متضررون من الألغام في الرقة.. استمرار المعاناة وإصرار على النجاح

 

الرقة- مصطفى الخليل- نورث برس

 

تستمر معاناة مبتوري الأطراف نتيجة انفجار الألغام في الرقة حتى بعد هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" في خريف عام 2017، إذ شكلت الألغام مصدر هلع للسكان الفارين أثناء المعارك أو العائدين إلى منازلهم بعدها، ولا يزال بعضهم يتحدث عن قصص أقرب ما تكون إلى الخيال، فمنهم من وجد لغماً زُرع في المرحاض، وآخر قضى نتيجة "لغمٍ زُرع بعناية" عند مدخل منزله.

 

واعتقد الشاب عبدالله العلي، /21/ عاماً، أن خروجه من مدينة الرقة مطلع نيسان/ أبريل عام 2017, سيجنبه ويلات المعارك التي بدأت تشتد في مدينته محولة إياها إلى "مدينة أشباح"، ولم يكن، كغيره من الفارين من أتون المعارك، يفكر بمخاطر الطريق التي كانت تتربص بالنازحين واللاجئين السوريين أينما توجهوا.

 

وشهدت مدينة الرقة عام 2017، معارك طاحنة بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي وعناصر تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش), ما تسبب بمقتل نحو /3250/ شخصاً بينهم /1130/ مدنياً, من بينهم /270/ طفلاً على الأقل, بحسب ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان.

 

في ذلك اليوم سلك العلي مع إخوته وأبناء عمته، الطريق إلى قرية "المارودة" شمال شرق الرقة /17/ كم، ليفاجؤوا بانفجار لغم أرضي، كان مزروعاً على الطريق ومرت عليه الشاحنة الصغيرة التي كانت تقلهم.

 

فقد العلي، أحد إخوته وابن عمته، وأصيب أخوه الذي يصغره سناً, ولم ينجُ هو الآخر من الإصابة، ليكون نصيبه بتر قدمه اليمنى ومعاناة مستمرة.

 

ويرى العلي، رغم فقدانه لقدمه, أن حاله أفضل بكثير من آخرين فقدوا قدمين أو أعضاء أخرى من أجسادهم, "إصابتي صعبة للغاية, إلا أنني أفضل حالاً من كثيرين"، خاصة أنه قام بتركيب طرف صناعي يعينه على تسيير أموره.

 

وبلغ عدد الأشخاص الذين قضوا نتيجة الألغام بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الرقة، منذ بداية عام 2018 وحتى مطلع العام الجاري 2020 إلى /237/ ضحية من رجال ونساء وأطفال، أما عدد ضحايا الألغام من أعضاء قوى الأمن الداخلي فقد وصل إلى/10/  إضافة  لوجود ستِ إصابات بينهم، بحسب مصدر من فريق هندسة الألغام في الرقة، مفضلاً عدم الإفصاح عن اسمه لاعتبارات أمنية.

 

يعمل العلي، حالياً، في محل النجارة قرب منزله في شارع الساجة بحي رملية في الشمال الشرقي من مدينة الرقة، متذكراً ما حل بمدينته وسكانها، "زرعوا الألغام ليقتلوا الناس"، في إشارة منه إلى عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش).

 

إصابة العلي، الذي لا ينفك يكرر عبارة "الحمد لله على كل شيء"،  والصعوبات التي يعاني منها في المشي والحركة, لم تعقه عن العمل على الرغم من أن مهنته تعتمد على الوقوف, فقد تزوج منذ أكثر من عام ورُزق بطفل يعتبره محور حياته، على حد تعبيره.

 

وتم العثور في مدينة الرقة على/11/ مستودعاً لتصنيع الألغام محلية الصنع، كانت تحوي /7485/ لغماً كانت معدة لتفجيرها في المدينة ومحيطها، بحسب عضو فريق هندسة الألغام في الرقة.

 

يختلف حال علي إبراهيم محمد (47 عاماً)، من سكان حي الفرات المحاذي لسرير نهر الفرات من الجهة الشمالية، عن سابقه في المعاناة والصعوبات التي يواجهها، لأنه وبعد مرور أكثر من سنتين على إصابته لم يتمكن من تركيب طرف صناعي، يساعده في تدبر أموره.

 

وشاءت الأقدار بعد نهاية الحرب في الرقة وبدايات عودة الناس إليها عام 2018 أن ينفجر لغم أرضي من مخلفات عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) بطفل صغير من أبناء جيران محمد، فهرع إلى الطفل ليلتقط بقايا اللحم المتناثر من طرفيه السفلين، لكن لغماً آخر انفجر به ما أدى لبتر قدمه اليمنى.

 

وكانت أغلب حالات بتر الأطراف في الرقة، ناتجة عن التعرض للإصابة بالألغام، بعضها بتر كامل وبعضها أدى لتشوهات خطيرة، حسب ما يشير فني الأطراف الصناعية وتقويم العظام في المشفى الوطني في الرقة، أحمد الحسين.

 

إصابة محمد القديمة بداء السكري انعكست على قدمه المبتورة، إذ إن وضعه تفاقم سوءاً، مما أدى إلى بتر آخر في رجله من فوق الركبة بعد عمليات جراحية أجريت له في العديد من المراكز الطبية في الرقة وتل أبيض.

 

وسجل محمد منذ عامين في المشفى الوطني في الرقة للحصول على طرف صناعي، وراجع منظمات عديدة ، لكنه لم يحصل إلا على "الوعود الفارغة"، كما يقول.

 

"لا فائدة ترجى من المنظمات، جميع المنظمات، عندما أراجعهم، يستقبلني الموظف بلا احترام، ينظر إلي دقيقة ثم يتجاهلني لربع ساعة عابثاً بهاتفه المحمول، يستمعون للأغاني من خلال راديو صغير، ويحتسون الشاي والقهوة، فقط".

 

وقال أحمد الحسين، فني الأطراف الصناعية وتقويم العظام في المشفى الوطني في الرقة، لـ"نورث برس" إن المشفى يستقبل كافة حالات الإصابة بانفجار الألغام ويؤمن العلاج ومستلزمات تقويم وتعويض الأطراف مجاناً لهم، إلا أن الأمر يخضع لتسلسل تسجيل الأسماء.

وكان محمود الهادي، المدير التنفيذي لمنظمة "صناع الأمل"، وهي أول منظمة مجتمع مدني تقوم بتركيب الأطراف الصناعية في الرقة، قد أوضح في وقت سابق، لـ "نورث برس"، أنهم قاموا خلال العام 2019 بتركيب أطراف صناعية سفلية لـ/51/ شخصاً، و إجراء /43/ عملية جراحية لتصحيح بتور.

 

بعد انفجار لغم أرضي بأغنامه التي حصل عليها كمساعدة من أقاربه في البناية المهجورة ذاتها التي فقد بها قدمه، وقيام لص بسرقة خمسة رؤوس أغنام أخرى من حظيرته، يبدو محمد مستاء مما جرى له، خاصة بعد عدم وصوله لنتيجة بخصوص حادثة السرقة لدى مراجعته الجهات المختصة.

 

واستخدم عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) تكتيك زرع الألغام، بالإضافة للآليات المفخخة من سيارات ودراجات نارية، في ريف مدينة الرقة وحتى داخل أحيائها التي كانوا يتوقعون خسارتها بعد اشتداد المعارك مع  قوات سوريا الديمقراطية ، محاولين بذلك استمرار سيطرتهم على المدينة.