سوريات في المهجر يجدن في الحجر المنزلي فرصة لتوثيق العلاقات مع الأبناء
روان جومي – نورث برس
أتاح الحجر الصحي المنزلي، بعد تفشي وباء كورونا، لأمهات سوريات في أوروبا ودول عربية قضاء وقتهن مع العائلة والأبناء، إذ يجدنه فرصة لتوثيق العلاقة مع أولادهن، ومحاولة لترسيخ صلتهم مع بلدهم الأم سوريا.
واتخذت دول عديدة تفشى فيها الوباء إجراءات صارمة في محاولة لاحتواء الفيروس، أبرزها حظر التجول والحجر الصحي المنزلي والذي تعرّفه منظمة الصحة العالمية بالبقاء في المنزل والابتعاد عن الآخرين والتأكد من غياب أعراض المرض، وهو ما سبب من جانب آخر شللاً شبه كامل لمسالك الحياة اليومية.
فرصة للراحة
وأدى ذلك إلى تغيير نمط حياة ملايين البشر في العالم، وفرض نوعٍ من التباعد الاجتماعي عليهم، نتيجة انعدام الاتصال المباشر بين الأشخاص أثناء فترة الحجر، وذلك من أجل تقليل الإصابة بالفيروس أو انتقال العدوى.
وترى فيدان عثمان، المقيمة في ألمانيا، أن الحجر الصحي المنزلي كان بمثابة فترة راحة لها منذ وصولها إلى هذا البلد قبل خمس سنوات، إذ طالما "رغبت بالمكوث في المنزل" نتيجة التزامها الدائم بدورات التعليم ومن بعدها العمل بإحدى روضات الأطفال بمنطقتها.
وتعيش عثمان مع ابنتيها، في مدينة شفيرين شمالي ألمانيا، وقالت في حديث لنورث برس، "لقد استنزفت طبيعة الحياة في ألمانيا طاقاتنا، لذا أنا مستمتعة بالحجر المنزلي، وأراه فرصة للجلوس مع أفراد عائلتي والتقرّب أكثر من بناتي".
أنشطة منزلية
وضعت منظمة الصحة العالمية مجموعة من التوصيات والنصائح لمواجهة الظروف الطارئة وغير المعتادة، كالتي فرضها انتشار فيروس كورونا، وهي محاولة الحفاظ على روتين قريب من الروتين المعتاد، وتبادل الحماية والدعم والتضامن من خلال عرض وتقديم أرقام هواتفهم إلى الجيران والأشخاص المقرّبين، والاستماع إلى الأطفال والتقرّب من كبار السن، إلى جانب الابتعاد عن المعلومات التي تثير القلق والتوتر.
كما نصحت بعض المراكز الطبية باستغلال الوقت للتفرد بالذات ومنحها قسطاً من الراحة وممارسة الأنشطة المنزلية التي كان الإنسان يتوق لها خلال انشغالاته اليومية العادية.
وترى جيان قره مان، التي تقيم في دبي بالإمارات العربية المتحدة ولديها ابنتان في العاشرة والثامنة من عمرهما، أن فترة الحجر الصحي المنزلي المفروضة في الإمارات منذ الثالث من شهر آذار/مارس الفائت هي فرصة للحصول على الراحة من ضغط العمل خارج المنزل وداخله وفرصة كافية للتواصل مع الأهل في سوريا.
وقالت قره مان، " لم نخرج أنا وبنتاي منذ شهر من المنزل وهي فرصة جيدة كي أقضي وقتاً معهما، وقد وضعت لهما مجموعة من النشاطات لممارستها في المنزل إلى جانب متابعة دروسهن مع المدرسة (أونلاين)".
وتضيف أن هذه الفترة كانت جداً جيدة "لأفتح أذهان بناتي على ثقافة وتراث الكرد، فالحياة والتعليم في الإمارات فرضت على بناتي التواصل باللغة العربية والانكليزية، لكني أصرّ عليهم التحدّث داخل المنزل بلغتهما الأم، وهذه مسؤوليتي، لذا كثّفت لهما في هذه الفترة الدروس الكردية، وتعريفهما بثقافتنا وتراثنا".
لكنها رغم ذلك تقول "أتمنى أن تمر هذه المحنة بسرعة ويتم القضاء على الوباء، لأني أخاف جداً من إصابة بناتي به، لا سيما الصغيرة لأنها تعاني من الربو، فأحرص كثيراً على اتباع الإجراءات والتدابير الوقائية".
علاقات اجتماعية معدومة
ودعت منظمة الصحة العالميّة في 25 آذار/ مارس الفائت رسمياً إلى تغيير مصطلح "التباعد الاجتماعي"، واستبداله بمصطلح "التباعد الجسدي"، بهدف توضيح فكرة مهمة، وهي أنّ البقاء في المنزل لا يعني قطع علاقاتك الاجتماعية مع أصدقائك وعائلتك، بل الابتعاد عنهم فيزيائياً لمنع المرض من الانتشار.
ففي السويد وهي من الدول التي لم تفرض حجراً منزلياً، لكنها وضعت مجموعة إجراءات للحد من انتشار الوباء، كفرض غرامة لاجتماع أكثر من خمسين شخصاً في مكان واحد مع سجن ستة أشهر.
وقالت سمية عيسى، مقيمة في مدينة يافله بالسويد، وهي أم لخمس بنات، "انعدمت العلاقات والزيارات الاجتماعية، رغم أن الحكومة لم تقرر ذلك، بل نحن كسكان ألغينا التواصل مع الآخرين مباشرة والاحتكاك بهم".
وأضافت، "ما يهمني في هذا الحظر أن أعتني ببناتي الخمسة وأسمح لهنّ بالخروج لمدة ساعة في النهار بشرط ألا يختلطن مع أحد، وأصرّ عليهنّ اتباع العادات الصحية والنظافة الشخصية".
أطفال يضجرون
وأوضحت ليلى أحمد، وهي مقيمة في مدينة سيلكابورغ بوسط الدانمارك، و أم لطفلين صبي في الخامسة من عمره وفتاة في الرابعة من العمر، لـ "نورث برس"، أن هذا الإجراء لم يؤثّر عليها كثيراً سوى تعطيل طفليْها عن الذهاب للروضة، وهو ما أثار إزعاج الجيران لكثرة ضجيجهما، وتقول "أحاول التخفيف من ضجتهما إلا أنهما ينزعجن كثيرا ويطلبان الخروج فأخرجهما لمدة ساعة كي يلعبوا تحت أشعة الشمس".
وقالت أيضاً "أحرص كثيراً على الحفاظ على مسافة الأمان مع الآخرن، واتباع قواعد السلامة، ليس خوفاً على نفسي من المرض بقدر خوفي من إصابة طفْليّ به، وهو أمر يصعب عليّ تخيّله إنْ حدث".
وأعلنت الدنمارك، أمس الأربعاء، تعديل قانون الطوارئ في محاولة لمواجهة انتشار العدوى بحيث تحظّر التجمّع لأكثر من شخصين، بعد أن كان القرار يمنع اجتماع لأكثر من عشرة أشخاص، والذي أقرته آنذاك في 17 من آذار/ مارس الفائت على لسان رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن، وإن تجمّع أكثر من ذلك تفرض مخالفة /1500/ كرون على كل شخص أي ما يعادل /200/ يورو.