تفعيل الطرق الدولية شمالي سوريا أمل دمشق للالتفاف على عقوبات "قيصر"
تل تمر – دلسوز يوسف – نورث برس
مع إعادة تفعيل الطريقين الدوليين "M4" و "M5" اللذين تتوقع الحكومة السورية أن يشكلا متنفسين اقتصاديين لها في ظل انهيار عملتها، يرى خبراء اقتصاديون أنها خطوات تأتي ضمن مساعي "غير ناجعة" للحكومة السورية تجري بمساعدة روسيا من أجل الالتفاف على عقوبات "قيصر" الأمريكية.
ويرى مراقبون بأن افتتاح طريقي "M5" في شباط/ فبراير المنصرم، و "M4" مؤخراً في أيار/ مايو، بعد سبعة أشهر من الإغلاق، خطوة استباقية من قبل الحكومة السورية بدعم روسي لإعادة عجلة الحركة الاقتصادية لسوريا، خاصة في ظل عدم قدرة الحلفاء "روسيا وإيران" على دعم الاقتصاد السوري بسبب التضييق الأمريكي عليهما.
الالتفاف على العقوبات
وقال الخبير الاقتصادي من مدينة الحسكة، أيمن كلش، لـ "نورث برس"، إنه "في حال تطبيق العقوبات وعدم تأجيلها فإن افتتاح الطريق الدولي M4 وعودة مرور القوافل التجارية إليه لن يخفف من تأثيرات قيصر"، مشيراً إلى أن الهدف من افتتاحه في هذه المرحلة واستعجال الروس من أجل فتحه، "كان واضحاً من أجل تخفيف وطأة وثقل تأثيرات عقوبات قيصر".
وأضاف أن تفعيل الطرق الدولية بمساعدة الروس لن يكون ذا فائدة كبيرة، "لأن عقوبات قيصر ستلحق ضرراً كبيراً بجميع مؤسسات الحكومة والشركات المتعاملة معها، وذلك بسبب اقتصادها المنهار منذ /9/ سنوات من عمر الأزمة السورية".
وأردف أن البنك المركزي في دمشق استنفذ جميع احتياطاته من العملات الصعبة خلال سنوات الأزمة السورية ولم يعد بمقدوره الالتفاف على عقوبات "قيصر" عن طريق ضخ العملة الصعبة.
وعاد الطريق الدولي /M4/ بين بلدتي تل تمر شمال الحسكة وعين عيسى شمال الرقة إلى الخدمة، وذلك بعد سبعة أشهر من إغلاقه بسبب سيطرة الجيش التركي والفصائل المعارضة المسلحة الموالية له على أجزاء منه.
وكان بافل إيغوريان، الضابط الروسي في مركز المصالحة الروسي في سوريا، قد قال في تصريح لـ "نورث برس" أثناء افتتاح الطريق الدولي /M4/ في الـ25 من أيار/ مايو الفائت، إن "إعادة فتح الطريق الدولي /M4/ أمام المارة مجدداً، جاء بعد محادثات طويلة بين الطرفين التركي والروسي للسماح بعبور المدنيين من تل تمر إلى عين عيسى وبالعكس بضمانة روسية".
كما أوضح إيغوريان أن الطريق مفتوح أمام القوافل التجارية وأمام جميع مواطني الدولة السورية.
ووفقاً لمعلومات حصلت عليها "نورث برس" من مصادر عسكرية، فإن اتفاق افتتاح الطريق الدولي /M4/ جاء وفق اتفاقية روسية تركية بالتفاهم مع قوات سوريا الديمقراطية، وتنص على إنشاء /5/ نقاط مراقبة على الطريق الدولي بين ناحية عين عيسى وتل تمر بإشراف قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية لضمان سلامة المدنيين، كما ويتضمن الاتفاق عدم إنشاء أي حاجز لأي أطراف على الطريق.
ويعتبر طريق /M4/ من الطرق الحيوية في شمال سوريا وذات أهمية اقتصادية إذ يربط المنطقة الشمالية والشرقية لسوريا بالمنطقة الغربية والساحلية لسوريا.
ويُشاهد يومياً مئات الشاحنات التي تنقل النفط من مناطق الجزيرة السورية إلى الداخل السوري، لكن يرى مراقبون أن كل ذلك لن يؤثر إيجاباً على الاقتصاد ما لم تتحرك الحكومة سياسياً، كون العقوبات ستدمر الاقتصاد السوري بشكل كامل كما جرى في العقوبات الأمريكية على العراق، وأن سوريا ستدخل في متاهة لا مخرج لها
التفاوض مع الإدارة الذاتية
ويشير كلش، إلى أن افتتاح الطريق الدولي "M4" لن يكون له نتائج إيجابية على الاقتصاد السوري بالرغم من محاولات الحكومة السورية الضغط بكافة الوسائل على التجار والشركات العاملة في مناطق سيطرتها لتقوية الاقتصاد".
وأضاف: "لا حل أمام الحكومة السورية إلا الدخول في مفاوضات مع الإدارة الذاتية والاعتراف بها، لأن الأخيرة تمتلك إمكانات بمقدورها تخفيف الأزمة الاقتصادية".
وكانت الإدارة الذاتية قد أعلنت منع إخراج الدولار من مناطقها في ظل انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، بعد أن كانت فئة من تجار العملات في المنطقة تقوم بجمع الدولار لتبيعه في مناطق الحكومة السورية التي تعاني من ظروف اقتصادية خانقة.
وأشار ديار أحمد، وهو صحفي ينشط مدينة الحسكة، إلى أن عقوبات "قيصر" ستضع الحكومة السورية على المحك، لذا فهي تقوم مؤخراً بالمضاربة والتلاعب في أسواق الصرف وشراء محصول القمح في الجزيرة بسعر أكثر مما حددته الإدارة الذاتية لتتمكن ولو قليلاً من تخديم مناطقها الداخلية، إلا أن ذلك كله لن ينقذها في ظل انهيار اقتصادها وغياب الحلول الناجعة لإخراجها من هذه الازمة، على حد قوله.
وأضاف أن مضي الحكومة السورية في التعنّت دون الموافقة على الحل السياسي سيؤدي بالبلاد إلى "كارثة اقتصادية ومعيشية كبيرة"، مشيراً إلى أن "قانون قيصر ليس عادياً وسيهبط بالليرة السورية إلى أدنى المستويات، وتعنّت الحكومة سيدفع بالبلاد نحو الهاوية".
ويهدف قانون عقوبات "قيصر" الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الامريكي في كانون الأول/ ديسمبر العام الفائت، إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين السوريين بينهم الرئيس السوري بشار الأسد والشركات التي تقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للحكومة، بالإضافة إلى الحلفاء من الروس والإيرانيين في سوريا في خطوة للضغط عليها للمضي نحو الحل السياسي في البلاد على أساس قرار مجلس الأمن 2254.
وسمّي "قانون قيصر" بهذا الاسم (وهو اسم مستعار) نسبة إلى ضابط سابق في قوات الحكومة السورية التقط آلاف الصور الفوتوغرافية لضحايا التعذيب في المعتقلات الحكومية وغيرها من الانتهاكات، وهرّبها خارج البلاد.
أهداف سياسية
ويشير الصحفي ديار أحمد إلى أن لافتتاح الطريق أهداف سياسية أيضاً، "تسعى روسيا خلالها كسب قاعدة جماهيرية في المنطقة، وإعلان نفسها بديلاً عن قوات التحالف الدولي التي انسحبت من المنطقة مع الهجوم التركي وهو ما يكون بادياً من خلال تحريض المدنيين ضد المدرعات الامريكية على الطرقات الرئيسية بدعم من الحكومة السورية".
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أصدر مؤخراً مرسوماً يقضي بتكليف وزارتي الخارجية والدفاع بالاتفاق مع الحكومة السورية لإجراء مفاوضات بغية تسليم الجيش الروسي منشآت حيوية ومناطق بحرية إضافية في سوريا، في خطوة لوضع يدها على منشآت سورية لتأمين مصالحها بعد أكثر من /5/ سنوات من التدخل العسكري وقبل بدء تطبيق قانون قيصر، ويرى مراقبون أنها محاولات لإنقاذ الاقتصاد السوري.
ماذا لو لم تُطبق العقوبات؟
وقبل أقل من أسبوعين من تطبيق قانون "قيصر" المتوقع أن ينفذ في الـ 17 من شهر حزيران الجاري، يرجح الكثيرون بأن الحكومة السورية ستسعى بكافة السبل لتجنب العقوبات الأمريكية وتفادي مأزق الكارثة الاقتصادية الوشيكة التي يتوقع أن تعصف بكافة مفاصل الدولة ومؤسساتها.
ويقول الخبير الاقتصادي أيمن كلش: " جميع التوقعات تشير إلى أن سعر الصرف سيصل إلى أكثر من ألفي ليرة مقابل الدولار قبل موعد العقوبات، وفي حال تنفيذها ستنهار قيمة الليرة تدريجياً أكثر فأكثر".
وأضاف: "بينما في حال العكس وعدم تنفيذ العقوبات فسيمنح النظام السوري نفساً آخر في دعم الليرة لكن ليس بالشكل المتوقع، كون عملية إعمار سوريا باهظة أكثر من تكلفة الحرب، وإنعاش الاقتصاد السوري بات كإنعاش جسد ميت" وفق تعبيره.