تنظيم “الدولة الإسلامية”.. انتشارٌ في البادية السورية ومخاطر من عودته
عين عيسى – نورث برس
باتت البادية السورية الملجأ الأخير لعناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، عقب خسارته مناطق شاسعة شمال وشرقي سوريا ومناطق متفرقة في البلاد. حيث الطبيعة الجغرافية لسوريا ومجالات النفوذ الدولي والإقليمي فيها جعلا للتنظيم موضع قدم في عدة مناطق رئيسية فيها.
الانتشار والتمرْكز
ينتشر عناصر التنظيم في بادية البوكمال وأجزاء من الشريط الحدودي السوري – العراقي، وعمق بادية تدمر بالقرب من مدينة السخنة التابعة إدارياً لمحافظة حمص والقريبة من دير الزور، وأطراف مدينة القريتين بالقرب من جبال القلمون شمال غربي العاصمة السورية دمشق، بالإضافة إلى بادية السويداء ومناطق متفرقة بريف الرقة.
ووفرت تلك المناطق مخبأ طبيعياً لمئات العناصر، حيث تتميز بتضاريسٍ مواتية للتخفّي مثل الجبال والوديان والكهوف الطبيعية شديدة العمق، بالإضافة إلى اتساع حجم المنطقة والعواصف الترابية اليومية التي تحجب الرؤية الجوية وتزيل آثار التحركات بسرعة.
ويقول الخبير الأمني العراقي اللواء ماجد القيسي، في تصريح خاص لـ”نورث برس”، إن “انخفاض مستوى عمليات الجيش السوري في هذه المنطقة والتركيز على جبهة إدلب جعل هذه المناطق ملاذً آمناً للتنظيم”.
ويضيف أن التنظيم يستفيد من جغرافية المنطقة وكذلك خلايا نائمة من السكان المحليين يؤمنون لها مخابئ ومواد لوجستية.
عمليات التنظيم في البادية
يواصل تنظيم “الدولة الإسلامية” نشاطه عبر هجمات متجددة يعمد عناصره إلى تنفيذها مستهدفاً مواقع لإيران والفصائل الموالية لها، وقوات الحكومة السورية والمسلحين الموالين لها، بالإضافة لزرع ألغام وعبوات ناسفة في عمق البادية لاستهداف الأرتال العسكرية التي تأتي بغية تمشيطها أو كتعزيزات لتحصين مواقعها ونقاطها.
ويعتمد التنظيم في عملياته على أسلوب يُطلق عليه “الذئاب المنفردة” أو “الخلايا النائمة”، وذلك خلال عملياتٍ خاطفة سريعة وبأعداد قليلة جداً.
وكان “المرصد السوري لحقوق الإنسان” نشر حصيلة القتلى في عمليات التنظيم منذ آذار/ مارس الماضي وحتى اليوم، حيث أكد مقتل ما لا يقل عن /276/ من قوات الحكومة السورية والقوات الموالية والداعمة لها، بما فيهم جنديين روسيين. ومقتل /37/ من الفصائل الإيرانية وذلك خلال هجمات وتفجيرات وكمائن لتنظيم “الدولة الإسلامية” في غرب الفرات وبادية دير الزور وحمص والسويداء، كما وثّق مقتل /103/ من عناصر التنظيم في الفترة ذاتها خلال الهجمات والقصف والاستهدافات.
ثروة “داعش” المالية
لا يزال الغموض مسيطراً على ثروة التنظيم المالية وكيفية إدارته لها، إضافة إلى تواجد قسم كبير من رجال الأعمال وممولي التنظيم في تركيا وكذلك علامات الاستفهام التي تطرح بشأن علاقة تركيا بتنظيم “داعش”.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير الأمني لـ”نورث برس”، أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يعتبر “من أغنى التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، وكان يجمع أموالاً طائلة من خلال تهريب النفط داخل سوريا وخارجها، وكذلك عبر الاستيلاء على البنوك وتهريب الآثار وفرض الضرائب على حركة الشاحنات والتجارة بالإضافة إلى اختطاف الرهائن وإطلاق سراحهم مقابل دفع مبلغ مالي.
ويضيف أن ثروة “داعش” انخفضت عندما خسر التنظيم جميع المناطق التي كان “يحتلها” وخصوصاً مناطق الطاقة في شمال شرقي سوريا كحقل العمر النفطي وغيرها، وكذلك بعد قيام الاستخبارات العراقية بتفكيك شبكاته المالية في العراق والتي كانت تقوم بالتحويلات اللازمة لعملياته وعناصره.
وكشفت الأمم المتحدة عن ثروة التنظيم بعد انتهاء معركة الباغوز التي كانت آخر معاقله في سوريا، وقالت على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، “تنظيم (داعش) يمتلك مبالغ تصل إلى /300/ مليون دولار بقيت معه بعد زوال الخلافة في العراق وسوريا”. محذرةً من قيامه عبر هذه الأموال بدعم أعمال إرهابية داخل العراق وسوريا وغيرهما.
وبتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، نشرت صحيفة “التلغراف” البريطانية تقريراً تحدثت فيه عن تمويل التنظيم من قبل رجال أعمال متواجدين في تركيا.
وقالت مراسلة الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط جوزيه إنسور، إن اللواء الركن سعد العلاق، رئيس الاستخبارات العسكرية العراقية، قال إن بلاده أعطت أنقرة ملفات تتعلّق بتسعة من قادة “داعش”، ومن بينهم كبار ممولي التنظيم. وأضاف العلاق أن من بين هؤلاء مجموعة من كبار ممولي التنظيم، يمتلكون أموالا طائلة ويشكلون خلايا في تركيا.
مخاوف عودة التنظيم الإرهابي
قد تبدو عودة التنظيم إلى النهوض بالقوة نفسها ضرباً من المستحيل بعد كل ما تلقاه من ضربات وخصوصاً في سوريا والعراق وقطع خطوط إمداده وحرمانه من مصادر تمويل وتسليح استفاد منها خلال السنوات الماضية، ولكن هناك مخاطر حقيقية من عودة أخطر تنظيم “إرهابي” على مر العصور.
حيث نشر المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية (Chatham House) تقريراً تحدث فيه عن هذه المخاطر، وقال إن عودة التنظيم المتطرف احتمال وارد، حتى لو لم يكن بنفس القوة التي كان عليها في العام 2014.
واستند التقرير إلى أنّ العوامل التي تُغذّي عودة التنظيم لا تزال قائمة في سوريا، وتشمل هذه العوامل “الانقسامات الطائفية والممارسات العنيفة للسلطات الحاكمة وغياب الحل لإنهاء الصراع الأهلي، ناهيكَ عن الوضع الاقتصادي والمعيشي وغياب الخدمات الأساسية، ما قد يدفع البعض إلى العمل مع التنظيم من أجل إعالة أطفالهم”.
كما قالت صحيفة “التلغراف” في إحدى فقرات تقريرها السالف الذكر، إن قادة “داعش” الأثرياء المتواجدين في تركيا، يخططون لعودة التنظيم.