القامشلي – محمد حبش – نورث برس
قالت قيادات لأحزاب سياسية كردية في سوريا، الخميس، إن الحكومة السورية لم تغير نهجها الرافض حيال الاعتراف بالوجود الكردي على أرضه التاريخية في سوريا بعد، وذلك بمناسبة مرور الذكرى السادسة عشر لـ"انتفاضة 12 آذار".
وشهدت المناطق ذات الغالبية الكردية شمال وشرقي سوريا ومناطق تواجد الكرد في حلب ودمشق عام 2004 م احتجاجات شعبية عارمة، أطلقت عليها فيما بعد "انتفاضة 12 آذار" والتي بدأت شرارتها في القامشلي في اليوم التالي لمباراة كرة قدم جمعت نادي المدينة "الجهاد" ونادي مدينة دير الزور "الفتوة".
"لقنت الجميع درساً"
واعتبر سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، نصر الدين إبراهيم، أن "انتفاضة 12 آذار، نقطة انعطاف كبرى في تاريخ "التحرر القومي للشعب الكردي في سوريا"، حيث انتقل فيه الحراك السياسي الكردي في سوريا من شكله المرتبط بالتنظيمات السياسية ونمطيتها إلى "حالة جماهيرية مهيبة".
وأضاف إبراهيم، في حديث لـ"نورث برس"، "الانتفاضة لقنت الجميع درساً وبعثت برسالة للجميع، كان مفادها أن إرادة الشعب الكردي لم ولن تقهر أمام آلة القمع والاضطهاد القومي ضد الكرد".
وبدأت الأحداث حينما اندلعت اشتباكات بالأيدي بين مشجعين للفريقين بعد رشق أفراد من جمهور نادي الفتوة جمهور "الجهاد" بالحجارة، إلا أن تدخل قوات الأمن السوري واستخدامها الرصاص الحي ضد جماهير الجهاد زاد الأمر سوءاً.
في صباح اليوم التالي الثاني عشر من آذار/مارس، خرج عشرات الآلاف من المحتجين من سكان القامشلي والقرى المحيطة بها، بعد أن توافدوا إلى المدينة لتشييع الضحايا، ثم تطورت الأمور إلى مظاهرات عارمة جابت الشوارع وقابلها عناصر الأمن السوري بالرصاص الحي ودخلت المدرعات إلى الشوارع الرئيسية، وفق شهود عيان وتسجيلات مصورة.
وأسفرت أحداث ذلك اليوم عن مقتل أكثر من ثلاثين شخصاً بالإضافة إلى عشرات الجرحى، لتمتد الاحتجاجات في غضون ساعات إلى معظم مدن وبلدات الجزيرة ومناطق تواجد الكرد في حلب ودمشق، اعتقل الأمن السوري خلالها أكثر من ألفي شخص، وفق تقديرات جهات حقوقية كردية.
وقال غريب حسو، وهو قيادي بارز في حركة المجتمع الديمقراطي، إن "انتفاضة 12 آذار تجاوزت التنظيمات السياسية وكسرت حاجز الخوف من آلة القتل التي استخدمها حزب البعث لسنوات عديدة ضد أبناء الشعب الكردي".
وأضاف "أجبرت الانتفاضة الحكومة السورية على الرضوخ للإرادة الكردية بعد تداول وسائل إعلام عالمية أنباء بطش قوات الأمن السوري بالكرد، الأمر الذي جعل حزب البعث يضطر للاعتراف بالوجود الكردي وإن لم يتجاوز التصريحات الإعلامية".
من جانبه قال عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي في سوريا، فيصل يوسف، إن" الشوفينية لم تترك ساحة إلا وسيّستها ضد الشعب الكردي، حتى في الرياضة أيضاً، فانتفاضة 12 آذار كانت رداً على الممارسات الاستبدادية بحق الشعب الكردي".
واعتبر يوسف أن "احتجاج الشعب في قلب العاصمة دمشق في ذلك الوقت كان يلوح بانطلاق ثورة سورية نوعية، كان المطلب الكردي مطلباً وطنياً لمواجهة الحزب الواحد والنظام الديكتاتوري".
ثورة سورية.. ولكن
ويرى مراقبون للشأن العام أن "الانتفاضة الكردية"، لم تلق مساندة من قوى المعارضة السورية حينها، فأخذت طابعاً قومياً، ما تسبب باستمرار الأجهزة الأمنية باعتقال المحتجين في حملات مداهمات دامت ستة أيام على التوالي.
وتعليقاً على هذه المسألة، قال غريب حسو إنه "لم تكن توجد معارضة حقيقية حينها، فالنظام لم يكن يسمح بذلك، والمعارضة الموجودة كانت لكتل الإخوان المسلمين، وكانت بذهنية حزب البعث نفسها" متهماً إياها بـ"دعم الأجهزة الأمنية لإخماد الانتفاضة عبر اتهام المحتجين بالارتباط بإسرائيل".
وقال نصر الدين إبراهيم إن "الانتفاضة أخذت طابعها القومي لأنها لم تلق المساندة من قوى المعارضة" (…)، "كنا نأمل أن تتسم بالتوازي مع ذلك بصبغة وطنية أيضاً, إلا أن ذلك لم يتحقق لعوامل مختلفة، خصوصاً أن الأجهزة الأمنية حاولت إظهار ما جرى على أنه عملية تخريبية مخطط لها من قبل جهات معادية لسوريا".
من جانبه، قال فيصل يوسف إن "انتفاضة 12 آذار لم تستثمر لتكون انطلاقة ثورة سورية في كافة أرجاء البلاد، وحتى قوى المعارضة تعاملت معها من منطلق قومي للأسف".
وأضاف "لقد كان المطلب الكردي مطلباً وطنياً سورياً وكان من المفترض أن تدعمه قوى المعارضة في ذلك الحين، إلا أنها استفاقت لاحقاً واستفادت من تجربة الشعب الكردي فتشكل تجمع إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي بعد ذلك".
"النظام لم يغير نهجه"
وعلى الرغم من مرور ستة عشر عاماً على تلك الأحداث الدامية وما تلتها من حرب مستمرة منذ 2011، يرى مراقبون وساسة كرد أن حكومة دمشق "لا تزال مستمرة في نهجها القمعي والإنكاري".
ويقول هؤلاء إن "النظام" لم يغير من نهجه تجاه الشعب الكردي وبرز ذلك بعد تصريحات أدلى بها الرئيس السوري بشار الأسد، مؤخراً في مقابلة تلفزيونية مع قناة "روسيا 24" حيث نفى فيها وجود قضية كردية في سوريا واعتبر الكرد "مهاجرين" وغير سوريين.
وقال القيادي في حركة المجتمع الديمقراطي، غريب حسو، إن "الانتفاضة أجبرت الحكومة السورية على الإدلاء ببيان على لسان الرئيس السوري بشار الأسد، كان مفاده أن الشعب الكردي جزء من النسيج السوري، لكنه الآن يقول إن الكرد غير سوريين، هذا غريب، أليس هو الرئيس نفسه!، هذا إنكار بحق الشعب الكردي الذي حافظ على وحدة الأراضي السورية".
وقال نصر الدين إبراهيم، سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي، إن الحكومة السورية، بعد الصدام بين القوات السورية والتركية في إدلب وتوسط روسيا للتقارب بينهما، سارعت إلى إرسال إشارات لتركيا بتلاقيهما في "العداء للكرد, وهي محض إنكار للوجود الكردي" على حد تعبيره.
واتفق القيادي في المجلس الوطني الكردي فيصل يوسف مع ما ذهب إليه سابقاه إزاء استمرار حكومة دمشق في سياسة إنكار الكرد في سوريا.
وزاد "حزب البعث يهدف للتعتيم على وجود قضية كردية في سوريا عبر مشاريع تستهدف وجوده".