القامشلي – عبدالحليم سليمان – نورث برس
ينتظر علي بشو (55عاماً)، وهو مزارع من بلدة الدرباسية، شمال شرقي سوريا، منذ أيام، أن تنتهي عملية إصلاح مضخته المعطلة، وذلك بعد دفعه مبلغ /200 ألف/ ليرة سورية (ما يعادل 150 دولار أمريكي تقريباً) تكلفةً لإخراجها ونقلها إلى إحدى ورشات الخراطة في البلدة، ناهيك عن ما سيدفعه لاحقاً من تكاليف لقاء تصليحها وإعادتها للعمل من أجل متابعة سقاية أرضه التي زرعها بالقمح هذا العام.
لكن مصاريف زراعة القمح وحصاده لا تتوقف عند إصلاح مضخة معطلة، بل إن فترة السقاية التي تطول لأشهر تحتاج لاستهلاك دائم للمحروقات، لا سيما الزيت المعدني الذي ارتفع سعره إلى أكثر من الضعف عن ما كان عليه في السنة الماضية، وذلك من جراء تدهور قيمة الليرة السورية، بحسب بشو ومزارعين آخرين من المنطقة.
تكاليف مرتفعة
وتعتمد نسبة كبيرة من سكان منطقة الجزيرة، شمال شرقي سوريا، في معيشتهم على زراعة مساحات واسعة من القمح والشعير في كلّ عام، لكن تدهور الواقع الاقتصادي وكذلك ارتفاع التكاليف الزراعية وعدم الرضى عن تسعيرة المحصول التي حددتها الإدارة الذاتية خلق حالة من الاستياء لدى المزارعين لدرجة الحكم بأن الزراعة باتت "عملية خاسرة".
ويقول بشو، المنحدر من قرية "حنو" جنوب بلدة الدرباسية/25/ كم، إن "أسعار السماد ارتفعت هذا العام إلى /400/ دولار أمريكي للطن الواحد وكذلك المبيدات الزراعية عدا عن إصلاح الآليات الزراعية وثمن البذار وأجور حراثة الأرض، وكذلك مصاريف الحصاد وشراء الأكياس ونقل القمح إلى مراكز التخزين."
تسعيرة الإدارة
وحددت الإدارة الذاتية سعر شراء القمح في موسم هذا العام بـ/225/ ليرة سورية للكيلو الواحد، بينما يرى المزارع بشو أن هذا السعر قليل جداً مقارنة مع الارتفاع في سعر صرف الدولار الذي تحتسب به المستلزمات وما كان عليه سعر الشراء في العام الماضي عندما كان بـ/165/ليرة سورية، ويضيف " في حال بلغ نسبة انتاج محصوله /30/ كيساً للهكتار الواحد فإنه بالكاد يبلغ حدّ الاستفادة".
وقال الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا سلمان بارودو، لـ"نورث برس"، إنهم وجهوا المديريات و اللجان الزراعة في كافة مناطق الإدارة الذاتية لعقد اجتماعات مشتركة مع المزارعين والمعنيين بغية إعداد دراسات لتكلفة الدونم الواحد من القمح.
وأضاف "بارودو" أنهم حددوا تسعيرة القمح بـ/225/ ليرة سورية بحضور الرؤساء المشاركين في اتحادات الفلاحين وهيئة المالية وشركة تطوير المجتمع الزراعي والرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي و النواب.
وأشار إلى أن "تحديد تسعيرة القمح مرتبط بسعر التكلفة وليس بسعر الدولار" منذ بداية الموسم الزراعي الذي يبدأ في تشرين الأول/ أكتوبر وحتى موعد حصاده، فسعر الدولار مع بداية بدء الموسم الزراعي لم يكن مرتفعاً كما هو الآن".
وأوضح الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة أنهم "لا يشترون المحصول من المزارعين بهدف المتاجرة والتصدير، بينما يحتفظون به في مخازنهم لصناعة البذار للمواسم القادمة وكذلك لإنتاج مادة الدقيق للأفران العاملة في المنطقة".
مردود ضئيل
ومن جانب آخر، يرى المزارع سند داوود عمر (38عاماً)، أن "العملية الزراعية باتت خاسرة ولو احتفظ بنقوده من الدولار التي دفعها لتأمين مستلزمات زراعة القمح، لتحولت إلى ضعف ما كانت عليه بالليرة السورية"، ناهيك عن سعر القمح غير المكافئ لقيمته في العام الماضي.
وأضاف عمر، الذي يدير زراعة عشرة هكتارات في قرية تل شعير //20 كم شرق القامشلي، إن "الإنتاج حالياً لصالح الإدارة الذاتية فقط إذا أخذنا بالاعتبار سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية"، بينما يرى أنه كان من الواجب أن تبلغ تسعيرة القمح /360/ ليرة سورية للكيلو الواحد تماشياً مع قيمته العام الماضي، حيث كانت قيمة الدولار الواحد حينها تعادل /600/ ليرة سورية، بينما تخطت هذه الأيام /1400/ ليرة سورية بحسب محلات لصرافة العملات في القامشلي.
ويقدر خليل حسن وهو مهندس زراعي من مدينة القامشلي، تكلفة الهكتار الواحد من زراعة القمح البعلي بـ/153 ألف/ ليرة سورية، ويشير إلى أن "الإدارة الذاتية لو حددت تسعيرة القمح بما يقارب /270/ ليرة سورية لكان عاملاً مساعداً في تحسين مستوى مردود المزارع، حيث يبلغ سعر الطن الواحد للقمح في الأسواق العالمية /200/ دولار.
وينوه حسن إلى ازدياد مصاريف موسم هذا العام، بسبب استهلاك كميات أكبر من السماد و المبيدات الزراعية مقارنةً بالعام الماضي حيث لم يكن المناخ مساعداً لاستخدامها بالشكل المطلوب فيما يبقى سعر هذه المواد ثابتاً بالدولار في الأسواق.
وتسبب ارتفاع تكاليف زراعة القمح الذي يعتبر أحد المحاصيل الاستراتيجية في سوريا، خلال سنوات الأزمة وغياب الدعم للمزارعين في مناطق الجزيرة السورية إلى توجه غالبيتهم، وخاصة في مناطق خط العشرة ذات المعدلات العالية للأمطار والمحاذية للحدود التركية، إلى تفضيل زراعة المحاصيل العطرية والطبية كالكمون والكزبرة والسمسم.