منذ عامين.. أربع قرى كردية محاصرة في “مثلث نفوذ الدول” جنوب عفرين
روج موسى – نورث برس
لم يعد بإمكان محمد علي /43/ عاماً التجول بحرية في محيط قريته برج القاص جنوب عفرين، خوفاً من تعرضه للخطف أو للسلب، بعد أن باتت قريته على خط المواجهة بين القوات الموالية لإيران والقوات الروسية والحكومية السورية من جهة، والجيش التركي وفصائل المعارضة التابعة له من جهة أخرى منذ سيطرة القوات التركية على المناطق المحيطة بها في عفرين قبل نحو عامين.
ويقول محمد الأب لتسعة أبناء إنه يخشى فيما لو ذهب بمفرده إلى زيارة أقاربه في القرى والبلدات المجاورة، أن يتعرض للخطف أو أن تسلب سيارته، كما حصل مع أحد جيرانه الذي اضطرت عائلته دفع /300/ ألف ليرة سورية، 300 دولار تقريباً، مقابل الإفراج عنه.
ويعتبر محمد واحداً من سكان أربعة قرى تعيش ومنذ 8 سنوات، في مرمى المدفعية التركية وحصار مجموعات مسلحة تابعة للحكومة السورية تنتشر في بلدتي نبل والزهراء من جهة الشرق.
وتقع قرية برج القاص إلى جانب ثلاثة قرى مجاورة، هي قرى الذوق الكبير، كالوته، وباشمرا، ذلك أنها في مثلث يوصف بـ"الاستراتيجي"، يطل على مناطق سيطرة الحكومة السورية والقوات الإيرانية في نبل والزهراء من جهة الشرق، وتل رفعت من الشمال الشرقي ومناطق سيطرة المعارضة المسلحة في دارة عزة من جهة الغرب، إلى إعزاز وقرى غربي عفرين من الشمال.
حصار وقصف
وتتوزع قوات الحكومة السورية في قرى برج القاص، ذوق الكبير، كالوته، باشمرا، ومياسة جنوبي عفرين، وقرى صوغانة، عقيبة، الزيارة، أبين، كشتعار، وشوارغة الجوز غربي عفرين في منطقة تعرف بأنها منطقة نفوذ روسي وإيراني مباشر نظراً لقربها من خطوط التماس مع فصائل المعارضة المسلحة المتوزعة ضمن غرفتي "درع الفرات" في إعزاز ومارع و"غصن الزيتون" في عفرين.
ويعاني أهالي القرى الأربع "برج القاص، الذوق الكبير، كالوته، وباشمرا" من حصار غير معلن يفرضه الجانبان الروسي والإيراني، وتنفذه قوات مدعومة إيرانياً تتمركز في بلدتي نبل والزهراء ذات الغالبية الشيعية شرق هذه القرى، فيما يسيطر الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية على قرى وبلدات برج حيدر وبراد وفافرتين والطامورة وقبتان الجبل في غرب وجنوب القرى الأربعة، فيما تتوزع هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في مدينة دارة عزة.
وتتعرض هذه القرى الأربعة لقصف مدفعي تركي شبه يومي على الرغم من اكتظاظها بسكانها الأصليين ومهجري قرى عفرين الشمالية والشرقية، فيما تزداد الأوضاع المعيشية فيها سوءاً نظراً لتحكم القوات الإيرانية بقوتهم اليومي.
شهادات من أهالي تلك القرى في تقرير سابق لنورث برس: https://www.youtube.com/watch?v=ifoDgrcfd3k
قرى استراتيجية
تعد قرية برج القاص أكبر هذه القرى من ناحية المساحة، تليها قرية الذوق الكبير فباشمرا فقرية كالوته التي تعتبر من أحد أصغر القرى بكامل منطقة بعفرين حيث تحتوي على ما يقارب الـ/30/ منزلاً.
وتنتشر في هذه القرى أكثر من /25/ نقطة أثرية، يعود تاريخها للعصرين الروماني والبيزنطي، أكبرها موقع خراب الشمس الذي يبعد عن قرية الذوق الكبير كيلومتراً واحد فقط.
وتعيش أكثر من /880/ عائلة، بينها /159/ فرت من قراها التي سيطر عليها الجيش التركي في عفرين ونواحيها السبعة في القرى الأربعة التي تبعد /28/ كم جنوبي عفرين حسب الأرقام التي حصلت عليها "نورث برس" من مجالس تلك القرى التي تعد أقرب إلى مركز مدينة حلب، في ظل أوضاع معيشية متردية مع فرض الحصار من الطرفين التركي والإيراني.
وتمتاز هذه القرى بطبيعتها الجبلية الصخرية الجافة المليئة بالكهوف الطبيعية والغنية بالحياة البرية ولاسيما مع بقاء معظم سكانها في القرية دون الهجرة نحو المدينة مثلما حدث في أغلب المناطق الريفية في سوريا أواخر القرن الماضي، مما أدى لازدهار الزراعة فيها ولاسيما الأشجار المثمرة مثل الزيتون والتين والرمان نظراً لاعتماد الأهالي عليها بشكل كامل في معيشتهم، والتي تضررت بشكل كبير نتيجة للقصف العشوائي.
كما تعتبر هذه القرى مفترق طرق هام في المناطق الواصلة بين شمال إدلب وريف حلب الشمالي، حيث يربط طريق غازي عنتاب الدولي الواصل بين مدينة حلب وعنتاب التركية بالطريق الواصل بين مدينتي دارة عزة وعفرين عبر منطقة سمعان الأثرية، إلى جانب كونها ممراً لآلاف الحجاج للوصول إلى مرقد مار مارون شفيع الموارنة في قرية براد المجاورة لقرية برج القاص.
عود على بدء
مع بدء الحرب السورية قبل ثماني سنوات، فرضت وحدات حماية الشعب سيطرتها على أغلب القرى الكردية شمالي حلب ومن ضمنها هذه القرى الأربع والقرى الكردية في مناطق الباب وإعزاز وجرابلس، حيث كانت وحدات حماية الشعب تنتهج حينها خط مواجهة عسكرية مباشرة مع الحكومة السورية التي كانت قد خرجت عن سيطرتها أكثر من ثلثي البلاد لصالح المعارضة المسلحة ووحدات حماية الشعب تباعاً.
وعلى الرغم العلاقات الجيدة بين كل من فصائل المعارضة المسلحة التي كانت تعرف في الأعوام الثلاثة الأولى من الأزمة بـ"الجيش الحر"، إلا أن وحدات حماية الشعب، لم تساند المعارضة المسلحة في نيتها حصار بلدتي نبل والزهراء بهدف السيطرة عليها في تموز/يوليو 2012.
وكانت القرى الأربع المحاصرة الآن تعتبر المنفذ الوحيد لمدنيي نبل والزهراء للحصول على المؤن التي كانوا يحصلون عليها من مدينة عفرين.
ويقول سكان هذه القرى إن هذا الموقف كلفهم جعل قراهم مستهدفة من قبل المعارضة حينها، إذ كانت المعارضة تقوم بقصفها بين الحين والآخر بهدف الضغط على الوحدات للسماح لها بالدخول لتلك القرى وإطباق الحصار بشكل كامل على نبل والزهراء، في حين كانت علاقات وحدات حماية الشعب والحكومة السورية متأزمة أكثر مما كانت عليه عقب دخول فصائل المعارضة حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب آذار/مارس .2013
وبقيت بلدتا نبل والزهراء في حصار المعارضة حتى تمكنت القوات الحكومية من كسره في الثالث من شباط/فبراير 2016، ويقول سكان في القرى الأربع إن "نشوة النصر لدى القوات الحكومية أدى إلى محاولة بعض أهالي نبل والزهراء فرض صعوبات على أهالي عفرين هذه القرى وعلى أهالي عفرين عموماً مثل عرقلة وصولهم إلى حلب عبر الحواجز على الرغم من أنها كانت المتنفس الوحيد لهم طيلة فترة حصار المعارضة للبلدتين"
واعتقلت القوات المحلية في نبل والزهراء العشرات من أهالي عفرين العائدين إليها والخارجين منها باتجاه مدينة حلب، في سيناريو مشابه لما كانت تقوم بعض فصائل المعارضة المسلحة لاعتقال أهالي عفرين على أساس عرقي، أبرزها كانت في تشرين الأول/أكتوبر 2017 حين اعتقلت أكثر من /100/ شخص كانوا معظمهم من الطلبة والموظفين في دوائر الحكومة.
قلب المثلث
استعادت وحدات حماية الشعب السيطرة على قرية باشمرا التي تعتبر أهم القرى الأربع أواسط 2013 بعد معارك وصفت بـ"العنيفة" بين كل من الوحدات و12 فصيل من "الجيش الحر" والذي كان يقوده آنذاك لواء التوحيد بقيادة "حجي مارع" ومن ضمنهم بعض الفصائل الكردية مثل "الكوملة" و"أحفاد صلاح الدين"، وبقيت جبهاتها ساخنة على مدار خمسة أعوام، على عكس الجبهات مع الحكومة السورية التي كانت تشهد هدوءً كاملاً.
لفيديو لاستهداف فصائل المعارضة أحد العربات العسكرية العائدة للحكومة السورية: https://www.youtube.com/watch?v=qMBzaTxBnxM
لكن وتيرة الهجمات تزايدت على باشمرا مع إنشاء الجيش التركي خامس نقاط مراقبته في منطقة الجبل الغربي لعندان شمالي حلب المقابلة للقرية، في آذار/مارس 2018 وذلك عقب اجتماعات عقدت بين بعض الضباط الأتراك وقياديي هيئة تحرير الشام أبرزهم أبو سامر سلامة حينها وذلك لتطبيق اتفاقية "آستانا 6" بين أنقرة وموسكو وطهران.
كما تبادلت كل من القوات الحكومية السورية والتركية القصف المدفعي في الحادي عشر من كانون الثاني/يناير الماضي.
لكن القرية بقيت تحت سيطرة الوحدات بشكل كامل حتى آذار/مارس 2018 أي بعد معركة عفرين مع الجيش التركي، لتنتشر فيها القوات الحكومية والإيرانية والروسية مع تواجد خجول لـ"قوات تحرير عفرين" وهي قوات كردية تحاول مواجهة الجيش التركي وفصائله السورية في خطوط التماس.
وجاء انتشار القوات الحكومية والأخرى الموالية لها في القرى المجاورة لباشمرا في إطار التفاهمات الروسية التركية لرسم حدود جديدة لنفوذهم في شمالي سوريا بعد بدء عملية "غصن الزيتون" التركية. وهو ما خلق خلافات بين فصائل المعارضة المسلحة وداعمهم الجيش التركي حول مدى جدية الأخير للسيطرة على مدينة تل رفعت شمالي حلب والتي ما تزال أحد الأهداف الرئيسية المعلنة لفصائل المعارضة في الريف الشمالي منذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها في شباط/فبراير 2016.
وضع مترد
زادت ممارسات الجيش التركي وفصائل المعارضة من معاناة أهالي القرى الأربعة، عبر منعهم من زراعة محاصيلهم وجني مواسم الزيتون والرمان لعامين متواصلين عبر الاستهداف المباشر لأي مزارع يقترب من أرضه الواقعة بين مناطق سيطرة القوات الحكومية السورية والتركية، إلى جانب زرعهم ألغام قرب نقاطهم التي تقع ضمن أراضي المزارعين ما نتج عن مقتل العديد من سكان القرية الذين كانوا قد حاولوا حراثة أرضهم ورعي ماشيتهم.
وقال أحمد خليل الحسن لـ"نورث برس" والذي أحرقت فصائل المعارضة المسلحة ألف شجرة زيتون وألف وخمسمئة شجرة رمان عائدة ملكيتها له إلى جانب سرقتهم مولدة للكهرباء. "لا نستطيع الخروج 500 متر خارج القرية نحو أراضينا".
فيما لا يزال مصير نظمي علي، أحد أهالي قرية برج القاص مجهولاً منذ اختطافه في شباط/فبراير 2019 أثناء رعيه لماشيته و"التي سرقها مسلحو الفصائل".
وقامت الفصائل نفسها بقطع 1200 شجرة زيتون تعود ملكيتها لأحد أهالي قرية برج القاص، القرية التي تضرر 60 بالمئة من أشجارها في الحريق الذي "افتعلته" فصائل المعارضة المسلحة في تموز/يوليو 2019 بالقرب من مناطق سيطرتها وامتد ليصل القرية.
وإلى جانب حرق وقطع الأشجار، فكانت خطوط التماس الجديدة سبباً لفقدان الأهالي مئات الهكتارات الزراعية من أراضيهم الواقعة في قرى براد وبرج حيدر، أبرزهم خسارة فاضل ناصرو أحد قاطني قرية برج القاص والذي خسر 500 شجرة زيتون.
فيما تقوم القوات المدعومة إيرانياً في نبل والزهراء بفرض صعوبات على السكان من خلال منعهم الاستفادة من أسواق بلدتي نبل والزهراء أو حتى السماح بالمرور لأسواق مدينة تل رفعت وبلدة ديرجمال.
ومع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والحاجيات الأساسية في تلك المنطقة إلى ثلاثة أضعاف، مع صعوبة وصول بضائع جديدة نتيجة لحدوث عمليات سطو مسلح على الطريق الواصل بين القرى وبلدة نبل والتي يوجه الأهالي أصابع الاتهام إلى بعض العوائل المسلحة في نبل والزهراء.
فيما لم تستطع النقطة الطبية التي افتتحها الهلال الأحمر الكردي في قرية برج القاص من معالجة كافة الحالات الطبية التي تردها، مما يدفع أهالي تلك القرى للتوجه للمشافي والمستوصفات الموجودة في نبل والزهراء والتي تعرضهم للكثير من الصعوبات.