عقوبات قيصر لتضييق الخناق على دمشق وحلفائها.. فماذا عن حلفاء واشنطن؟
محمد حبش – نورث برس
يترقب السوريون موعد تطبيق قانون قيصر/سيزر بحذر وترقب شديدين، والذي من المفترض أن يستهدف دولاً وشركات وشخصيات داعمة لدمشق.
وعصفت الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد منذ /9/ سنوات، بالوضع المعيشي للمواطن السوري، لتتضاعف قيمة السلة الاستهلاكية إلى /14/ ضعفاً منذ اندلاع الحرب في البلاد بحسب تقرير لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة نشر نهاية نيسان/أبريل الفائت.
وبالرغم من أن العقوبات ستفرض على حكومة دمشق وداعميها وفق التصريحات الأمريكية، إلا أنه ليس من الواضح تماماً ما سينتج عنها من تبعات سلبية على مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة.
واشنطن غير واضحة
بالرغم من تصريح لمسؤول في الخارجية الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر لـ "نورث برس": "إن العقوبات لا تشمل المناطق غير الخاضعة لسيطرة دمشق، ولن تتأثر هذه المناطق بتلك العقوبات".
إلا أن المخاوف من تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي لسكان المنطقة لم تتلاشَ في ظل غياب أي خطة أمريكية واضحة حيال كيفية استثناء هذه المناطق.
وفي هذا السياق أيضاً، قال ممثل خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في مناطق شمال وشرقي سوريا، السفير ويليام روباك، لـ "نورث برس"، في وقت سابق إن عقوبات سيزر، "لن تستهدف مناطق شمال وشرقي سوريا أو الشعب السوري بل ستستهدف النظام السوري فقط".
لكن عهد الهندي، وهو كاتب صحافي مقيم في واشنطن، قال في حديث لـ"نورث برس"، إن تصريح المسؤول الأمريكي "ينبع من عدم امتلاكه إجابة حقيقية حول المخاوف. كلامه غير صحيح".
وقال نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، بدران جيا كرد، إن آليات الإدارة الأمريكية حيال استثناء مناطقنا لا تزال "غير واضحة وملموسة"، لا سيما أن مناطق الإدارة الذاتية "تعاني من حصار اقتصادي منذ سنوات".
بحث عن حلول
وقال بدران جيا كرد، في مقابلة خاصة مع "نورث برس"، إنهم ناقشوا "بشكل موسع" تداعيات قانون "قيصر" على مناطق شمال وشرقي سوريا، وكيف يمكن تخفيف وتجاوز الأزمة المقبلة "بأقل الخسائر".
وخلصت النقاشات إلى أنه أياً كانت التدابير فإن مناطق الإدارة الذاتية ستتأثر بالعقوبات المرتقبة، "لأن هذه المناطق جزء من الجغرافية السورية، ولا تزال هناك حركة تجارية مهمة بين هذه المناطق والداخل السوري".
وتوقع "جيا كرد" أن تتدهور قيمة الليرة السورية في الأيام القادمة أكثر، "وهذه القضية تشكل جوهر القضية الاقتصادية".
وقال: "نحن في مناطق الإدارة الذاتية لدينا فرص أكثر من المناطق الأخرى من حيث وجود كميات معقولة من الدولار الأمريكي، والتي يمكن أن تساعدنا في عرقلة تدهور قيمة الليرة. الحفاظ على مستوى معين من كمية الدولار في المنطقة سيؤدي إلى خلق نتائج مهمة ومصيرية".
ومن المتوقع أن تتخذ الإدارة الذاتية "إجراءات إدارية صارمة ضد عمليات تهريب العملة الصعبة إلى خارج المنطقة"، طبقاً لما قاله"جيا كرد".
وقال: "ستكون محاولات النظام كثيفة من جهة ضخ أسواقه بتلك العملة المهربة من خلال سماسرة العملة الصعبة".
واستدرك: "لكن الإدارة الذاتية اتخذت قراراً بمنع تهريب وضخ العملة الصعبة إلى خارج مناطقها".
وتطالب الإدارة الذاتية بفتح معبر تل كوجر/ اليعربية الرسمي مع العراق وتنشيط حركة التجارة ودفع المؤسسات والمنظمات الأممية للعمل بشكل استراتيجي وفق مشاريع تنموية متوسطة وطويلة المدى، لأن "المنطقة منكوبة وذات بنية تحتية مدمرة، وبحاجة إلى دعم اقتصادي دولي كما لاقت دعماً عسكرياً في محاربة الإرهاب، لأنه إذا لم يتوفر الدعم الاقتصادي فإن ذلك سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة". وفقاً لـ"جيا كرد".
خزان للعملة الصعبة
تعتبر مناطق شمال وشرقي سوريا أكثر المناطق التي تتوافر فيها العملة الصعبة على مستوى البلاد، بسبب التواجد المكثف لقوات التحالف الدولي التي تعمل في قواعدها مع شركات محلية بالعملة الصعبة، بالإضافة إلى تواجد منظمات دولية.
ولكن نتيجة الهجوم التركي على المنطقة في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر، أوقفت العديد من المنظمات الدولية العاملة في شمال وشرقي سوريا نشاطاتها، الأمر الذي أدى إلى نقص في عرض الدولار في المنطقة والذي كان يأتي من تلك المنظمات.
لكن النقص الذي تشهده المنطقة من العملة الصعبة تستغله فئة من "تجار العملة" فتستفيد من تقلبات سعر الدولار لتحقيق مكاسب كبيرة في ظل انعدام ضوابط تفرضها إدارة شمال وشرقي سوريا على تجارة العملة.
وتقوم هذه الفئة (تجار العملة) بتحويل هذه الأموال إلى مناطق أخرى تحتاجها في مداولاتها الاقتصادية سواء أكانوا تجاراً أو كيانات إداريّة في سوريا.
سوق الصرافة في القامشلي – محمد حبش
وفي وقت سابق، نشرت وكالة "نورث برس" تحدث عن مجموعة مؤلفة من شبكة تجار يقومون بسحب الدولار من أسواق القامشلي ويرسلونه عبر المطار لإمداد البنك المركزي السوري في دمشق بالعملة الصعبة بهدف زيادة احتياطيها من العملات الأجنبية.
ويرى مراقبون أن تغاضي الإدارة الذاتية عن هؤلاء وعدم منع تدفق العملة الأجنبية إلى دمشق قد يجعلها في مواجهة عقوبات قانون قيصر.
وبالفعل مع اقتراب موعد تنفيذ قانون "قيصر"، بدأ التجار وأصحاب رأس المال بسحب عملاتهم من الأسواق، ما أدى إلى ارتفاع في قيمة صرف الدولار أمام الليرة السورية، وتوقف حركة التجارة بشكل واضح.
يقول صاحب أحد محلات الصرافة في القامشلي: "الأثرياء يتابعون التطورات السياسية أكثر من السياسيين أنفسهم، بناء على مقتضيات الربح والمنفعة. إنها فرصتهم".
وكان سعر صرف الدولار الواحد قبل شهر نحو /1300/ ليرة، لكن قيمة الليرة انخفضت بسرعة فائقة لاحقاً ليصل الدولار الواحد إلى حدود ألفي ليرة سورية، وهو ما ربطه مراقبون بخلاف رجل الأعمال وأهم داعمي الحكومة رامي مخلوف مع حكومة دمشق وعائلة الأسد.
عقوبة جماعية
يرى مراقبون للشأن الاقتصادي أن العقوبات ستشمل كامل الجغرافيا السورية، في حين لن تتمكن واشنطن من استثناء المناطق التي تقع خارج سيطرة دمشق على عكس التصريحات الأمريكية.
وقال خورشيد عليكا، وهو باحث اقتصادي سوري، إن قانون العقوبات سيكون ذا تأثير على كامل مشهد الصراع في سوريا، لكن "المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية ستكون أكثر عرضة لهزات سياسية واقتصادية واجتماعية، وستنعكس تأثيراتها سلباً على الحكومة وحاضنتها وعلى جميع طبقات المجتمع".
ويرى أيضاً أن "الحكومة ستخضع للمزيد من الضغوط الداخلية من قبل حليفها الروسي للخضوع والاتجاه نحو الحل السياسي، فبدون وجود حل سياسي وفق قرارات جنيف، من الصعب أن تبدأ عملية إعادة الإعمار والاستثمارات في مناطق سيطرتها".
ويعتقد الصحافي، عهد الهندي، أن كل المناطق السورية ستتضرر بالعقوبات، سواء أكانت مناطق المعارضة أم مناطق الإدارة الذاتية، "الكونغرس الأمريكي لا يستطيع التحكم بنتائج العقوبات التي صاغها".
وأضاف: "لا أعتقد أن من قام بصياغة القانون تدارك الواقع السوري. الواقع الإنساني في سوريا مأساوي جداً".
كذلك الحال، يرى الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية، سلمان بارودو، أن العقوبات الأمريكية لن تؤثر على مناطق سيطرة الحكومة فقط بل ستؤثر على كافة المناطق السورية بما فيها مناطق الإدارة الذاتية "كون التعاملات مع الداخل السوري قائمة، وخاصة بالنسبة للمواد الغذائية والأساسية".
ويرى أيضاً أن "آثار العقوبات الأمريكية على الاقتصاد السوري ستتضح بعد أيام من تنفيذها، لذلك سيكون لقانون سيزر آثار سلبية ستنعكس على معيشة السكان، ليس هذا فقط بل سيؤثر تطبيق القانون على جهود قوات سوريا الديمقراطية في مكافحة الإرهاب".
حشر حلفاء دمشق في الزاوية
من المقرر أن تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية بتطبيق قانون سيزر/ قيصر، في /16/ حزيران/ يونيو المقبل، وفق القرار الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي في شهر كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي للضغط على الحكومة السورية وحلفائها والداعمين.
والسمة الرئيسية للقانون هي فرضه عقوبات على مؤسسات وأفراد من دول مختلفة ما عدا الولايات المتحدة التي لها أنشطة اقتصادية مع سوريا، ويُسمى ذلك بـ "العقوبات الثانوية"، بدلاً من استهداف الشركات الأمريكية أو أفراد أمريكيين لهم علاقات عمل تجارية في سوريا.
وينص القانون على ملاحقة شركات من روسيا والصين والإمارات وإيران، تربطها علاقات تجارية بالمؤسسات السورية.
وبعبارة أخرى، لا يمكن للمستثمرين الروس والإيرانيين الاستفادة من استخراج النفط وبدء إعادة الإعمار، لأن العقوبات التي ستفرض على الداعمين للحكومة السورية هي عقوبات اقتصادية ضخمة تمنعهم عن دعم الحكومة حتى الوصول لحل شامل في سوريا.
حاجز للقوات الحكومية في القامشلي – محمد حبش
ويقول عقيل محفوض، باحث في مركز "مداد" للدراسات ومقره دمشق، إن "العقوبات جزء من سياسات الخنق الاقتصادي التي تتبعها واشنطن ضد سوريا منذ عقود، وتأتي في إطار تورط الولايات المتحدة في الحرب السورية."
ويضيف، "أمريكا تحتل الآن بصورة مباشرة وغير مباشرة أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، وتواصل حصار سوريا سياسياً، وتمنع انفتاح عدد من الدول العربية عليها. كما تمنع التوصل إلى أي حل أو تسوية بين دمشق وكردها. في حين تسيطر على مناطق النفط والغاز وتسرق الموارد. وتمنع دمشق من الحصول على موارد اقتصادية وبشرية كثيرة".
إلا أن عهد الهندي، وهو كاتب صحافي مقيم في واشنطن، فيذهب إلى الاعتقاد أن فرض العقوبات ينطلق من عدم وجود استراتيجية أمريكية تجاه سوريا، لذا تلجأ الأخيرة إلى وسائل تسمى أمريكياً بـ"وسائل الضغط غير العسكرية".
وقال: "طريقة تعامل السياسيين الأمريكيين تأتي وفق مبدأين وكلاهما لا يمتان بسوريا بصلة".
ويقول أيضاً "الاستراتيجية الأولى هي مجابهة إيران وإضعاف النظام الإيراني وعلاقته بدول المنطقة، أما الثانية فهي استراتيجية مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة والتي تعززت بعد أحداث /11/ أيلول/ سبتمبر 2001، وضمن الاستراتيجيتين يبحر السياسيون الأمريكيون فيما يتعلق بالشأن السوري. لا توجد استراتيجية واضحة لتغيير النظام".
أما أحمد يوسف، وهو أكاديمي في سياسات تمويل التنمية الاقتصادية ومقيم في القامشلي، فيقول إن "الولايات المتحدة تسعى من خلال العقوبات إفشال الجهود الروسية في إنهاء الأزمة السورية وفق مقتضيات مصلحتها، وترفع وتيرة التهديد للحكومة السورية وحلفائها من خلال منع الدول الغربية من أي مساهمة في عمليات إعادة الإعمار في حال عدم توافقها مع الرؤية الأمريكية".
وفي العموم تخضع سوريا لعقوبات أمريكية منذ العام 1979، حين وضعتها الولايات المتحدة على قائمة الدول الراعية للإرهاب "بسبب سياساتها المستمرة في دعم الإرهاب، واستمرار سعيها وراء تطوير برامج لأسلحة الدمار الشامل والصواريخ، وتقويض جهود الولايات المتحدة الدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في العراق"، بحسب وزارة الخارجية الأمريكية.
النموذج العراقي
سوريا ليست البلد الأول الذي تفرض عليه عقوبات اقتصادية أمريكية كوسيلة ضغط، فالعراق عانى /13/ عاماً من العقوبات الأمريكية بعد اجتياحه للكويت في ظل حكم صدام حسين ورفض الانسحاب منها عام 1990.
إلا أن المشهد السياسي في سوريا مختلف عن العراق، فالأخير كان يملك موارد الطاقة ولكنه منع من التصدير والاستفادة منه، أما في سوريا فالمناطق التي تكثر فيها آبار النفط وغيرها من الموارد تقع خارج مناطق سيطرة الحكومة ولا تملك الإمكانية للاستفادة منها دون الوصول إلى حل سياسي مع الإدارة الذاتية التي تسيطر على معظم موارد الطاقة والثروة الزراعية.
نتائج الحصار المفروض على العراق كانت وخيمة، حيث عانى من عزلة شديدة من معظم دول العالم سياسياً واقتصادياً، وأصبح بعدها من أكثر دول المنطقة تأخراً، حيث دمرت بنيتهُ التحتية من مصانع ومصافٍ ومحطات توليد ومحطات للمياه، والتي عادت به إلى حقبة "ما قبل الصناعة ،"كما قال جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي وقتها.
وشملت هذه العقوبات حظراً تجارياً كاملاً، إذ تسببت في تدمير اقتصاد البلد وتراجع المستوى الصحي والتعليمي وتسببت في نقص الغذاء والدواء.
وفي نسيان/ أبريل 1995 أصدر مجلس الأمن قراراً يتضمن برنامج النفط مقابل الغذاء، الأمر الذي رفضه صدام حسين في البداية ووافق عليه بعد مرور عام، حيث أمكن العراق من تصدير جزء من مخزون النفط مقابل استيراد الغذاء وكان سقف الاستيراد لا يتجاوز ملياري دولار، وذلك تحت إشراف ومراقبة شديدة من الأمم المتحدة.
وانتهى العمل رسمياً بهذا البرنامج في /22/ من تشرين الثاني/ نوفمبر 2003 بعد /7/ أشهر من سقوط حكم صدام حسين، إلا أن نتائج العقوبات استمرت لسنوات وخاصة العقوبات التي شملت قطاع النفط.
ووفقاً لتقارير حقوقية، فإن نتيجة سنوات الجوع والحصار التي فرضت على العراق أفرزت خللاً في بنية المجتمع العراقي. حيث عانت الحكومة العراقية من عدم قدرتها على تأمين الوظائف الحكومية وخاصة في القطاعات الصناعية التي توقفت نتيجة الحصار، وتم تسريح ما يقارب ثلثي القوى العاملة، ما ساهم في زيادة معدلات البطالة وتمزق الحياة العائلية نتيجة ارتفاع معدلات الجريمة، العنف الاجتماعي، الفساد، الانتحار، السرقة، والتهريب، بحسب تقارير مختلفة.
وبدأت المصانع والمشاريع التجارية تغلق أبوابها تاركة الشعب دون عمل. وظل موظفو الحكومة في وظائفهم، لكن التضخم قوض رواتبهم. وهجر أساتذة الجامعات والكوادر العلمية وظائفهم لبيع السجائر في الشوارع أو قيادة سيارات الأجرة أو الصيد من أجل لقمة العيش.
وتزايد معدل الجريمة والدعارة بدرجة كبيرة، حتى أن الحكومة سنت عقوبة الإعدام لبعض المهن المحرّمة مثل القوادة والبغاء والسرقات.
ويعتقد عهد الهندي أن العقوبات لم تكن يوماً وسيلة للوصول إلى حل شامل، "هناك عدة أمثلة على ذلك، مثلاً نظام صدام حسين لم يسقط إلا بعد ضربة عسكرية وليس بالعقوبات".
ويضيف: "أدت العقوبات الأمريكية حينها إلى مجاعات ونقص في الغذاء والمال في كثير من المناطق مع عدم وجود علاقات تجارية للدول، وأدت إلى ثراء أكبر للطبقة الحاكمة في العراق".
عودة إلى مناطق الإدارة الذاتية
تنقسم مناطق النفوذ في سوريا إلى ثلاث مناطق، مناطق سيطرة الحكومة السورية تدعمها روسيا وإيران ومناطق الإدارة الذاتية ويدعمها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومناطق المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
وتعتبر مناطق الإدارة الذاتية والتواجد الأمريكي من أكثر المناطق المهددة بالتأثر بالعقوبات، نتيجة الدمار الكبير للبنية التحتية بفعل الحرب على داعش والنزوح الأخير لسكان سري كانيه وتل أبيض ووجود أكثر من /17/ مخيماً للاجئين والنازحين، من بينها مخيمان يضمان أفراد عائلات لعناصر تنظيم داعش، وكذلك وجود عدد من السجون ومراكز احتجاز عناصر داعش التي تلقي عبئاً إضافياً على عاتق الإدارة.
وتفتقر مناطق شمال وشرقي سوريا للمعابر الحدودية الرسمية، وأغلقت الأمم المتحدة معبر "تل كوجر" الرسمي الوحيد، رغم مناشدة الإدارة الذاتية لإعادة فتحه، أما معبر "سيمالكا" فهو معبر غير رسمي وغير مجهز بشكل كامل للاستيراد والتصدير.
سوق القامشلي أثناء حظر التجول – محمد حبش
في 18 من شباط/ فبراير من العام الجاري، اجتمع المبعوث الأمريكي إلى سوريا جميس جيفري بقائد قوات سوريا الديمقراطية لبحث الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مناطق شمال وشرقي سوريا وتأثير العقوبات المرتقبة على سوريا، بحسب مصدر دبلوماسي تحدث لـ "نورث برس".
لكن المصدر لم يكشف أي معلومات عن تفاصيل المواضيع الاقتصادية التي بحثاها ضمن الاجتماع، ولكن بتاريخ الخامس من آذار/ مارس الماضي اجتمع وفد من التحالف الدولي مع شركات محلية خاصة في شمال وشرقي سوريا، حيث بحث الوفد مع رؤساء الشركات سبل تعزيز المشاريع الاستثمارية للحيلولة دون تأثر المنطقة بالعقوبات الأمريكية التي ستفرض على سوريا، بما يشمل قانون قيصر، لكن لم تصدر أي نتائج عملية عن هذا الاجتماع حتى الآن.
فيما اجتمع في /23/ أيار/مايو الجاري ممثل الخارجية الأمريكية وليام روباك عبر الإنترنت مع ممثلي المجالس والإدارات المدنية في مدينتي كوباني ومنبج، للتباحث حول الأوضاع الأمنية والاقتصادية في مناطق شمال وشرقي سوريا.
وعقب انتهاء الاجتماع، قال روباك في تصريح خاص لـ "نورث برس"، إنه "استمع إلى ملاحظات الإداريين في المجالس المدنية وبدد مخاوفهم حيال عقوبات (سيزر) التي ستطبق على النظام السوري فقط".
وأضاف: "عقوبات الولايات المتحدة لا تستهدف مناطق شمال وشرقي سوريا ولا الشعب السوري".
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال عقيل محفوض، باحث في مركز مداد ومقره دمشق، "على السياسيين الكرد وغير الكرد التدقيق في الخيارات والرهانات".
وأضاف: "الاستجابة الوحيدة التي يمكن التعويل عليها هي عودة طريق دمشق-القامشلي سالكاً، بالاتجاهين مع قدر كبير من العقلانية في السياسة وفي تحسب وترصد المخاطر والتهديدات".
من سيدفع الفاتورة؟
الليرة مقابل الدولار، هو السؤال الذي يستفسر عنه المواطن السوري صباح كل يوم، نتيجة غياب الاستقرار في سعر الصرف وتأثيره على الوضع المعيشي وقيمة المواد الأساسية، رغم محاولة دمشق إنقاذ العملة السورية من الانهيار عبر سياسات متعددة، منها إصدار مراسيم شددت على منع التداول بالعملة الصعبة والتحكم بالمواد المستوردة من الخارج، لكن كلها باءت بالفشل.
ويؤثر عدم استقرار أسواق الصرف على حياة السوريين بشكل مباشر، فالأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ تسع سنوات أثرت بشكل كبير على دخل المواطن ومعيشته.
بائع للمعجنات في سوق القامشلي – محمد حبش
فقبل الحرب السورية كان العاملون من الفئة المتوسطة لدى الحكومة يتقاضون وسطياً أجراً قدره /15000/ ل.س حيث كان متوسط قيمة الدولار الواحد مقابل الليرة السورية حوالي /45/ ليرة أي ما يعادل /325/ دولاراً أمريكياً، وبعد سنوات أصبح العاملون يتقاضون أجراً قدره /50000/ ل.س وسطياً في الوقت الذي تجاوزت فيه قيمة الدولار مقابل الليرة /1600/ ل.س أي ما يقارب /30/ دولاراً أمريكياً.
يقول أحد العاملين لدى الحكومة السورية إن "الرواتب قبيل الأزمة كانت جيدة، كانت إمكانية الادخار متوفرة، أما حالياً فالوضع صعب بالمجمل في ظل غلاء حاد لقيمة المواد الاستهلاكية وانعدام القدرة على التحكم بسوق الصرف".
أما في مناطق المعارضة السورية فيتقاضى العاملون لدى حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) متوسط أجور تقارب /70/ ألف ليرة سورية، أي ما يعادل /40/ دولاراً أمريكياً عند سعر صرف /1690/ ليرة سورية لكل دولار.
وأصدرت حكومة الإنقاذ بياناً في /19/ من أيار/ مايو الجاري، قررت فيه رفع الأجور بنسبة 80 % بعد ارتفاع قيمة صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية.
ويوجد في مناطق سيطرة المعارضة السورية معبران هما معبر "باب السلامة" و"باب الهوى" مع تركيا، تستورد عبرهما معظم المواد الغذائية والأساسية، بسبب فقدان الإنتاج المحلي في تلك المناطق، الأمر الذي يساهم في ارتفاع أسعارها إضافة إلى تحكم التجار الأتراك بأسعار المواد.
وتعتمد مناطق حكومة الإنقاذ على المنظمات العاملة في عدة مجالات والتي تساهم في ضخ الدولار إلى تلك المناطق عبر التمويل الذي يُقدم لها من دول مختلفة، بعضها داعم لحكومة الإنقاذ مثل قطر وتركيا.
إلا أن مناطق المعارضة تفتقر إلى مصادر الإنتاج، لذا تعتبر من أكثر المناطق استهلاكاً للموارد التي تدخل الأراضي السورية بالعملة الصعبة والتي ستتأثر بلا شك بالعقوبات الاقتصادية، وفق مراقبين.
وفي مناطق الإدارة الذاتية، يتراوح متوسط رواتب العاملين ضمن المؤسسات المحلية /90/ ألف ليرة سورية أي ما يعادل /50/ دولاراً أمريكياً و/170/ ألف ليرة سورية أي ما يعادل /100/ دولار تقريباً عند سعر صرف يبلغ /1690/ لكل دولار.
وتعتمد الإدارة الذاتية في تعاملاتها المالية المحلية على العملة السورية، إلا أن سوق بيع وشراء المواد الأساسية والصناعية يعتمد على العملة الصعبة، وذلك يؤثر بشكل مباشر على الحالة المعيشية لسكان شمال وشرقي سوريا.
ويقول سلمان بارودو، الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة، في الإدارة الذاتية إنهم بصدد "مراجعة أجور العاملين ضمن مؤسساتهم في الأيام المقبلة وذلك بعد ارتفاع سعر صرف الدولار وتأثيره على المستوى المعيشي للسكان".
وزاد ظهور جائحة كورونا في سوريا "الطين بلة". في وقت كانت عواقب الحظر الوقائي الذي فرض في مناطق النفوذ المختلفة سلبية على الشرائح ذات الدخل المتدني والمحدود، فتوقف عمل المنظمات وتباطأت حركة الإنتاج (المصانع) لدى الحكومة السورية والإدارة الذاتية (باعتبار مناطق سيطرتهما تتصدر الإنتاج المحلي عكس مناطق المعارضة السورية) وتوقفت حركة النقل والتجارة الداخلية، وكذلك الصادرات والواردات فانخفض دخل شرائح كبيرة من السوريين واستفحلت البطالة وزاد العجز الاقتصادي ويتخوف هؤلاء بشكل أساسي من أن يدفعوا فاتورة العقوبات الأمريكية لوحدهم في ظل غياب استراتيجية واضحة المعالم.