"نبش القمامة".. مصدر كسب لعائلات ضاقت بها الحياة في دمشق

دمشق – أحمد كنعان – نورث برس

 

يضطر أشخاص ضاقت بهم الأحوال المعيشية في العاصمة دمشق مؤخراً إلى نبش أكوام القمامة لجمع ما يمكن بيعه أو الاستفادة منه في ظل عدم توفر فرص أفضل للعمل وكسب قوت يومهم.

 

وفي حين يكون التأخر في جمع القمامة وترحيلها سبباً لقلق لمعظم السكان الذين يخشون أضرارها الصحية، تشكل الأكوام المشبعة تلوثاً سبيلاً لتأمين قوت أشخاص لم يجدوا خياراً آخر أمامهم.

 

ويقصد هؤلاء الأشخاص منذ الصباح الباكر أماكن تجمع القمامة في الشوارع والأحياء قبل وصول سيارات ترحيلها، لنبشها وجمع ما يمكن بيعه لإعادة تدويره من بلاستيك ومعادن وورق، إضافة إلى بقايا الخبز اليابس، وخردوات الأدوات المعطلة ليبيعها لتجار الخردة.

 

وقال محمّد أبو قاسم، البالغ من العمر /65/ عاماً، وهو أحد العاملين في مهنة نبش القمامة، لـ "نورث برس"، إنه ينبش القمامة لأن المهن الشاقة التي يمارسها لا تؤمّن له احتياجاته ومصاريفه المتزايدة.

 

" كنت أعمل في الحفر والعتالة وغيرها، لكن الأجر الذي أحصل عليه لا يكفي لشيء، لدي زوجتي وثلاث بنات وأسكن في منزل أجرة".

 

واضطر أبو قاسم لاتخاذ "نبش القمامة" عملاً إضافياً من أجل "لقمة العيش"، لكن مع أنه يحصل يومياً على حوالي 2000 ليرة سورية، "فإنها إضافة لما أحصل عليه من عملي الآخر، لا تكفي لسد الحاجيات الضرورية".

 

وقال محمّد أحمد، عامل آخر في المهنة ذاتها، وهو مهجّر من الحسينية في ريف دمشق الجنوبي، كان قد عاد إلى منزله ليجده غير صالح للسكن بسبب الدمار الذي أصابه نتيجة الحرب، إنهم يعانون "الأمرّين"، في إشارة إلى خياري معاناة العوز من جهة أو تحمّل نظرة الناس لعمله كنقيصة، "بعض الناس يتعاطفون معنا ولكن هناك من ينظر إلينا بقرف واشمئزاز وكأننا اخترنا هذه البهدلة".

 

وأضاف "أنا مجبرٌ على العمل في نبش القمامة لأنني مهدد بالموت جوعاً".

 

ولم يتسنى لنورث برس التواصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فيما رفض بعض المسؤولين الإدلاء بأي تصريح.

 

وقال تاجر خردة يملك مستودعاً لجمع المواد التي تصلح لإعادة التدوير في حي كرم صمادي في جرمانا، لـ "نورث برس، "إن عدد الذين يحضرون لبيع ما جمعوه من القمامة كبير بالنسبة لسكان الحي، ويتراوح مردودهم يومياً بين 2000 و 3000 ليرة سورية".

 

فيما قالت الباحثة الاجتماعية نور عباس، وتحضر مؤخراً لرسالة دكتوراه في علم الاجتماع لـ "نورث برس": "تفشت هذه الظاهرة خلال الحرب".

 

وأوضحت عبّاس أنه لابدّ أن يعي العاملون في مهنة النبش الأسباب الحقيقية التي دفعتهم للعمل، لأن معظمهم يظنها أسباباً شخصية، ولكن الحقيقة أن "السلطات الفاشلة من خلال مؤسساتها الرجعية تصنع هؤلاء، إضافة للمتسولين والمشردين، لتعود إلى ملاحقتهم كمحاولة للتهرب من النتائج الكارثية لفشلها".

 

وزادت "أعتقد أننا مقبلون على ثورة متشردين".

 

أما طلال سليم، وهو مدرس في العاصمة دمشق، فقد نبّه إلى خطورة عمل عدد كبير من الأطفال أيضاً في هذه المهنة، "سيصبحون رجالاً مكسورين عندما يكبرون".

 

وأضاف "على المؤسسات الاجتماعية تأمين دخل كافٍ للعائلات، "كي لا يتسرب الأطفال من المدراس إلى عمل يشكّل ظاهرة غير حضارية".