحسر أحمد على حال قريته الممتدة أمام ناظريه، بعد أن تعرضت على يد عناصر الفصائل الموالية لأنقرة لأعمال نهب واسعة طالت محتويات منزله ومحله فيها، لكن الفصائل أقدمت مؤخراً على إحراق محصوله من الشعير أيضاً.
يقول أحمد لـ "نورث برس"، "هجرونا ونعيش الآن في البراري، سكان القرية نزحوا متفرقين في المنطقة دون مأوى وبأوضاع معيشية مأساوية".
ويتهم مزارعون، تقع أراضيهم على خطوط التماس بين الحكومة السورية والقوات التركية، وعاملون في فرق الإطفاء، في بلدة تل تمر شمال الحسكة، القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها، بإضرام النيران في أراضيهم ومنع فرق الإطفاء من الوصول لإخمادها عبر استهدافها.
"القتل جوعاً"
ويضيف "الإبراهيم": قاموا بسرقة بيتي ومحلاتي، لم يتركوا شيئاً، وفوقها قاموا بإضرام النيران في محاصيلنا بالقرية قبل أن يكملوها بحرق محاصيل قرية (الأربعين) المجاورة لتشق النيران طريقها في مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالقمح والشعير في المنطقة".
ويشير النازح بحنقٍ، إلى منع القوات التركية والفصائل المسلحة فرق الإطفاء من الوصول إلى الحقول لإطفاء النيران: "عندما تأتي فرق الإطفاء لإخماد النيران أو عندما نحاول الاقتراب يطلقون علينا الرصاص ولا يدعوننا نعمل شيئاً سوى النظر إلى النيران وهي تلتهم أرزاقنا، هؤلاء يحاولون قتلنا جوعاً".
"الآن فقدت مصدر رزقي الأساسي الزراعة وأعمل في مهنة صيانة السيارات كي أعيل أطفالي بعد ما احترق الموسم".
وكشفت هيئة الاقتصاد والزراعة التابعة للإدارة الذاتية، في تصريح سابق لـ "نورث برس"، إن الحرائق التهمت مع نهاية شهر أيار/مايو الفائت، أكثر من /90/ ألف دونم (ما يعادل تسعة آلاف هكتار) من حقول القمح والشعير في مناطق شمال وشرقي سوريا منذ بدء موسم الحصاد، متهمة القوات التركية وفصائل المعارضة بافتعال معظمها، فيما لم تحدد بعد إذا ما كانت ستعوض المزارعين أما لا حتى الآن.
ويقول قرويون إنه لا يكاد يمر يوم إلا ويشاهدون أعمدة الدخان تتصاعد في سماء المنطقة، حيث يحرق الجيش التركي والفصائل المسلحة التابعة لها، المحاصيل الزراعية دون أن يضع أحد حداً لهذه الانتهاكات.
/30/ حريقاً
وقال محمود دعار، وهو مسؤول فوج الإطفاء في بلدية الشعب بتل تمر، إن آليات الاطفاء لم تستطع الوصول إلى القرى التي تندلع فيها النيران بسبب الاستهداف المتكرر لهم من قبل الفصائل بالرصاص، "لذا ننشر آلياتنا على طول خط التماس لمنع وصول النيران إلى مناطقنا".
ويضيف أن جميع الحرائق التي تندلع في الأراضي الزراعية الواقعة على خطوط التماس وبين الحد الفاصل بين قوات الحكومة السورية والقوات التركية والفصائل التابعة لها، "مقصودة. يشعلها الأتراك وفصائلهم عن عمد".
وأوضح مسؤول فوج الإطفاء أنهم سجلوا إلى الآن اندلاع ما يقارب /30/ حريقاً في المحاصيل الزراعية بالمنطقة، أتلف خلالها نحو /20/ ألف دونم في منطقة تل تمر فقط.
لا إقرار للتعويض
ومع انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار الامريكي مؤخراً، وغياب آلية لتعويض المزارعين المتضررين، تتفاقم معاناة المزارعين في المنطقة أكثر فأكثر فيما لم تطرح الإدارة الذاتية حلولاً بديلة لمساعدتهم في محنتهم الصعبة.
لكن سلمان بارودو، الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا كشف في تصريح لـ "نورث برس" عن تشكيلهم لجاناً لإحصاء الحرائق، مشيراً إلى أنه "لا توجد نقاشات أو قرارات حول آلية لتعويض المزارعين المتضررين حتى الآن".
وقال إنه لم يتم إقرار آلية للتعويض، "النقاش بهذا الصدد سيتم لاحقاً بعد انقضاء الموسم الزراعي".
ويتهم سكان محليون ومنظمات حقوقية الجيش التركي وفصائل المعارضة التابعة له منذ توغلها في منطقتي سري كانيه وتل أبيض، بارتكاب انتهاكات من سلب ونهب لمنازلهم ومحالهم التجارية والمراكز الحيوية، بالإضافة إلى اختطاف المدنيين وإحراق المحاصيل الزراعية.
وكان موسم العام الماضي، قد شهد حرائق مماثلة قُدرت بـ أكثر من /54/ ألف هكتار، بحسب هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية، وتكفّلت الإدارة بعدها بتعويض المزارعين عن جزء من خسائرهم عبر تقديم بذار للموسم الحالي.