دمشق – نورث برس
يشهد الشارع السوري جدلاً غير مسبوق جراء الصراع القائم بين الرئيس السوري بشار الأسد، وابن خاله رامي مخلوف الذي كان يعتبر يوماً ما الدعامة الأساسية للاقتصاد الحكومة السورية وسط مخاوف من تداعيات "غير محمودة العواقب" على الوضع الاقتصادي والأمني في مناطق السيطرة الحكومية.
مخلوف يهدد والأسد يمنعه من مغادرة البلاد
مخلوف، الذي ظهر في عدة مقاطع مصورة، حمّل الحكومة السورية مسؤولية ما سينجم عنه النهج الجديد المتّبع ضده، مطلقاً تهديدات مبطنة بانهيار الاقتصاد وحصول مجاعة، لكن تلك التهديدات أخذت طابعاً أكثر صرامة، في الـ /19/ من شهر أيار/ مايو الجاري، عندما لمّح باللجوء إلى رجاله للرد على قرار الحكومة السورية بفرض الحجز الاحتياطي على أملاكه هو ونجله وزوجته، وذلك بالقول في منشور على صفحته الرسمية على فيسبوك: "فـقـد قـلـت إن لله رجـالاً إذا أرادوا أراد".
بدورها، ردّت الحكومة السورية على تهديدات مخلوف بإصدار قرار منعه من السفر خارج البلاد بناء على أمر صادر من محكمة القضاء الإداري بدمشق في الـ/20/ من الشهر الجاري.
وقال محمد، وهو تاجر من دمشق: "يملك رامي مخلوف الكثير من الأدوات التي من الممكن أن تقلب الحالة الأمنية والاقتصادية للبلاد رأساً على عقب، وما انهيار الليرة السورية إلا إحدى نتائج الخلافات القائمة مع مخلوف".
وشكّل رامي مخلوف، منذ بدايات الأزمة السورية، تشكيلات عسكرية قوامها مسلحون ينحدرون من الساحل السوري، أبرزها ميلشيا الدفاع الوطني التي كانت تملك امتيازات كبيرة جداً ولها نفوذ كبير في مناطق سيطرة الحكومة السورية.
ورغم المحاولات الرسمية لحل تلك الميليشيا، لكنها لا تزال تملك نفوذاً كبيراً في مناطق الساحل السوري والعاصمة دمشق.
مخلوف "منقذ" الأسر الموالية!
واستطاع مخلوف كسب ود الطائفة العلوية من خلال جمعية "البستان" التي قدّم من خلالها المساعدات الإغاثية لعدد كبير من الأسر العلوية ذات الدخل المحدود، بالإضافة إلى تقديم خدمات الطبابة والاستشفاء ومنح الأطراف الصناعية لجرحى عناصر الجيش السوري الذين كانوا يلاقون الإهمال في المشافي العسكرية الحكومية بسبب المحسوبيات والروتين الإداري، ناهيك عن مساهمة مخلوف في دعم البنى التحتية في المناطق المكتظة بالطائفة العلوية، فعلى سبيل المثال لا الحصر قامت جمعية البستان التابعة لمخلوف بصيانة وتدعيم الشبكة الكهربائية وشراء محولات ضخمة لمنطقة "مزة 86" في دمشق، والتي حلّت مشكلة الانقطاعات الدائمة للتيار الكهربائي أثناء ساعات التغذية دون قدرة شركة الكهرباء الحكومية على حل تلك المشكلة، بالإضافة إلى مساهمته في صيانة الطرق والأدراج الكثيرة المنتشرة في ذلك الحي الذي تقطنه أغلبية من الطائفة العلوية.
وكانت السلطات السورية قد استولت، مؤخراً، على جمعية "البستان" ونقلت ملكيتها من رامي مخلوف، وهو ما أظهره بيان الجمعية في الـ/23/ من هذا الشهر والذي أكد أن الجمعية "تعمل تحت إشراف الرئيس بشار الأسد وتؤدي عملها الخيري والإنساني والتنموي بمتابعة وإشراف السيد رئيس الجمهورية"، وسط استياء من رعايا الجمعية المستفيدين من خدماتها.
ويرى مراقبون أن خطورة هذا الصراع تكمن في أن الغالبية من ذوي الدخل المحدود من الطائفة العلوية تقف إلى جانب مخلوف، وتفضّله حتى على الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما بدا واضحاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الشارع أيضاً.
وقال غدير وسام ( اسم مستعار)، وهو محام مقيم في دمشق: "من خلال لقاءاتنا اليومية مع عدد كبير من الضباط وعناصر الجيش السوري أبدوا بوضوح وقوفهم إلى جانب مخلوف في وجه ‹المؤامرة› التي اعتبروا أن روسيا تقف وراءها".
وأضاف، أنهم على الرغم من عدم إعلانهم بوضوح أنهم موالون لمخلوف أكثر من الأسد ذاته، لكن الأسر العلوية، وفي ظل ظروف صعبة تعيشها هذه الأيام باعتماد غالبيتها على رواتب أبنائها الموظفين لدى الدوائر الحكومية والتي لم تعد تكفيهم لسد حاجاتهم الأساسية لأكثر من خمسة أيام، ترى في مخلوف "المنقذ" الوحيد من الجوع، ويظهر ذلك من استيائهم من الحملة ضد "بارون" الاقتصاد السوري.
الصراع مع مخلوف لم يكن خياراً للأسد!
حجز أموال رامي مخلوف وعائلته خلق ظروفاً ومستجدات ستغير مسار الأحداث في سوريا. يختتم وسام: "سوريا ما بعد الخلاف مع مخلوف لن تكون كسوريا ما قبله".
ولا شك أن الرئيس السوري وحكومته "أُجبرا" على فتح هذه الجبهة مع مخلوف واستحصال أموال طائلة منه بهدف سد العجز الضخم في الاقتصاد السوري، في ظل الانهيار المستمر لليرة السورية، وعدم وجود إيرادات كافية لخزينة الدولة مع خروج المناطق الحيوية من سيطرة الحكومة كالموانئ ومناجم الفوسفات وآبار النفط وحقول الغاز، وفق خبراء اقتصاديين.
وبحسب هؤلاء الخبراء، فإن انتهاج الحكومة سياسة مضاعفة الرسوم والضرائب وفرض ضرائب جديدة- لم تكن موجودة- على السوريين بدءاً من ضرائب الشؤون المدنية والهجرة والجوازات ومروراً بضرائب التعليم العالي وليس انتهاءً بضرائب وزارة النقل ووزارة الاتصالات التي رفعت مؤخراً أسعار خدمة الإنترنت ADSL وجعلتها شرائح مقيدة بعد أن كانت مفتوحة، لم يكن كافياً لسد النقص في خزينة الدولة.
ويشير هؤلاء أيضاً إلى أن الأسد لم يكن ليفتح هكذا جبهة "لو لم يعلم جيداً أن الاقتصاد في سوريا مقبل على مرحلة أسوأ مع قرب تطبيق قانون سيزر القاضي بفرض عقوبات مشدّدة على الحكومة السورية وكل من يتعامل معها".