شكاوى من سوء إدارة تركيا لأزمة "كورونا" شمالي سوريا.. ومحلل سياسي يتوقع الأسوأ
اسطنبول ـ نورث برس
تناقض واضح فيما يتعلق بتعامل تركيا مع أزمة "كورونا" في الشمال السوري، مقارنة بما تتعامل معها داخل أراضيها ومع الدول الأخرى.
ففي حين تتعالى الأصوات داخل الشمال السوري مطالبة تركيا بمدها بكمامات وقفازات ومواد أخرى للوقاية من فيروس "كورونا"، تتوجه طائراتها إلى إسرائيل ودول أوروبية أخرى لتقديم تلك المواد لها.
منظمات مقصرة
وقال الناشط الميداني "أبو عمر الحلبي" من مدينة أعزاز ويتنقل في أكثر من منطقة بالشمال السوري لـ "نورث برس"، إن "المنظمات الإغاثية مقصرة بشكل كبير جداً في هذا الموضوع، خاصة وأن المنطقة تعاني بشكل كبير جدا من نقص حاد بالمواد الطبية الخاصة بكورونا، قياسا بإرسال المساعدات التركية إلى دول ثانية".
واشتكى بعض السكان في مناطق الشمال السوري من تقاعس تركيا في مد يد العون لهم في ظل هذه الجائحة، ومدهم بالكمامات واللوازم الطبية الأخرى الخاصة بفيروس "كورونا".
ومع وصول تلك الأصوات إلى الجانب التركي إلا أنه لم يتم حتى الآن تحريك أي ساكن، علما المنظمات الإغاثية التركية مثل هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (…)، دقت ناقوس الخطر محذرة من كارثة إنسانية في حال انتشر وباء "كورونا" في الشمال السوري وخاصة في المخيمات، كون المنطقة تعاني من واقع صحي متردي.
ورغم أن هيئة الإغاثة التركية ادعت أنها "وزعت كمامات تصنعها مراكز الخياطة التابعة لها على السوريين بشكل مجاني، إلى جانب توزيع المعقمات، ومستلزمات التنظيف كالصابون والكولونيا والشامبو، في المخيمات"، إلا أن هذا الأمر نفاه ناشطون ومصادر محلية ومنهم "أبو عمر الحلبي".
المخيمات أكثر تضرراً
كما أن الناشط الإغاثي "مختار الإدلبي" العامل في الشمال السوري، قال لـ"نورث برس"، إن "المخيمات هي أكثر منطقة مؤهلة لانتشار الفيروس بسرعة كبيرة جدا، بسبب ضعف الخدمات الإنسانية المقدمة وخاصة المياه، ناهيك عن سوء شبكات الصرف الصحي والنظافة".
وأضاف "الإدلبي" أن "هناك حملات توعية للأسف غير مكتملة (في إشارة إلى الحملات التي بدأتها المنظمات التركية في الشمال السوري في شهر آذار/مارس الماضي)، ومن غير المقبول توزيع بروشورات دون أن تكون مرفقة بكمامات أو قفازات للوقاية من الفيروس".
ناقوس الخطر
وفي وقت تدق فيه أيضا تركيا ناقوس الخطر من الخوف من تفشي الفيروس في الشمال السوري عموما، إلا أنها لا تسمح لغير المنظمات التابعة لها بالعمل هناك، وهذا الأمر اشتكت منه منظمة "أطباء بلا حدود/ سوريا".
وذكرت المنظمة في بيان اطلعت "نورث برس" على نسخة منه من عدم سماح تركيا لها بالوصول للشمال السوري.
وذكرت في البيان أن "على مدى الأشهر والسنوات الماضية، سلّطت منظّمة أطباء بلا حدود الضوء مرارًا على الوضع الحرج في شمال غربي سوريا، وأيضًا على القيود التي نواجهها نحن والجهات الفاعلة الطبية الأخرى في سعينا للاستجابة بشكل كافٍ للاحتياجات وتقديم علاج مناسب للمرضى".
وتابعت "اليوم، نواجه مصاعب كثيرة من أجل إيصال الإمدادات والموارد البشرية إلى شمال غربي سوريا، وهذا يعرقل بشكل كبير قدرتنا على زيادة حجم استجابتنا. نحن ننسّق مع الجهات الفاعلة الأخرى على الأرض، لكن العديد منهم يواجهون تحديات مماثلة. ولكن في المقابل، وفي تنفيذنا لأنشطتنا، تتأكّد لنا باستمرار الحاجة الملّحة للمساعدة الطبية، وخاصة في ظل هذه الجائحة".
وأضاف البيان أنه "نحن نعمل جميعًا قدر الإمكان بكل ما أوتينا من وسائل في ظل السياق الذي نحتاج إلى التأقلم معه، لكن عدم القدرة على زيادة حجم أنشطتنا في إدلب وتقديم المزيد من المساعدة في مواجهة هذه الحالة الصحية الطارئة يشكّل مصدر قلق يساورنا يوميًا ويمكن أن يكون له عواقب وخيمة، على هذا نجدّد نداءاتنا للسلطات التركية المعنية لتسهيل العبور العاجل للإمدادات الأساسية والموظفين إلى شمال غربي سوريا للسماح بتوسيع نطاق استجابتنا الإنسانية والطبية في المنطقة".
لكن هذه الدعوات لم تلق أي آذاناً صاغية، بل على العكس تحاول تركيا الضغط على المجتمع الدولي ليقدم هو المساعدات لنحو /4/ ملايين سوري في منطقة إدلب، ومثلهم أضعاف في عموم حلب وأريافها، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو.
حيث طالب الوزير التركي المجتمعَ الدولي بالتحرك سريعاً لمواجهة الفيروس في محافظة إدلب التي تعاني من نقص في المعدات الطبية اللازمة لمواجهة المرض، وقال إنه "يجب على المجتمع الدولي التحرك سريعًا لمواجهة تفاقمِ الوضع في إدلب بسبب كورونا"، بحسب وسائل إعلام تركية رسمية.
ويطرح وباء "كورونا" في حال تفشى في عموم الشمال السوري عدة تساؤلات عن الموقف التركي هناك حينها، خاصة وأن جنودها الأتراك ومنظماتها تتواجد في تلك المنطقة، وما إذا كانت ستعمل على سحبها من هناك أم لا؟ وما هي تبعات هذا الأمر في حال حدوث ذلك؟ وما هو موقف المدنيين وفصائل المعارضة الموالية لتركيا حينها؟، بحسب مراقبين للوضع.
خشية الانتشار
وحول ذلك قال الصحفي والمحلل السياسي "ماجد الخطيب" (من محافظة حلب ومقيم في فرنسا) لـ"نورث برس"، إنه "ليس فقط المنظمات العاملة في الشأن الإنساني تخشى من انتشار كورونا في الشمال، بل كذلك أيضا الحكومة التركية تخشى على جنودها المتواجدين في الأراضي السورية من إصابتهم بهذا الوباء لأسباب عديدة، منها أن الداخل السوري لا يملك أجهزة طبية كاشفة عن وجود الفيروس ولا معدات أو مستشفيات مخصصة لمعالجة المصابين بهذا الفيروس".
الأمر الثاني، حسب "الخطيب"، يتعلق بتخوف الحكومة التركية من حدوث حالات وفاة لجنودها أو ضباطها، وهذا سيزيد من احتقان الشارع التركي الذي يعاني أصلا بسبب سياسة أردوغان الخاطئة في تعامله مع الملف السوري واستثماره له بطريقة غير أخلاقية ولو كانت على جماجم السوريين ومعاناتهم، وباختصار هذه المنظمات لا تريد توابيت محملة بجنود أتراك ومغطاة بالعلم الأحمر".
وتحاول وزارة الدفاع التركية تشديد الإجراءات الوقائية على جنودها في الأراضي التركية، من دون التطرق لتلك التدابير التي تخص جنودها في الشمال السوري، ووسط إجلاء تركيا لمواطنيها من عدد من الدول العربية والغربية بسبب "كورونا"، يتساءل مراقبون عن إمكانية إقدامها على تلك الخطوة وسحب جنودها من الشمال السوري خوفا عليهم من الوباء حال تسلل إلى هناك.
احتمالات تركيا
وفي هذا الصدد رأى "الخطيب" أن "الأمر مفتوح على الاحتمالات جميعها، وربما يقرر أردوغان تسريع ملف إدلب وتسليم هذه المناطق للنظام السوري من خلال روسيا، وبالتالي يسحب جنوده من الداخل السوري بحجة الحفاظ على أرواح الجنود الأتراك، وبأن حياة أي تركي تأتي بالمقدمة وما إلى ذلك من خطابات شعبوية عنترية يجيدها آردوغان ببراعة".
وتابع قائلا "أما الاحتمال الآخر هو أن يبقي أردوغان على جنوده في الداخل وتبدأ الحكومة التركية بجلب المعدات والأجهزة الطبية حيث تواجد تلك القوات وتقوم الطواقم الطبية بمحاولة محاصرة هذا الوباء، وبتقديري هذا الأمر سيخضع لمبدأ التفاهمات بين التركي والروسي".
وبما أن شرارة الشكاوى بدأت تنطلق من الحاضنة الشعبية لتركيا في الشمال السوري من بوابة مساعدات "كورونا"، فمن الممكن أنه في حال قررت تركيا سحب جنودها أن تزيد من حالة الاحتقان لديهم وتتغير نظرتهم تجاه الحليف التركي، في حين يتساءل مراقبون عن موقف فصائل المعارضة من كل تلك المعمعة وخاصة مسألة سحب تركيا لقواتها في حال انتشر كورونا؟.
وضع الفصائل
وفيما يخص ذلك قال "الخطيب"، إن "فصائل المعارضة المسلحة هم فصائل مرتزقة ومأجورة، وهي بالتالي لا تملك قرارها ولا تجرؤ حتى على التذمر، على العكس تماما سنشاهد في حال حدث الانسحاب عبارات تطبيل وتكريم وشكر لما قدمه آردوغان وجنوده في سوريا".
ووسط الصمت التركي عن مساعدة الشمال السوري بمواد خاصة للوقاية من فيروس "كورونا، تحاول بعض الجهات المحلية إنتاج وتصنيع كمامات بعيدة كل البعد عن أدنى المواصفات الصحية المطلوبة، إلا أن الخزان البشري الكبير في منطقة إدلب وفي عموم الشمال السوري يجعل أي مبادرة ما لم تكن مدعومة من منظمات كبيرة ودول تبوء بالفشل، الأمر الذي سيدفع ثمنه في النهاية المدنيون النازحون القاطنون في المخيمات التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة المعيشية والصحية.