هوشنك حسن – نورث برس
لم تغير جائحة كورونا، والتي باتت أعداد ضحاياها تقترب من المائة ألف حول العالم، آمال معظم مهجري منطقة رأس العين/سري كانيه وريفها والذي يعيش أكثر من 10 آلاف منهم في مخيم "واشوكاني"، /12/ كم غرب مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، لتبقى أعينهم تترقب فرصة العودة أكثر من أي شيء آخر.
لكن وبالتزامن مع الوضع القائم لا تزال تركيا وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها تستمر في قصف قرى وبلدات ريف سري كانيه/ رأس العين الجنوبي وقرى بلدتي تل تمر و زركان/ أبو رأسين بشكل به يومي، وهو ما يواصل نزوح السكان نحو المخيم ومناطق أخرى بعيدة عن خطوط التماس.
هاجس العودة
وخارج المركز الصحي في مخيم واشوكاني، يجلس رعد العمر، وهو مهجر من قرية العريشة، حوالي 12كم شمال بلدة تل تمر، على دراجته النارية التي لا يملك غيرها حاملاً طفلته ذات الأشهر السبعة، وينتظر زوجته التي دخلت المركز، علها تحصل لطفلتهما على دواء سعال لم يحالفهما الحظ يوم أمس في الحصول عليه.
وفي حديث لنورث برس يقلل العمر من خطورة فيروس كورونا، ويرى أن الإجراءات الاحترازية اليومية والتقيد بالتعليمات الصحية كافية للوقاية منه.
لكنه أضاف، " ما يخيفني أكثر من كورونا الآن، هو هاجس عدم قدرتنا على العودة إلى منازلنا مرة أخرى".
ويخشى الكثير من نازحي مخيم "واشوكاني" أن تساهم أزمة جائحة كورونا على مستوى العالم والمخاوف المحلية منها أيضاً في نسيان قضيتهم، وتأخر عودتهم إلى منازلهم وقراهم، بعد أن باتت تحت سيطرة تركيا والفصائل السورية الموالية لها.
وكانت قرية العريشة من ضمن القرى والبلدات التي وقعت تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة التابعة لتركيا، بعد العملية العسكرية التي بدأتها تركيا في شمالي سوريا في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنصرم.
ويتخوف "العمر"، حالياً، من عمليات انتقامية قد يقوم بها مسلحون من "فصائل الجيش الوطني"، التابع لتركيا، والذين لا يتوانون عن ارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين بشكل يومي في القرى، لا سيما بحق من لهم أقارب ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية.
و تتوافد غالبية المهجرين من رأس العين/ سري كانيه وريفها، ممن لا يستطيعون تأمين مأوى لعائلاتهم في المدن أو الأرياف المجاورة، إلى مخيم "واشوكاني" الذي أنشأته الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنصرم.
وتؤكد إدارة المخيم أن عدم قدرتها على استقبال عوائل جديدة، أجبرها على تحويل الوافدين الجدد إلى مخيم "نوروز" بريف مدينة ديريك، أقصى شمال شرقي سوريا .
وأدى استمرار استهداف القرى والبلدات من قبل الجيش التركي والفصائل التابعة له إلى استمرار ارتفاع عدد المقيمين في المخيم إلى/ 11.919/ شخصاً موزعين على/ 1608/ خيامٍ، رغم أنه أنشأ لاستيعاب ثمانية آلاف شخص فقط.
كورونا يخيف الإدارة
وعلى أبواب المركز الصحي في المخيم، تقوم موظفة من الهلال الأحمر الكردي بقياس درجة حرارة جميع مراجعيه، بينما قامت إدارته في الداخل بإبعاد الكراسي عن بعضها لمسافة تصل إلى مترين، هي "مسافة أمان"، كما يصفها محجوب حسو، الإداري في المركز.
وأضاف حسو، لـ"نورث برس" : "قمنا بتجهيز خيمة كمكان لعزل مشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا"، مؤكداً عدم وجود تلك الحالات في المخيم حتى الآن.
وكانت فرق طبية تابعة لهيئة الصحة في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، قد باشرت الأربعاء الماضي، بتعقيم أماكن تجمع المهجرين ضمن المخيم كمرحلة ثانية من التعقيم، كما أوضحه الطبيب عبدالعزيز معو، الناطق الرسمي باسم لجنة الصحة الخاصة بمكافحة كورونا.
وأضاف الطبيب، لـ"نورث برس"، أنهم باشروا منذ فترة طويلة بالإجراءات الاحترازية ضد الفيروس، حيث شملت توعية العاملين، والنازحين و إدارة المخيم بمخاطر الفيروس وطرق الوقاية منه، إضافة إلى تخصيص مكان للعزل الصحي للمشتبهين ومثله للمصابين في حال وجودهم.
قرى خط النار
لكن الخوف من العودة لا ينتاب رعد فقط، بل إن أم إبراهيم، كما عرفت عن نفسها عندما كانت جالسة مع أولادها أمام خيمتها، وهي مهجرة من قرية الدردارة، 6 كم شمال شرقي تل تمر، تتحدث عن صعوبة إمكانية العودة، ورغم أن القرية لا تقع تحت سيطرة الفصائل لكنها تتعرض بشكل شبه يومي للقصف.
"هناك قصف شبه يومي، فحتى المتواجدين في القرية يضطرون للخروج والعودة بعد أيام، إذا لا يمكن الاستقرار فيها نتيجة القصف المستمر"
وقال صالح الخليل، وهو مهجر آخر في مخيم "واشوكاني" من قرية المناجير، 20 كم جنوب شرق رأس العين/ سري كانيه، إن مسلحي الفصائل سرقوا ممتلكات منزله جميعها، " حتى أسلاك الكهرباء، سحبوها من الجدران وسرقوها".
أما عبد الخالق الرعد، المهجر من قرية الريحانية، /8 / كم شمال غرب تل تمر، فيذكر أن قريته الواقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة التابعة لتركيا خالية الآن من جميع سكانها، ذلك أن "تركيا لا تسمح لمن يرغب بالعودة، بعد أن حولتها إلى نقطة تمركز لقواتها".
وقالت ستيرا رشك، وهي إدارية في المخيم، إن استمرار توافد المهجرين نتيجة استمرار العمليات العسكرية، دفعتهم إلى نصب عدد من الخيم العشوائية داخل المخيم، والتي لا تساعدهم المنظمات الإغاثية الدولية في توفير مستلزمات ساكنيها، " نتيجة ضغط الحكومة السورية عليهم"، بحسب قولها.
وبحسب هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل، التابعة لـ "الإدارة الذاتية" فإن العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا أدت إلى نزوح حوالي /300/ ألف شخص من منطقتي رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض.