هضبة المناخر في الرقة.. ظاهرة طبيعية فريدة لم تحظ باهتمام الحكومة السورية
الرقة – مصطفى الخليل – نورث برس
في الجهة الشمالية من بلدة الكرامة 30 كم شرقي الرقة تقع هضبة المناخر البركانية، والتي ترتفع أكثر من /400/ م عن سطح البحر و /200/ م عن المنطقة الواقعة حولها، لكن باحثون محليون يرون أن الحكومة السورية لم تهتم بها خلال العقود الماضية رغم أهمية هذا الموقع.
وتعود هضبة المناخر إلى الزمن الجيولوجي الرابع، ضمن الزمن الجيولوجي الحديث، والممتد لفترة طويلة، وتنتمي لزمرة جبال "السوما" الفريدة من نوعها في سوريا، وفقاً لأحمد الواجد عضو الجمعية الجغرافية السورية وهي جمعية أهلية مستقلة مقرها دمشق.
ويقول بعض السكان إن سبب تسمية الهضبة البركانية باسم "المناخر"، كونها تشبه منخار الإنسان. التسمية "تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل".
ويقول "الواجد" وهو من سكان بلدة الكرامة ويحمل شهادة دبلوم في الجغرافيا، إن "الجدار الذي يحيط بهضبة المناخر، يسمى علمياً بجدار السوما ويحيط بها من جميع الجهات، وفي الطرف الغربي منها فوهة بركانية ضخمة خامدة منذ آلاف السنين، مُشكّلة ما يشبه ستاد رياضي، وهي تشبه براكين اندونيسيا في آسيا الشرقية".
ويستند "الواجد" في حديثه لـ "نورث برس" على مراجع علمية مختلفة في علوم الأرض، منها كتاب "الجيومورفولوجيا العامة" الذي يركز على دراسة التضاريس وأسباب نشأتها وتطورها عبر الزمن وكذلك مراجع أخرى معتمدة في جامعتي دمشق وحلب.
ويتابع شرح معالم الهضبة "على السفح الغربي من الهضبة، هناك أخاديد ويزداد عمق وحجم هذه الأخاديد في الطرف الغربي أكثر منه في الشرقي، وذلك بسبب مواجهة السفح الغربي للرياح الغربية المطيرة".
ويضيف "صخور الهضبة، بازلتية قاسية، تتواجد بكثرة بين الفوهة البركانية الغربية، والتي يوجد بينها وبين البراكين اللاحقة خندق يُعرف علمياً بالخندق السواري، وهو يشبه الخنادق الموجودة في براكين إيطاليا ويسمى علمياً (اتريو)".
ويشير أحمد الواجد إلى أنه "بالرغم من تفرد هضبة المناخر في سوريا، والمنطقة عموماً بهذه المواصفات، لكنها لم تحظى بأدنى اهتمام بحثي من قبل الجهات الحكومية السورية، مثلها مثل الكثير من الظواهر الجغرافية في منطقة الجزيرة السورية" على حد قوله.
ويقطن حالياً بالقرب من الهضبة، بدو رحل يعيشون في بيوت شعر، يربون الإبل والأغنام، ويقتاتون مما تنتجه مواشيهم، وكانوا قد اتخذوا من السفح الغربي والشرقي والشمالي من الهضبة مكاناً لسكناهم على مراحل عدة وذلك منذ بداية الحرب السورية قبل تسع سنوات.
واستخدم الكثير من سكان بلدتي الكرامة والحمرات في ريف الرقة الشرقي، من الحجارة السوداء البازلتية الموجودة في الهضبة، في بناء منازل لهم، وتشييد جدران تحيط بمنازلهم، مفضلين هذه الحجارة على حجارة (الحوار) المنتشرة في منطقة وادي الفرات.
ومنذ فترة قريبة كان يوجد في الهضبة مقلع لاستخراج الحجارة، وتسويتها وتهذيبها، ووصل سعر حمولة الحجر الأسود إلى حدود الـ /30/ ألف ليرة سورية، لما تمتاز به من صلابة وقوة كما يقول درويش محمد الحسين(43 عاماً) وهو مزارع من سكان الكرامة.
ويشير "الحسين"، إلى أن الناس قديماً في ريف الرقة الشرقي، كانوا يعتقدون، بوجود ضريح لجعفر بن أبي طالب المكنى بـ"جعفر الطيار" وفق معتقد السكان، في القمة الغربية للهضبة، الأمر الذي دفع بعض المرضى من سكان الرقة إلى زيارة المكان ووضع مبالغ مالية رمزية بالقرب منه، "للاستشفاء ونيل البركة".
وخلال سنوات الحرب في سوريا ما بين عامي /2012/ و/2017/ اتخذت بعض الفصائل العسكرية التي تعاقبت سيطرتها على الرقة، من هضبة المناخر معقلاً لها، بسبب حصانتها وصعوبة الوصول إليها.
ومع ظهور تنظيم "الدولة الاسلامية" في عام /2014/ والسيطرة على مدينة الرقة حوّل عناصر التنظيم، السفح الغربي من الهضبة إلى مقرٍ لهم ومكاناً لتعذيب السجناء كما يقول أحد سكان بلدة الحمرات مفضلاً عدم ذكر اسمه لأسبابٍ أمنية، حيث تعرض سابقاً للاعتقال من قبل عناصر التنظيم "بسبب مخالفته لأوامرهم"، إذ قاموا بإجباره على نقل الحجارة، "كعقوبة رادعة له" على حدّ قوله.
وكان يعيش في الهضبة، حيوانات برية مثل الذئاب، والضباع، وقطعان من الغزلان، اختفت من المنطقة منذ حوالي/5/ سنوات بسبب كثرة تواجد البشر حولها، بحسب محمد الجديع /40/ عاماً، من سكان بلدة الكرامة.
ويحيط الهضبة أراضٍ "عديمة الفائدة وغير صالحة للزراعة" لما لها من تربة بازلتية سوداء، تتسبب بارتفاع درجة الحرارة في التربة، خاصة في فصل الصيف.