أوبئة من ذاكرة المنطقة .. روايات لكبار السن من الرقة ومنبج وعفرين

مصطفى الخليل/ صدام الحسن/ دجلة خليل – نورث برس

 

أعاد تفشي جائحة "كورونا" في العالم، إلى أذهان مسنين في الرقة ومنبج وريف حلب الشمالي، ذكرياتهم عن انتشار أوبئة وجوائح انتشرت في سوريا منتصف القرن الماضي، كأمراض الجدري والكوليرا والحصبة والسعال الديكي، فتحدثوا لـ"نورث برس" عن كيفية تعامل سكان المنطقة مع تلك الجوائح آنذاك.

 

الكوليرا

 

تتذكر فيدان موسى (79عاماً)، وهي مهجرة من قرية معملو التابعة لناحية ماباتا في منطقة عفرين، فقدان أربعة أشخاص في منطقتها لحياتهم جراء إصابتهم بداء الكوليرا قبل نحو /45/ عاماً.

  

وتشير "موسى" إلى أن المصابين بالكوليرا كانوا يعانون من آلام وإسهال حاد، في ظل عدم توفر أطباء ولا سيارات، كما هو الحال الآن.

 

"كنا نبتعد عن الشخص المصاب ولم نكن نسمح لأولادنا بزيارة منزل العائلة المصابة بالكوليرا خوفاً من العدوى".

 

وتابعت المهجرة في حديثها لـ"نورث برس" التي تقضي فترة الحظر في ريف حلب الشمالي، "فيروس كورونا يذكرني بتلك الأيام، فحينها كنا نلتزم المنازل أيضاً ولا نقترب من الشخص المصاب".

 

ولا تزال الكوليرا تؤثر بشكل كبير على السكان في البلدان النامية، وخاصة في البلدان الأفريقية، كما ساهمت الحرب المستمرة في اليمن منذ سنوات وقبلها في العراق في عودة المرض وتسجيل المئات من الحالات، مع وفاة عدد من المصابين نتيجة غياب العلاج والعناية الطبية.

 

الجدري

 

 ويعود السبعيني خلف الحمدان، وهو من سكان ريف منبج، بذاكرته إلى بدايات العام 1965، حيث كان شاهداً على انتشار الجدري في منطقته آنذاك، "مات الكثير من الناس في تلك الفترة بسبب انتشاره".

 

ويشير إلى أن الناس كانوا يلجؤون إلى عزل المصاب في غرفة ويضعون له الطعام والشراب من مسافة بعيدة، "لم يكن هناك علاج حينها، وقد نجا عدد قليل من المصابين، بينما بقيت الندوب في وجوه من تماثلوا للشفاء".

 

 وينوه الحمدان إلى أن بعض الناس لجؤوا إلى استخدام الأعشاب الطبيعية لعلاج الجدري، "هناك من تعافى من الجدري رغم عدم تداويهم، وهناك من توفي رغم استخدامهم للأعشاب".

 

ويتذكر "الحمدان" أن الناس تناقلت كيف أن العشائر أحياناً كانت تغادر مكان إقامتها عندما يحن وقت الترحال، وتترك المصاب بالجدري خلفها خوفاً من انتقال العدوى، وذلك بعد أن تترك له طعاماً يكفيه لمدة.

 

 ويثق الحمدان اليوم بالإرشادات الصحية العالمية التي تفيد أن الطريقة الوحيدة للوقاية من فيروس "كورونا" المستجد، هي الحجر في المنزل وعدم الاختلاط بالناس.

 

ويُعد الجدري الذي كان 20% من ضحاياه يموتون، أول مرض انتصرت عليه البشرية، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية عام 1980 القضاء عليه تماماً، بعد أن فتك وشوه وسبّب العمى لملايين الضحايا عبر تاريخه الطويل.

 

مصابون ناجون

 

ويروي علي الأحمد الشبلي (93 عاماً)، من سكان قرية كسرة محمد علي، /8/ كم جنوب الرقة، معاناته مع مرض الجدري الذي أُصيب به عندما كان بحدود الخامسة عشرة من العمر (في أربعينيات القرن الماضي)، في أوضاع صحية متردية، وخدمات طبية معدومة، "فلا أطباء ولا مشاف ولا أدوية تُوصف لمريض الجدري الذي يُترك لوحده يصارع أوجاعه دون تدخل أحد".

 

ويشدد الرجل التسعيني، الذي خلف المرض ندوباً على وجهه، أن البشر لا يستطيعون فهم الجوائح ولا إيجاد العلاجات المضمونة لها، "الله وحده هو الذي شفاني"، بحسب تعبيره.

 

 ولم يكن هو المصاب الوحيد بل أصيب سبعة أطفال آخرين في القرية، توفي منهم خمسة وشفي هو واثنان آخران، حسب ما يقول الشبلي.

 

ويردد الشبلي أبيات شعر تتحدث عن معاناة المصابين بالجدري، ويقول إنها للشاعر العربي عبدالله الفاضل، الذي تركه أبناء قبيلته في البادية السورية بعد إصابته بالمرض، ويتابع "بالرغم من المكانة الرفيعة التي كان يحظى بها الشاعر عبدالله الفاضل، إلا أن أبناء قبيلته تركوه وحده، ورحلوا بعيداً عنه خوفاً من العدوى".

 

وتزوج الشبلي من امرأتين توفيتا في السنوات الأخيرة، ويبلغ عدد أبنائه وأحفاده أكثر من /100/ شخص، حسب أحد أحفاده.

 

علاجات بدائية

 

ويتذكر إبراهيم العبدالله الخلف /98/ عاماً، وهو من قرية كسرة محمد علي أيضاً، عدداً من الأوبئة التي شهد انتشارها خلال حياته، كالحصبة، والجدري، والحمى، والسعال الديكي.

 

فالحصبة مثلاً كانت من الأمراض المنتشرة في أرياف الرقة والجزيرة بشكل واسع في بداية أربعينات القرن الماضي، بحسب قوله.

 

ويعدد الخلف طرقاً كانت الناس تتبعها قديماً للتصدي للأمراض والجوائح، منها أن البعض كان يتردد على شيوخٍ للدين، من أجل الحصول على تمائم كي يضعها المريض في الماء ويشربها، فيما كان آخرون يضعون خيطاً بمعصم المريض.

 

ويؤكد الخلف أن كل تلك الطرق كانت من دون جدوى، "لا تشفي المريض، ولا يستفيد منها شيئاً".

 

 ويشير الخلف إلى انتشار مرض السعال الديكي الذي كان معروفاً على المستوى الشعبي بمرض "العواية"، وكيف أنه ترافق مع انتشار طرق بدائية للعلاج بين من كانوا يصابون به قديماً، نتيجة قلة الأطباء والمشافي.

 

ومن هذه الطرق البدائية التي كانت تتبع على أمل العلاج، "إعطاء حليب أنثى الحمار (الأتان) أو لحم الثعلب للمصابين، الذي كان الغجر يحضرونه من البادية، لقاء مبالغ مادية يحصلون عليها من أهل المريض".

 

وتقدر منظمة الصحة العالمية أن التطعيم العالمي للوقاية من الإصابة بالسعال الديكي، ساهم في عام 2008 بإنقاذ /687/ ألف شخص من الوفاة بسبب المرض.

 

وكانت الرقة التي لا تزال قرية كبيرة تفتقر آنذاك إلى الأطباء، ما كان يجبر ميسوري الحال من سكانها على السفر إلى مدينة حلب طلباً للعلاج.