“إذا استمر الأمر ستتحول إلى عاصمة للجنون”.. ماذا عن رواج المخدرات في دمشق؟

دمشق – نورث برس

يتذكر فادي (اسم مستعار)، البالغ من العمر 17 عاماً، أول مرة تعاطى الحشيش فيها، بعد سرقته لهاتف نقال وهروبه من المنزل إثر افتضاح أمره، “حين انكشف أمري أصبحت ملاحقاً، فاختبأت في منزل أحد الأصدقاء. كنت خائفاً، وقد ظهر على ملامحي التوتر، فأعطاني سيجارة حشيش”.

بأحداث يومية مماثلة، يزداد انتشار تعاطي المخدرات بأنواعها في العاصمة دمشق، كغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية التي ازدادت عمقاً ورسوخاً خلال سنوات الحرب في سوريا لدرجة وصل فيها الأمر ببعض الشباب والمراهقين إلى تعاطي مادة “الحشيش” المخدرة في الحدائق العامة.

متعاطون في أماكن عامة

وتتوزع أماكن تجمع المتعاطين من الفئة العمرية ما بين 25 -15  عاماً في حديقة القشلة في باب شرقي، وحديقة السبكي في الشعلان، وحديقة المدفع في حي الروضة، ولهم تجمعات في القصاع وجرمانا وأماكن أخرى، بحسب مصادر خاصة.

يقول فادي: “يجعلني في حالة لامبالاة في مواجهة أيّ مشكلة مهما كانت كبيرة، بالنسبة لي الحشيش يخفّف من حدّة الأشياء دائماً، رغم أنني على يقين تام أنّ ما أفعله هو جرم بحق نفسي وحق المجتمع”.

ويضيف: “كنت أكتفي بالحشيش سابقاً، ولكن مع الوقت صار يلزمني سبع كبسولات مخدرة، وبأنواع مختلفة مع الحشيش لكي أصل إلى شعور عدم الاكتراث الذي أحتاجه”.

“خسرت الكثير”

والأخطر في الظاهرة بحسب متعاطين ومختصين هو ما يرافق التعاطي من جرائم وسرقات وعلاقات جنسية عشوائية، والتي تحدث أحياناً في حارات دمشق القديمة وأزقتها الضيقة.

وقالت لبنى (اسم مستعار) التي تبلغ / 18/ عاماً، لـ “نورث برس”، إنّ المرة الأولى لتعاطيها الحشيش كانت بعد هروبها من المنزل بسبب ضرب تعرضت له، فقبلت تناول كبسولة قدمها لها شاب على أنّها مسكن للصداع.

“بعد أن هربت من المنزل بسبب التعنيف الجسدي الذي تعرضت له، تعرّفت في منطقة (باب شرقي) على شخصٍ أخذني إلى منزله وأعطاني كبسولة دواء مخدر على أنّه مسكّن للصداع، ومن ثم سيجارة محشوة بالحشيش، وهكذا بقيت لعدّة أشهر مشرّدة بين منازل الأصدقاء الذين تعرفت عليهم بعد هروبي”.

لكن قصة لبنى لم تنته هنا “في كل يوم كنت أدخن الحشيش معهم لكي أشعرهم أنّني أنتمي إلى مجموعتهم”.

وأضافت: “الحشيش يدفعني إلى عدم الإحساس بأي شيء، فضلاً عن أنّه يعمل على إثارتي جنسياً، وهذا ما يدفعني لإقامة أيّة علاقة جنسية مع الآخرين دون أدنى تفكير في الأمر”.

وقالت: “حين أصحو من تأثير الحشيش يسيطر عليّ الندم، وهذا ما يجعلني أكثر شراسة حيال الواقع، وأعاهد نفسي على أنني لن أتعاطى مرة أخرى، لكن حين أرى الأصدقاء يتعاطون تضعف إرادتي كلياً وأكرر أخطائي مرة أخرى”.

بعد زوال تأثير المخدر تشعر بآلام لا يمكن احتمالها، “ووهن بجسدي كلّه ووجع بالمفاصل، وهذا يؤثر على مزاجي سلباً بعد أن تزول آثار الحشيش،  وعندما أحتاج إليه ولا أجده أصبح عصبية دون مبرّر وبطريقة وحشية أحياناً”.

وتقول بتحسّر: “خسرت دراستي بسبب تعاطيه وخسرت أهلي، وخسرت جسدي أيضاً، مقابل أن أثبت للآخرين أنّني قادرة على التعاطي مثلهم دون خسارة أي شيء، ولكنني في الحقيقة خسرت الكثير”.

رواج واتهامات بالتصدير

ورغم أن ظاهرة انتشار المخدرات بأنواعها ظاهرة قديمة في المجتمع السوري إلّا أنّها ازدادت مع سنوات الحرب في سوريا وما رافقها من فقدان الأمن والاستقرار الاجتماعي، فيما ازدادت الاتهامات لسوريا بأنها مصدر مواد مخدرة ضبطت في المنطقة ودول من العالم.

وكانت شرطة منطقة قدسيا بريف دمشق قد ألقت القبض على مروج لمادة الحشيش المخدر، في 27 أيار/ مايو الجاري، وضبطت أكثر من /14/ كيلوغراماً من المادة مخصصة للبيع، بحسب بيان نشرته وزارة الداخلية السورية.

وقال مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات الأردنية، قبل أيام، إنه تم تطبيق قواعد الاشتباك على الحدود ما أدى إلى تراجع أشخاص إلى داخل العمق السوري، وبعد تفتيش المنطقة تم ضبط /140/ كف حشيش، ليتم تحويل المضبوطات إلى الجهات الأمنية المختصة.

كما أعلنت السعودية ومصر واليونان مراراً خلال السنوات الفائتة عن ضبط كميات من المواد المخدرة قيل إنها قادمة من سوريا، من بينها مصادرة السلطات اليونانية، في تموز/ يوليو الماضي، ما وصفته بأكبر كمية مخدرات من نوعها في العالم قادمة من سوريا، تزيد قيمتها عن نصف مليار يورو.

“الديلر”

وتحدث عصام عبود، وهو صحفي مقيم في دمشق لـ “نورث برس” ،عن تفاصيل حصل عليها من أشخاص انغمسوا في تعاطي مادة الحشيش، “إنّ الشخص الذي يروّج للحشيش يسمونه (الديلر)، يقوم في البداية بتقديم بعض الكميّات مجاناً، حتّى يعتاد عليها الشخص، وعندما يبدأ الطلب ينتهي التقديم المجاني”.

وأضاف أن لهفة بحث المنضمين حديثاً لمجموعات تعاطي الحشيش والحبوب المخدرة عن النشوة واللذة، لن تتوقف بمجرد قيام (الديلر) بقطع الكميات المجانية عنهم، لأن الشراء هو البديل “أصغر كمية ممكن أن يبيعها (الديلر) هي /12/ غراماً ونصف، وتسمى (نص ربع)، وسعرها حسب النوع يتراوح بين  سبعة إلى عشرة آلاف ليرة سورية، وبالتأكيد قد ارتفع سعرها هذه الأيام  كما ارتفعت كلّ الأسعار نتيجة انخفاض قيمة الليرة”.

وأوضح عبود أن لمتعاطي الحشيش طرقهم في تحضير المادة التي يتعاطونها، عن طريق خلط الحشيش بالتبغ، “ومن ثم لفّه على شكل سجائر بورق خاص اسمه (ورق لف)، ومتوفر على البسطات في الشوارع يباع بسعر ألفي ليرة سورية، وفي حال عدم توفره يستخدمون (ورق الشام) المحلي والذي يستخدم في لف التبغ، أو يقومون بإعادة التبغ المخلوط إلى السيجارة نفسها بعملية يسمونها (الدك)، ليقوموا بتدخينها بشكل جماعي”.

وأوضح عبود أن تأثير الحشيش يظهر على المتعاطين بعد السيجارة الثالثة أو الرابعة “فيضعف استيعابهم للكلام وتبدأ الهلوسات والتمتمات غير المفهومة، ويصبحون في حالة من فقدان تام للوعي ويسمونها حالة (الهاي)، والخطورة أنّهم عندما يصلون إلى هذه الحالة يقيمون علاقات جنسية متعددة في ذات المجموعة أو علاقات مثلية أمام بعضهم البعض”.

 وقال عبود “أحياناً يقيم المتعاطون العلاقات الجنسية في حارات الشام العتيقة، إذا كانوا لا يمتلكون منزلاً يستطيعون التعاطي فيه”.

وبعد زوال تأثير الحشيش عن المتعاطي تظهر ردود أفعال معينة “يسمون تلك الحالة بـ(الفك) أي أنّ المتعاطي ينفك عن حالة الخيال والهلوسة ويعود للواقع، وهنا يصبح عنيفاً وعصبياً، وقد يصاب بآلام جسديّة إذا كان مبتدئاً، أمّا المتمرس فلا يشعر بآلام جسدية ولكنه يكون عصبياً”، بحسب عبود.

يقول عبود أيضاً: ” يباع الحشيش في البارات وأماكن الحفلات الصاخبة ومحلات الوشم وتركيب البيرسينغ (هي حلقات وأقراط تركب في الأذن أو الأنف أو السرة بعد ثقب مكانها)، وإذا استمر الأمر على ما هو عليه فإنّ دمشق ستتحول إلى عاصمة للجنون”.

“الأوهام والجهل”

وقال الطبيب أحمد يحيى افنيخر، حاصل على دكتوراة في الصحة النفسية والتربية الخاصة، لـ “نورث برس”، إن مشكلة المخدرات بكل أنواعها، ومن ضمنها مادة الحشيش تشغل العالم كله، “مادة الحشيش تستخدم كسلاح خفي في الحروب بين الدول، أو الحروب البينية داخل الدولة الواحدة”.

وأضاف: “يستهدف السلاح بشكل خاص فئة الشباب، من أجل تحويلهم من قوة فاعلة ومنتجة، إلى قوة مدمّرة تشلّ حركة المجتمع وتبدد ثرواته”. 

واستطرد في ذكر أسباب اللجوء إلى التعاطي “هناك عوامل وأسباب عديدة للتعاطي، معظمها راجع إلى الوهم والجهل وسوء الفهم، فضلاً عن القناعة بأنّها تمكّن من الحصول على اللذّة، إضافة للظروف الاجتماعية والأسرية غير المناسبة، مثل التفكك الأسري، أو انحراف أحد الوالدين، ورفقة السوء والعادات الخاطئة، والهروب من ضغوط الحياة”.

وأشار الطبيب إلى المقاربات الخاطئة للإعلام في تناول موضوع المخدرات والحشيش “التعامل السيئ من جانب بعض وسائل الإعلام مع موضوع المخدرات، حيث تتيح الفرصة لغير المتخصصين للكلام عنها بشكل غير علمي أو موضوعي أحياناً”.

“معالجة حكومية هزيلة”

أمّا جعفر مشهدية وهو سياسي من دمشق فقد بيّن، لـ “نورث برس”، أن رواج تعاطي الحشيش في حدائق العاصمة هو نتيجة منطقية للظروف المعيشية “تعاطي الحشيش أمر طبيعي في مثل الظروف التي نعيشها، لأنّ الشباب الذين أصبحوا بلا أمل سيبحثون عما يُنسيهم واقع حياتهم العصيبة”.

واستغرب مشهدية “التعاطي الحكومي البطيء واللامبالي”، مع قضية خطرة كهذه، ورأى أنّ الحل بسيط “فإمّا أن تضبط الحكومة منافذ التهريب بشكل حقيقي، لمنع تهريب الحشيش إلى داخل سوريا، أو تشريعه وترخيصه، لأنّ تعاطيه والاتّجار به أصبح أمراً واقعاً، ومحاولات منعه وملاحقته لم تفلح”.

وبحسب القانون السوري فإن المتعاطي الذي يسلم نفسه طوعاً أو يسلمه ذووه للسلطات المختصة، لا يلاحق قانونياً، ويعالج مجاناً وبسريّة تامّة، لكن القانون يشدّد العقوبات حول التعاطي والإتجار بالمخدرات إذ تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام.

إعداد: أحمد كنعان – تحرير: قيصر منصور