مع تفاقم الأوضاع المعيشية.. نبش القمامة يتحول إلى مورد وحيد لعائلات نازحة في الرقة
الرقة – أحمد الحسن – نورث برس
يتسابق نازحون سوريون مع أطفالهم شرق الرقة نحو سيارة قمامة علهم يتمكنون قبل غيرهم من الوصول إلى نبش حمولتها، ومن ثم فرز المخلفات البلاستيكية الملوثة عن القطع المعدنية الصدئة عن الحفاضات المستعملة، هذا عدا الخبز والأطعمة التي قد تجد طريقها إلى أجوافهم، بعد أن كانت ضمن أكياس القمامة وسيارتها التي كدستها قبيل وصولها.
على بعد سبعة كيلومترات شرق مدينة الرقة، شمالي سوريا، يكتظ مخيم عشوائي مجاور لمكب نفايات بمنطقة "سهلة البنات" بمجموعة من النازحين الذين قصدوا المخيم منذ ما يقارب ثلاث سنوات، ويعمل كثير منهم حالياً في "نبش القمامة" لتأمين قوتهم اليومي.
أطفال وسط الأمراض
ويعمل موسى الخلف (٥٨ عاماً)، وهو نازح من قرية العزيزية بريف سري كانيه، مع أطفاله على نبش القمامة بعد انتقالهم إلى مدينة الرقة منذ أكثر من سبعة أشهر، عقب الاجتياح التركي لمنطقتهم في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.
ويعيل "الخلف" أسرة يزيد عدد أفرادها عن /20/ شخصاً، ويعمل على جمع ما يمكن بيعه بسبب أوضاع مادية متردية رافقت نزوحه، "نجمع البلاستك والنحاس وكل ما يمكن بيعه من مكب النفايات، لقد نزحنا تاركين وراءنا كل شيء بعد أن سيطر الجيش الحر على قريتنا".
وبدل أن يجتمع هؤلاء في مثل هذا الوقت من العام على بيادر محاصيلهم، أو على الأقل كعمال مع ورش الحصاد والأراضي الزراعية أو تربية المواشي أو أي أعمال أخرى كانت تتوفر في قراهم، يجدون أنفسهم نازحين وصل بهم الأمر لتلقف رغيف خبز لم ينل العفن من ظاهره، غير مكترثين بحجم القمامة التي كانت مكدسة فوقه قبيل لحظات.
يقول "الخلف"، لـ "نورث برس"، إن عمله لا يقتصر على جمع مواد للبيع، بل يتعدى ذلك إلى التقاط الطعام من المكب في حال وجوده "أحيانا نأكل الطعام الذي نجده بحالة جيدة من خبز وخضار".
ويرافق هذا العمل مخاوف من الإصابة بأوبئة تسببها الأوساخ المتراكمة في مكب النفايات، وفي مقدمتها الأمراض الجلدية والإسهال الذي يصيب الأطفال، "نضطر أحياناً إلى العمل يومين أو أكثر لتأمين معاينة الطبيب لمعالجة الأمراض التي تصيب أطفالنا من الأوساخ".
ولا يتلقى "الخلف" أي مساعدات إنسانية من منظمات إغاثة عاملة في الرقة، بسبب أن بطاقته الشخصية التي تعود إلى سجل النفوس المدني في مدينة الرقة، إذ لا يعتبر بنظرهم نازحاً، رغم أنه بحاجة إلى المساعدة لإعالة أسرته، الأمر الذي دفعه إلى العمل في نبش القمامة لكي يؤمن قوت عياله، على حد قوله.
دخل شحيح
ويمتهن علي البطحاوي (٢٨ عاماً) ، وهو نازح من قرية معدان غرب مدينة دير الزور، مع عائلته العمل نفسه بعد أن شكلت عائلته مع عدد النازحين مخيماً عشوائياً في منطقة "سهلة البنات" المجاورة لمكب النفايات منذ ثلاث سنوات ليعمل معظم سكان المخيم في نبش القمامة.
ويعلل "البطحاوي" عمله في نبش القمامة لعدم توفر فرص العمل والغلاء المعيشي، ما يدفعهم إلى جمع ما يمكن بيعه من مكب النفايات لتأمين مستلزمات عائلاتهم الأساسية، "لا يوجد لدينا أي عمل آخر".
ويضيف "أجمع البلاستك والحديد والنحاس وحتى حفاظات الأطفال من المكب، ولا تزيد قيمة ما أبيعه في اليوم الواحد عن ثلاثة آلاف ليرة سورية ولا يشكل هذا شيئاً في ظل هذا الغلاء".
ويناشد "البطحاوي" المنظمات الانسانية والإغاثية العاملة في المنطقة بالمساعدة وتقديم العون لهم، "أطفالنا يصابون بأمراض بسبب الذباب والأوساخ ودخلنا اليومي لا يكفي لعلاجهم".
"كي نعيش"
وبين الرجال والأطفال المزدحمين في المكب وسط روائح الأدخنة التي انتشرت نتيجة النار المشتعلة في أجزاء من المكب، تشاهد نساء تتسابقن أيضاً في الاجتماع حول عربة أفرغت حمولتها للتو كي تستطعن جمع ما يمكن بيعه أو استخدامه.
وتعمل مريم الجاسم (٤٠ عاماً)، وهي نازحة من ريف دير الزور، رفقة زوجها وأطفالها على نبش القمامة لتأمين قوتهم اليومي حيث تقول " كل هذا كي نعيش".
وتضيف: "كلنا عاطلين عن العمل، يبلغ عدد أفراد أسرتي /13/ شخصاً، نعمل جميعاً في المكب واتخذنا من جمع القمامة مهنة لنا، متحملين رائحة الأوساخ والدخان المنبعث".
وفاقم أوضاع النازحين التدهور الاقتصادي وانخفاض قيمة الليرة السورية مؤخراً، حيث لم يعد بإمكانهم تأمين متطلبات عائلاتهم، ما جعل تأمين الغذاء الهم الوحيد لهم وإهمال النواحي الصحية والتعليمية ومتطلبات السكن لعائلاتهم.
ويرى خبراء اقتصاد أن الحرب التي تعيشها سوريا منذ العام 2011، أدت إلى أن يعيش أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر وأن يتجاوز معدل التضخم /2000/ في المئة.
وترى جهات مسؤولة في مدينة الرقة إن ظاهرتي نبش القمامة والتسول في مدينة الرقة هي نتائج حتمية للأوضاع الاقتصادية المتردية التي آلت إليها البلاد نتيجة الحروب وما رافقها من تهجير للسكان وتداعياتٍ أخرى.
وقال عبد السلام حمسورك، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في مجلس الرقة المدني، إن ظاهرة نبش القمامة "بدأت تنتشر بشكل كبير بسبب الغلاء الفاحش الذي انعكست نتائجه على سكان المنطقة من قاطنين ونازحين".
وأضاف "حمسورك"، لـ "نورث برس"، أن القضاء على هذه الظاهرة يكمن في تأمين فرص عمل مستدامة للشباب، ويشير أنهم يعملون الوقت الحالي على توجيه المنظمات الإنسانية إلى استهداف المخيمات العشوائية في المقام الأول لتوفير فرص عمل لهؤلاء الناس.
وتتوزع في ريف مدينة الرقة العشرات من المخيمات العشوائية التي تضم أكثر من /15/ ألف عائلة من مختلف المناطق السورية، بينما تعمل في هذه المنطقة أكثر من /100/ منظمة محلية مرخصة من مجلس الرقة المدني، لكنها لا تلبي احتياجات هؤلاء النازحين.
وتعمل لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل "ضمن استراتيجية جديدة"، على وضع برنامج عمل جديد لعمل المنظمات الإنسانية، يهدف الى توفير فرص العمل بدلاً من تقديم السلال الغذائية للنازحين، لتمكينهم اقتصادياً بهدف الاعتماد على أنفسهم، حسب ما أوضحه "حمسورك".