إدلب – هاديا منصور – نورث برس
على وقع توسع رقعة سيطرة القوات الحكومية على حساب انحسار الجغرافية التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في مناطق إدلب شمال غربي البلاد أصبح الحديث عن مصير هذه المنطقة أكثر إلحاحاً، خصوصاً بعد إكمال القوات الحكومية السيطرة على معظم المناطق جنوب إدلب مؤخراً.
ويتزايد الحديث عن مصير المنطقة بالتزامن مع المستجدات الأخيرة حول سيناريوهات الموقف التركي في إدلب ومدى أهمية نقاط المراقبة التركية الموزعة في المنطقة مع تكثيف أنقرة لقواتها يوماً بعد آخر.
وكانت تركيا قد أنشأت /١٢/ نقطة مراقبة موزعة على الحدود الإدارية للمناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، على خلفية اتفاق "سوتشي" الموقع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في أيلول /سبتمبر عام ٢٠١٨، إلا أن تلك النقاط حوصرت بمعظمها من قبل القوات الحكومية بعد تقدمها الأخير.
ويرى المتحدث الرسمي باسم الهيئة السياسية التي تعرف نفسها بـ"المستقلة" وتنشط في إدلب، محمد سلامة، أن نقاط المراقبة الـ /12/ تختلف عن النقاط التي أنشأتها تركيا مؤخراً.
وقال: "النقاط التي أنشئت بموجب اتفاق سوتشي تنحصر مهامها بمراقبة وقف إطلاق النار وتحديد الجهة التي تخرق هذا الاتفاق ورفع التقارير المستمرة لقياداتها السياسية والعسكرية بعدد الخروقات ومن أي جهة كانت".
وبحسب سلامة فإن هذه النقاط "غير مخولة أبداً بالرد على خروقات النظام. الهيئة السياسية لم تكن تعلم بذلك إلا بعد عدة زيارات لهذه النقاط".
أما فيما يتعلق بالأرتال العسكرية التركية المكثفة التي دخلت الأراضي السورية مؤخراً، يقول السلامة إنها عبارة عن "ثكنات عسكرية مقاتلة توزعت في مناطق مختلفة من إدلب، ومهمتها قتالية وليست رقابية كما النقاط السابقة التي انتهت مهمتها بعد حصار معظمها فلم يعد لها أي هدف أو أهمية" .
ويشير سلامة إلى أن التواجد التركي في المنطقة هو كغيره من الدول الفاعلة في الشأن السوري وهو " لا يخدم في النهاية سوى مصالحه وإن تقاطعت هذه المصالح مع مصالح الشعب السوري في بعض الأحيان".
وكان الجيش التركي قد كثف جهوده لتوسيع حضوره العسكري تحت غطاء جوي روسي، وأقام /٥٦/ نقطة في أربع محافظات شمال سوريا بريف حلب، اللاذقية، حماه، إدلب، كما سيّرت القوات التركية الروسية دورية مشتركة جديدة شمال شرقي سوريا، انطلقت من قرية آشمة بريف كوباني، وجابت قرى واقعة غربها، كما سيرت القوات التركية والروسية دورية مشتركة في ريف الدرباسية انطلاقاً من معبر "شيرك" الحدودي مع تركيا وتجولت في عدد من قرى المنطقة، لتغدو الدورية الأخيرة هي التاسعة والثلاثون منذ توقيع "سوتشي" في ٢٢ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٩، بين بوتين وأردوغان .
وعن سبب انخراط تركيا في الشأن السوري، قال رئيس "تجمع سوريا الثورة"، علي سلطان، لـ "نورث برس"، إن الموقع الجغرافي لسوريا وطول حدودها مع تركيا إضافة لوجود "هاجس" الكرد لديها، دفع تركيا للوقوف بحزم تجاه "القضية" السورية مستعينة بقوى "الثورة" الموالية لها والمتحالفة معها حد "التبعية".
ويضيف السلطان أن مصالح تركيا مرتبطة "بإنشاء منطقة آمنة شمال سوريا" ليكون لها دور مستقبلي في الحل النهائي للوضع السوري، "وما الوجود التركي والحشود الكبيرة إلا لضمانة مكانتها كلاعب مهم للمشاركة برسم ملامح الحكومة السورية المستقبلية".
ويذهب السلطان إلى القول إن وجود النقاط التركية في إدلب لايزال "مخيباً لآمال السوريين"، فعندما دخلت القوات التركية، استبشر الناس خيراً بقناعة لديهم وهي عدم تجاوز القوات الحكومية لهذه النقاط، "ولكن سرعان ما تلاشت هذه القناعة وأصبحت محط سخط وغضب في الأوساط الشعبية حين تفاجأ معظم السكان بأنها لم تكن بمستوى أحلامهم"، وعدم إمكانية "احتلال" أراضيهم من قبل "ميليشيات النظام" وكان أملهم معلقاً بالموقف التركي وأن يكون أكثر حزماً فيما يتعلق بالخروقات بحسب السلطان.
ويقول: "حتى الآن نعيش حالة من الصدمة المشوبة بقليل من الأمل بأن نسترد ما تم احتلاله بمساعدة الأتراك، ونعيش حالة من القلق والترقب وباتت أحلامنا بالعودة إلى حدود هذه النقاط من المحال، والثقة التي بنيت على أساس وقوف الأتراك بوجه النظام تخلخلت".
بدوره يرى الأمين العام "لتجمع العدالة السوري"، محمد نور حميدي، أن طبيعة الاتفاق بين الجانبين التركي والروسي هي عبارة عن اتفاقيات مؤقتة تنظمها "سوتشي" و"أستانة".
ويتوقع الحميدي تراجع القوات الحكومية "فليس لديها خيار آخر"، وتأتي توقعاته من الحشود التركية الضخمة التي دخلت وتأكيد الأتراك والروس وحتى الأمريكان على جدية تطبيق الاتفاقيات المبرمة.
من جهة أخرى يرجح فؤاد الشامي، وهو محلل سياسي ويعيش في إدلب، أن سر تكثيف التواجد العسكري التركي في إدلب هو العمل على "جعل الفصائل العسكرية المسيطرة على إدلب تلتزم بسياسة تركيا وتنضوي تحت رايتها".
ويقول: "أنقرة التي تعاملت بتساهل مع الرافضين لدخول القوات الروسية المشاركة في تسيير الدوريات، جددت التزاماتها في الاتفاق مع روسيا بالقضاء على ما وصفته بالجماعات الإرهابية". ومع ذلك فإن خطة تحويل الجماعات المسلحة إلى جيش منظم يشمل بعض الفصائل بما فيها "هيئة تحرير الشام هو ما ترسمه تركيا" بحسب الشامي.
وفي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تزايداً في الحشود العسكرية وتسيير دوريات مشتركة تنفيذاً لاتفاقيات روسية – تركية غير واضحة المعالم في إدلب السورية، ترنو آمال المدنيين نحو حل دولي يحقق طموحاتهم بعودتهم إلى ديارهم وإنهاء مآسيهم التي أنهكتهم على مدى سنوات من الحرب الدامية.