السريانية لغة “شبه منسية” في ديريك وسط محاولات لإعادة الاهتمام بها

ديريك – ريم شمعون/ شربل حنو -نورث برس

 

يعيش في مدينة ديريك، أقصى شمال شرق سوريا، عدد كبير من السريان إلى جانب المكونات الأخرى، فيما يتحدث قليل منهم لغتهم السريانية المحكية، ويرجع البعض سبب ذلك إلى الهجرة وكذلك إلى عدم اهتمام بعض السكان بلغتهم الأم على عكس مدينتي القامشلي وتربسبيه اللتين تتحدث نسبة كبيرة من سريانها بلغتهم.

 

وتتجاوز نسبة السريان في مدينة ديريك /55 / بالمئة  من المجموع الكلي لمسيحيي المدينة، فيما تنخفض نسبة السريان الذين يتكلمون لغتهم إلى أقل من /10/ بالمئة ، بحسب كنيسة السريان الأرثودوكس في مدينة ديريك.

 

انتشار متفاوت

 

وفي حين تعتبر مدينتا القامشلي وتربسبيه من أكثر مدن الجزيرة السورية حفاظاًعلى "السريانية المحكية"، حيث تتجاوز نسبة الذين يتكلمون لغتهم /90/ بالمئة من مجموع السريان، يعيد سكان انخفاض النسبة في ديريك إلى عدم اهتمام الآباء بنقل لغتهم إلى أطفالهم.

 

وتلقي ليديا مراد، ذات الـ 21 ربيعاً، اللوم على الأجداد وكبار السن في مدينة ديريك الذين لم يحاولوا الحفاظ على لغتهم الأم بل تكلموا العربية مع أولادهم.

 

وأضافت، لـ"نورث برس"، "أما حصص اللغة السريانية في المدارس فكانت عبارة عن حصص ترفيهية شبيهة بحصص الرياضة أو الرسم، لم تحصل على اهتمام جدي من قبل السكان أو الأطفال ذاتهم".

 

 وحتى مع انتشار المؤسسات السريانية في ديريك حالياً، تقول مراد إنه "من الصعب أن تنتشر اللغة السريانية في المدينة"، لكنها لاتزال تتمنى أن تتعلم السريانية لتنقلها لأولادها في المستقبل.

 

السريانية بين فترتين

 

وكانت الحكومة السورية تسمح بحصص لغة سريانية في المدارس الخاصة بهم، إلا أن ناشطين سريان يقولون إن تلك الحصص كانت تقتصر على تعليم الصلوات ولممارسة الطقوس الدينية في الكنائس.

 

وبدأت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بإعداد وتدريس مناهج دراسية باللغات العربية والكردية والسريانية، حيث أشرفت مؤسسة "أولف تاو" التي تأسست في العام 2016 على إعداد منهاج دراسي أكاديمي وتدريب معلمين للغة السريانية، إلا أن بعض الخلافات ومن بينها السياسية أثر على انتشار المنهاج وتعلم اللغة بشكل رسمي بين جميع السكان.

 

ومن جانبه، يقول أفرام إسحاق (49 عاماً)، وهو سرياني من سكان ديريك، لـ"نورث برس": "السريان الذين سكنوا ديريك بعد مجازر السيفو هاجروا من قرية آزخ وعين ورد، حيث كانوا يتحدثون في قراهم اللغة العربية، بينما نسبة قليلة من السريان الذين سكنوا منطقة ديريك كانوا يتحدثون السريانية في قراهم الأصلية وحافظوا عليها هنا".

 

ويردف : "في تلك الحقبة لم تنشأ أي مؤسسة تهتم باللغة السريانية لذلك لم يكن هناك اهتمام بتعلم اللغة، لكن بحلول عام 1935 بدأت المدارس الخاصة التابعة للكنيسة السريانية تنتشر في المنطقة وتقدم حصصاً خاصة لتعليم السريانية ضمن المناهج المتبعة في المدارس، لكن لم تكن لغة محكية بل عملت المدارس على تعليم اللغة الطقسية والصلوات".

 

ويقول"إسحاق" إن السريان في ديريك يشعرون في الوقت الحالي بأنهم يفقدون شيئاً أصيلاً، يربطهم بأرضهم، ويخسرون لغة من اللغات السامية على وجه الأرض، لذا بدؤوا بالتحدث بها في ظل تأسيس الجمعية الثقافية السريانية التي تنشر اللغة السريانية المحكية عبر ندوات ثقافية، والآن بعد تأسيس منظمة "أولف تاو" بدأ تدريس اللغة السريانية المحكية في المدارس، "أتمنى أن يأتي جيل بعدنا يحافظ على لغته الأصيلة وينقلها لأجيالٍ بعده".

 

وقالت جانيت يوسف (45 عاماً)، التي تنحدر من مدينة ديريك، إنها لم تكن تتقن اللغة السريانية المحكية سابقاً، لكنها تعلمتها بعد أن تزوجت وسكنت القامشلي، وأصبحت تتقنها بعد اختلاطها بجاراتها في القامشلي.

وأضافت: "يوسف"، التي هي أم لثلاثة صبيان وفتاتين الآن، إنها علمت أولادها لغتهم، وتحاول الآن جعل أهلها في ديريك يعودون للتحدث بها.

 

"في ديريك هناك أشخاص قلة يتكلمون السريانية، أما هنا السريان جميعهم يتحدثون السريانية، واستطعت أن أنقل هذه اللغة لأولادي لكي يتقنوها بشكل أفضل في المدارس وليكونوا على دراية بلغتهم الأم التي حرمنا منها ونحن صغار".

 

"أولف تاو"

 

وقال جالينوس عيسى، الرئيس المشارك لمؤسسة "أولف تاو"، وهي مؤسسة معنية بنشر اللغة السريانية، إن اللغة المنتشرة في مدارس مدينة ديريك هي لغة طقسية من منهاج "قره باشي" وكانت الحصة السريانية توضع في الوقت الأخير من الدوام الرسمي للمدرسة، والحكومة السورية كانت تمنع تداول أي لغة غير العربية في المدن.

 

وأضاف: "في القامشلي وتربسبيه انتشرت اللغة السريانية بشكل كبير بسبب النشاطات الثقافية السريانية التي كانت ولا تزال قائمة مثل مهرجان الأغنية السريانية ومهرجان اللغة السريانية، والاهتمام الكبير الذي لاقته من قبل السكان، حيث أن معظم الأساقفة خرجوا من مدينة القامشلي نحو خدمة الكنيسة في العالم أجمع".

 

وتعمل مؤسسة "أولف تاو" منذ أربع سنوات على تخريج معلمات لتعليم اللغة السريانية في المدارس، حيث تخرجت حتى الآن /15/ معلمة تتقنّ اللغة السريانية قراءةً وكتابةً، وتدرسن في مدارس الإدارة الذاتية، بالإضافة لمعلمات تُدرسن السريانية ضمن منهاج "قره باشي" في المدارس الخاصة التابعة للكنائس.

 

ويتابع "عيسى"، "نقوم حالياً بتعليم ما يقارب 70 طفلاً من مناطق الجزيرة السورية قواعد اللغة السريانية عبر دروس أونلاين في ظل إجراءات منع تفشي فيروس كورونا، كذلك يتحدث المدرس باللغة المحكية ويحاول الطالب الرد باللغة نفسها أيضاً، وبهذا الإجراء يتعلم الطالب اللغة السريانية الفصحى بالإضافة للمحكية".