لوكاس شابمن- القامشلي – نورث برس
أدلت الأمم المتحدة في نيسان / أبريل من هذا العام ببيان زعمت فيه أنه بذلت مع شركائها قصارى جهدهم من أجل دعم جهد شامل ومتعدد الجوانب لوقف تأثير كوفيد-19 في سوريا".
ورغم أن البيان يستمر في وصف عمل الأمم المتحدة و شركائها في توزيع المساعدات الطبية على العديد من المناطق السورية. إلا أن الوضع على الأرض في مناطق شمال شرقي البلاد يناقض نبرة المدح التي تغطي نص البيان والتي لا يبدو أن العاملين في مؤسسات الرعاية الصحية في شمال وشرق سوريا لديهم الوقت للتوقف عندها.
فبعد عشر سنوات من الحرب كانت فيها الغلبة لسياسات العنف على مستوى البلاد، بات نظام الرعاية الصحية في شمال وشرقي سوريا يواجه العديد من العقبات المختلفة، بما في ذلك الاعتداءات الخارجية والداخلية المستمرة في ظل غياب الدعم الدولي.
وعلى الرغم من هذه التعقيدات، ظل العاملون المتفانون في المؤسسات الصحية في هذه المنطقة ملتزمين بشدة بمكافحة تفشي المرض باستخدام كل فرصة متاحة لهم والنتائج تتحدث عن ذلك.
جبهات متعددة
تقول جميلة حمي، الرئيسة المشاركة في منظمة الهلال الأحمر الكردي "تخوض مناطق شمال و شرقي سوريا مواجهتين الآن. الأولى ضد كورونا والأخرى ضد الاحتلال التركي واعتداءاته التي لا تتوقف، وفي الوقت الذي نقوم فيه بإنشاء مراكز للحجر الصحي والمستشفيات يتعين علينا أن نجلب مصابين من خطوط التماس مع المناطق المحتلة من قبل تركيا".
وتلقى النظام الطبي في مناطق شمال شرقي سوريا، المتوترة بالفعل نتيجة للحرب التي لم تتوقف منذ ما يقارب عقدا من الزمن، ضربة قاسية أخرى عندما احتل الجيش التركي وفصائل المعارضة المسلحة التابعة له مناطق سري كانيه وتل أبيض في أكتوبر 2019.
وتتفق الرئيسة المشاركة في هيئة الصحة في الإدارة الذاتية رابرين حسن، مع ما ذهبت إليه إدارة الهلال الأحمر الكردي من أن "الحرب لا تزال مستمرة وكلما كانت هناك حرب فإن القطاع الطبي يتحمل العبء الأكبر دائماً". وأضافت "استشهد العديد من أعضاء فرقنا الطبية خلال اجتياح سري كانيه"، بحسب تعبيرها.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة دعت إلى وقف دولي لإطلاق النار من أجل مزيد من التعاون في مكافحة فيروس كورونا، إلا أن الغزو والاحتلال غير المشروعين لشمال وشرقي سوريا لا تزال تداعياته مستمرة، إذ يتكرر القصف بشكل شبه يومي كما يتم استهداف الأراضي الزراعية وحرقها من قبل الجيش التركي والقوات التابعة له.
وكانت الأمم المتحدة قد دعت العالم إلى العمل معاً لمكافحة الوباء القاتل، وأقرت أنه من المستحيل تقريباً وصول المساعدات إلى السكان الضعفاء في شمال شرقي سوريا.
وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد صوت في تشرين الأول /أكتوبر من العام الماضي على إغلاق معبر اليعربية/ تل كوجر الحدودي، وهو المعبر الرسمي الوحيد لوصول مساعدات الأمم المتحدة إلى شمال شرقي سوريا. ثم أعاد المجلس التصويت على تمديد الإغلاق مرة أخرى في شباط /فبراير من هذا العام، وقد تأثر نظام الرعاية الصحية في المنطقة بشكل كبير بهذا الإغلاق.
ويقول كمال درباس، عضو الهلال الأحمر الكردي: "فقدنا حوالي 70 إلى 75% من مساعداتنا الطبية، وأجبرنا على إغلاق أحد عشر مركزاً بسبب إغلاق هذا المعبر".
وتأتي إحدى أكبر العقبات التي تواجهها الإدارة الذاتية في تأمين المساعدات من جانب الحكومة السورية. إذ تقول رابرين حسن الرئيسة المشاركة لهيئة الصحة في إقليم الجزيرة: "تخلق الحكومة السورية الكثير من المشاكل لنا، فهي لا تسمح بوصول المساعدات التي نطلبها إلى مناطقنا، كما أن معظم المساعدات الدولية التي تصل إلى البلاد تذهب إليها، وهذه قضية سياسية، والذريعة أن إدارتنا لم يتم الاعتراف بها رسميا بعد، ولهذا السبب لا يتواصلون معنا".
وأوردت مذكرة داخلية للأمم المتحدة أنها مخولة فقط بتمويل فرق الإغاثة المسموح لها بالعمل من قبل الحكومة السورية، باستثناء العديد من المنظمات الخيرية والإغاثية التي كانت ستوزع المساعدات في مناطق الإدارة الذاتية.
وتضيف "حسن" أنه إلى جانب رفض تقديم المساعدات أو السماح لها بالوصول إلى مناطق الإدارة الذاتية، فإن الحكومة السورية تتعمد أيضاً زرع الفوضى، إذ "يجب على الأشخاص الذين يأتون من دمشق أن يدخلوا حجراً صحياً، بعد أن تم إيقاف النقل بين مناطقنا و بين جميع المحافظات الأخرى، ولكن الحكومة تسمح بالسفر بين دمشق والقامشلي، وقد تركت المطار مفتوحاً، وهناك ثلاث أو أربع رحلات أسبوعياً، كما تقوم السلطات الحكومية بمساعدة العائدين عبر هذه الرحلات من دمشق إلى القامشلي، على تجنب الدخول إلى الحجر الصحي والهروب باستخدام طرق بين الأحياء السكنية التي تسيطر عليها في القامشلي".
في مواجهة الشدائد
"عندما أدركنا في نهاية شباط/ فبراير أن الفيروس ينتشر في جميع أنحاء العالم، رأينا أنه يمثل تهديداً لشمال وشرقي سوريا أيضا. فقمنا أولاً بإغلاق جميع الحدود والمعابر والمدارس والمعاهد بمساعدة من الإدارة. لقد كان الحظر فرصة لنا في الواقع للعمل بسرعة لإجراء التحضيرات و إنشاء مراكز الحجر الصحي والمستشفيات وما إلى ذلك"، وفق ما تقوله جميلة حمي عن الإجراءات الوقائية الأولية ضد فيروس كورونا التي تتخذها الإدارة في شمال شرقي البلاد.
ومع فرض الحظر كان على جميع المتاجر غير الأساسية إغلاق أبوابها. لكن تم السماح فقط للمحلات الغذائية ومحطات الوقود والصيدليات بمواصلة عملها.
وعند الاشتباه بإصابة أحد السكان بفيروس كورونا المستجد، يمكن الاتصال بأرقام مخصصة، عندها سيصل فريق متخصص يرتدي معدات واقية ويجري اختباراً سريعاً، وفي حال كانت النتيجة إيجابية، سيتم أخذ عينة ليجري اختبارها بواسطة أحد أجهزة PCR الثلاثة الموجودة في القامشلي أو الرقة أو كوباني، وفق ما توضح هيئة الصحة.
في نيسان/أبريل، تم تجهيز مستشفى كوفيد 19 في الحسكة، وهو مستشفى تم بناؤه خصيصاً لمرضى فيروس كورونا. واستغرق بناؤه وتجهيزه نحو شهر واحد فقط، ويعمل به حالياً الهلال الأحمر الكُردي في سوريا.
ووفرت منظمة "UPP" غير الحكومية الإيطالية، لكونها تمتلك خبرة وقادرة على مشاركة خبرة عدة أشهر من التجارب الصعبة في مكافحة فيروس كورونا في إيطاليا، التي تضررت بشدة، عبر توفير التدريب لموظفي المستشفى، بما في ذلك كيفية ارتداء الملابس الواقية وإزالتها وحرقها.
ويحتوي المستشفى حالياً على 120 سريراً مجهزاً بالأكسجين للمرضى الذين يحتاجون إلى مستويات معتدلة من الرعاية، بالإضافة إلى ستة أجهزة تنفس اصطناعية "منفسات" للحالات الحرجة.
وعلى الرغم من أن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن قد صرح مؤخراً أنه لا يزال هناك خطر كبير من تفشي فيروس كورونا القاتل في سوريا، وأنه لا ينبغي تخفيف الإجراءات بسرعة، لكن يبدو أن المبادئ التوجيهية التي وضعتها هيئة الصحة والهلال الأحمر الكردي قد ساهمت في الحد من انتشار الفيروس حتى الآن.
وسجلت مناطق الإدارة الذاتية حالتين فقط من الإصابات بفيروس كورونا رسمياً، أحداهما تعافت في المنزل، والأخرى تعافت في المستشفى الوطني التابع للنظام السوري في القامشلي. وقد تم تخفيف بعض الإجراءات، وهو أمر يتعلق بالهلال الأحمر الكردي، على الرغم من أن الكثيرين وجدوا أن تخفيف الحظر ضروري للحد من المعاناة الاقتصادية للعمال الذين يعتمدون على الأجر اليومي لكسب قوت عيشهم.
لحسن الحظ، لا يزال عدد الحالات منخفضًاً، ومستشفى كوفيد 19 فارغٌ ينتظر وصول أول مريض له. والأيام وحدها هي التي ستحدد ما إذا كانت الإجراءات التي اتخذتها الإدارة كافية أم لا، بيد أن الإدارة تبدو مستعدة لمواجهة تفشي الفيروس في حال بدأ في الانتشار في جميع أنحاء المنطقة.