تداعيات الأزمة وإهمال الحكومة من أسباب تراجع الصناعات الدوائية في سوريا
دمشق – نورث برس
شهد قطاع الصناعات الدوائية في سوريا تراجعاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، ما فاقم من معاناة السوريين وأفقدهم الأمان في جانب حيوي، كانت تغطيه عشرات الأصناف من الأدوية المنتجة محلياً وبأسعار وجودة جعلتها منافسة لمثيلاتها الأجنبية قبل بدء الأزمة في البلاد.
لكن الأسواق المحلية حالياً باتت تعاني من حالة عدم استقرار في توفر الأصناف الدوائية السورية وفقدانها في أحيان كثيرة من الصيدليات، إذ كانت المعامل السورية كانت تؤمن حاجة الأسواق السورية لأصناف كثيرة من الأدوية بما فيها المعالجة لأمراض عديدة وبأسعار منخفضة.
ويقول طوني دونا وهو صيدلاني يعمل في صيدلية بحي القصور في دمشق لـ "نورث برس" إنّ بعض الأصناف المطلوبة تأتي بكميات قليلة من شركات التصنيع الدوائي، رغم وجود طلب كبير عليها.
ويضيف أن الكثير من السوريين المقيمين في خارج البلاد يلجؤون إلى شراء كميات كبيرة من الأدوية السورية، بقصد أخذها معهم إلى دول مثل الإمارات العربية والعراق، نتيجة ارتفاع أسعار الأدوية هناك، وكذلك فإن سائقي السيارات على خط بيروت – دمشق، يأخذون معهم كميات من الدواء لسوريين مقيمين في لبنان، بسبب انخفاض سعرها هنا مقارنة بلبنان، مما يؤدي إلى قلة توفرها في السوق المحلية.
وتنتشر معامل صناعة الأدوية في محافظات حلب ودمشق وحمص واللاذقية و طرطوس، إضافة إلى معمل "تاميكو" الذي يتبع إلى وزارة الصناعة ومعمل "فارما" الذي يتبع للهيئة العليا للبحث العلمي بدمشق.
أسباب التراجع
ويقول الخبير في التصنيع الدوائي محمد عامر المارديني لـ"نورث برس" إنّ عدد المعامل السورية الدوائية تراجع منذ بداية الأزمة السورية من /63/إلى /42/ معملاً، حيث توقفت العديد منها عن الإنتاج، بسبب الخسارة الشديدة مع بداية الأزمة، لكنها عادت إلى العمل حالياً وارتفعت أعدادها لتبلغ /92/ معملاً، لكن أسعار المتممات الغذائية فيها هي الأغلى.
ويعدد "المارديني" الأستاذ في كلية الصيدلة بجامعة دمشق الصعوبات التي تواجه قطاع الأدوية السوري بوجود عقوبات اقتصادية نالت من المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج الدوائي، بالرغم من أدعاء الدول الأوربية عدم تأثير عقوباتهم على قطاع الأدوية، إضافة إلى أن العقوبات على التعاملات المصرفية التي شملت مصرف سورية المركزي، أثّر أيضاً على الإنتاج بشكل كبير.
ويضيف الخبير إلى الأسباب التعثر في نقل البضائع من وإلى سورية نتيجة الحصار، كما أصبح هناك خلل في موارد الطاقة وهجرة الكفاءات ونقص هائل في اليد العاملة الخبيرة.
ويرى "مارديني" أنّ الحصار تسبّب في ارتفاع أسعار المستلزمات، إذ باتت تكلفة عبوة الشراب الفارغة أكبر من سعر الدواء ذاته، وهذه مشكلة كبيرة، كما أن هناك سياسة تسعير تقليدية لدى وزارة الصحة مقابل ارتفاع كبير في أسعار المواد الأولية المستوردة، ما أدى إلى تفاوت في أرباح الأصناف الدوائية، فهناك صنف يربح وآخر يخسر، وهذا ما يؤدي إلى فقدان بعض الأصناف.
فقدان أهم الأصناف
وتؤكد ريم عبود وهي مخبرية في إحدى شركات التصنيع الدوائي لـ "نورث برس" قيام بعض الشركات بإيقاف إنتاج أصناف دوائية علاجية لاعتلال الأعصاب وغيرها على أهميتها الصحية، واستبدالها بمتممات غذائية لأنّ أسعارها أغلى، وذلك لأجل تعوّيض الخسارة التي تتعرض لها.
وتوضح "عبود" أن الشركات تلتف على قرارات وزارة الصحة التي لا تسمح برفع سعر الدواء كونه "خط أحمر" وتتحاشي الخسارة، إذ لا يجوز تحويل منتج دوائي علاجي إلى متمم غذائي بحسب تعليمات الوزارة، التي توفر إمكانية تعويض خسارة الشركة من خلال التصدير للخارج.
أدوية بفعالية أقل
وتابعت الخبيرة أنّ سعر المواد الأولية ارتفع بشكل كبير وكذلك أسعار المستلزمات "عبوات " عدا تكاليف النقل، ما يتسبب بخسارة الشركات، وهو ما يدفعها إلى إنتاج أصناف أقل فعالية مما كانت عليه بغية تعويض خسارتها، "وهنا يجب إيجاد حل لهذه الإشكالية".
وتقول أم عامر والدة طفل مصاب بالشلل الدماغي من سكان دمشق لـ "نورث برس" إنّها باتت مضطرة لشراء أدوية عصبية أجنبية المصدر ذات فعالية جيدة بأسعار عالية جداً، بسبب فقدان أهم الأدوية العصبية السورية من الأسواق، وبعد أن أصبح المنتج المحلي غير فعال، كما إن ابنها كثيرا ما يتعرض إلى نوبات بسبب التأخر في تأمين الدواء.
ووصف صاحب شركة أدوية "فضل عدم الكشف عن اسمه" في حديثه لـ"نورث برس" السياسة الحالية التي تتبعها وازرة الصحة الحكومية في التعاطي مع شركات الأدوية بـ"المدمرة" كونها لازالت تعتمد في التسعير على سعر صرف الدولار في البنك المركزي أي /٤٣٠/ ليرة مقابل كل دولار.
ويضيف أن البنوك لم تعد قادرة على تمويل مشتريات الشركات من الخارج، حسب سعر صرف الدولار المنخفض في المركزي, لذا باتت أهم الأدوية وخاصة أدوية القلب والأعصاب غير متوفرة والسبب وراء ذلك هو محاول الشركات الهروب من الخسائر التي تصيبها.
وعبر المصدر عن أسفه في أن يتحول التهريب إلى بديل يعوض حاجة السوق المحلية، إذ لا يخفَ أن أسعار الأدوية المهربة تفوق الأسعار المحلية بعدة أضعاف، ورغم ذلك فإن وزارة الصحة الحكومية لا تستجيب لشكاوى الشركات، "لا بل تقوم بالسماح لبعض شركات الأدوية باستيراد متممات وفيتامينات ومواد تجميل بالعملة الصعبة".
ويتحدث فؤاد شاهين وهو من سكان بلدة جديدة بريف دمشق لـ "نورث برس" عن ما بات يعانيه أثناء بحثه بشكل دوري عن دواء لعلاج الضغط تنتجه شركة محلية، لكونه أكثر فعالية، ولا يريد شراءه من شركة أخرى، لكونه غير متوفر بنفس العيار في الشركات الأخرى.