درعا.. عام على التسوية لم تفلح حكومة دمشق في إرساء الأمن والاستقرار فيها

عين عيسى – رومات محمد – NPA

 

في تطور جديد من نوعه اعتقلت الفصائل المسلحة في درعا "فصائل التسويات" ضابط صف برتبة مساعد أوّل في الأمن العسكري بدرعا، صباح يوم الأحد الأول من كانون الأول / ديسمبر، في خطوةٍ تصعيديةٍ من قبل الفصائل، حيث كانت قد نصب حواجزاً على طريق اليادودة – درعا، وبدأت تفتيش السيارات، والهدف كان اعتقال أي عنصر للحكومة السورية،  للضغط عليها وإجبارها على الإفراج عن المعتقلين.

كما تشهد محافظة درعا منذ أيام، تحرّكات شعبية ضدّ الحكومة السورية والوجود الإيراني، آخرها كانت لأهالي بلدة حيط بريف درعا الغربي، مساء الأمس، وفق ما نقله المرصد السوري لحقوق الإنسان.

فيما كان تحوّل تشييع شقيقين قُتلا الخميس الماضي، إلى مظاهرةٍ كبيرةٍ في درعا البلد، هتف خلالها المتظاهرون ضدّ الحكومة السورية، متّهمين أجهزة الأمن التابعة للحكومة بقتل الشابين الذين كانا عنصرين سابقين في صفوف المعارضة المسلّحة وأجريا تسوية معها.

كذلك خرج العشرات من أهالي بلدة الكرك الشرقي في مظاهرة مساء السبت الـ 30 من كانون الأول / ديسمبر، طالبوا خلالها بإطلاق سراح المعتقلين في سجون الحكومة السورية.

 

عام على التسوية

 

يأتي هذا التصعيد، بعد مرور عام كامل على عملية التسوية في محافظة درعا، وذلك بموجب الاتفاق بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلّحة، برعايةٍ روسيةٍ، سلّمت بموجبه الأخيرة سلاحها الثقيل والمتوسط للحكومة السورية، وذلك عقب حملةٍ عسكريةٍ شنّتها القوات الحكومية والقوات الروسية على الجنوب السوري، في منتصف حزيران / يونيو 2018.

لكن لا تزال معظم الملفات التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين عالقةً حتى اليوم، ولم يتم الالتزام بتنفيذها، وكان من أبرزها العفو عن المطلوبين من أبناء المحافظة، وإعطاء مهلة للمطلوبين للخدمة العسكرية، مع الاشتراط أن تكون خدمتهم العسكرية ضمن المحافظة، وإخراج الميليشيات الإيرانية من المنطقة، وتسوية ملف المعتقلين.

 

درعا في سنوات الحرب

 

بدأت الأحداث في المدينة باعتقال القوى الأمنية الحكومية لطلاب مدارس كانوا قد كتبوا عباراتٍ مناوئةً للحكومة على جدران المدارس في شهر آذار / مارس من عام 2011 وقامت بتعذيبهم لتبدأ على إثرها تظاهرات شعبية ضدّ الحكومة، وتصاعدت بشكلٍ كبيرٍ عندما وقعت حالات قتل للمتظاهرين من قبل قوات الأمن الحكومية وامتدت التظاهرات إلى مدن أخرى كحمص ودمشق وبانياس.

وإثر تصعيد قوات النظام من قمعها لهذه التظاهرات الشعبية وحصول بعض المجازر في المدينة، حدث حالات انشقاق لعناصر وضباط من القوات الحكومية.

وفي أواخر تموز / يوليو من عام 2011 قام العناصر والضباط المنشقون بتشكيل ما سمي بـ "الجيش السوري الحر" للدفاع عن المدنيين في وجه القوات الحكومية على حدّ تعبيرهم، ومعه كانت بداية العمليات المسلّحة ضدّ قوات الحكومة السورية في مناطق مختلفة من سوريا.

كذلك اتسع الحراك المسلّح في المحافظة خلال العام الثاني من الأحداث السورية وما أن جاء العام الثالث حتى بدأت العديد من مناطق المحافظة تسقط بيد مقاتلي المعارضة المسلّحة.

وفي العام الرابع من الأحداث اتصلت مناطق المعارضة في محافظة درعا مع مناطق المعارضة في محافظة القنيطرة، واستمرت سيطرة فصائل المعارضة على المدينة إلى أن أطلقت القوات الحكومية وحلفاؤها عملية عسكرية تحت مسمى "عملية البازلت" في 18 حزيران / يونيو من العام 2018، ضدّ فصائل المعارضة المسلّحة في درعا والقنيطرة.

وانتهت العملية في الـ31 من تموز / يوليو من العام ذاته، بسيطرة القوات الحكومية على المدينة بعد اجراء مصالحاتٍ (تسويات) مع فصائل المعارضة المسلّحة التي سلّمت سلاحها الثقيل والمتوسط وأصبحت تابعةً لقوات الأمن الحكومية.

 

فشل التعايش

 

اليوم بعد مرور أكثر من عام على هذه التسويات، يظهر للمتابعين فشل تجربة التعايش الفريدة من نوعها بين قوات الحكومة السورية والفصائل المعارضة التي استسلمت لها في إرساء الأمن في محافظة درعا الجنوبية الغارقة اليوم في دوامة من التفجيرات والاغتيالات والاعتقالات، فالوضع الأمني في المحافظة بدأ بالتردي بعد شهرين فقط من اتفاق التسوية، حيث عادت عمليات الاغتيال إلى واجهة الأحداث بقوة، وطالت العديد من أبناء درعا، من المعارضين ومن الموالين للحكومة على حد سواء، بشكلٍ يمكن وصفه بعمليات تصفيةٍ منهجيةٍ.

من جهة ثانية، لم تتوقف عمليات الاعتقال التي تنفذها الأجهزة الأمنية للحكومة، منذ توقيع الاتفاق وحتى الآن، وزادت تصرفات القوات الحكومية وبخاصة الاعتقالات، نقمة أبناء المحافظة، وأدت إلى بروز مجموعات مسلّحةٍ أعلنت نفسها فيما بعد باسم (المقاومة الشعبية)، وشنّت العديد من الهجمات على مواقع مختلفة للقوات الحكومية وأجهزتها الأمنية، أدت إلى تكبدها خسائر كبيرة بالأرواح.

 

إحصائيات

 

وبحسب ما وثقه المرصد السوري لحقوق الانسان بلغت أعداد الهجمات ومحاولات الاغتيال بأشكال وأساليب عدة عبر تفجير عبواتٍ وألغام وآلياتٍ مفخخةٍ وإطلاق نار خلال الفترة الممتدة من يونيو / حزيران الماضي وحتى يومنا هذا إلى أكثر من /195/ شخصاً.

فيما وصل عدد الذين قتلوا إثر تلك المحاولات خلال الفترة ذاتها إلى /134/، وهم: /21/ مدنيين بينهم /3/ مواطنات وطفلين، إضافة إلى /67/ من قوات الحكومة والمسلّحين الموالين لها والمتعاونين مع قوات الأمن، و/26/ من مقاتلي الفصائل ممن أجروا “تسويات ومصالحات”، وباتوا في صفوف أجهزة الحكومة الأمنية من بينهم قادة سابقين، و/15/ من قوات الدفاع الوطني التابعة لـ”حزب الله” اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى /6/ مما يُعرف بـ”الفيلق الخامس” الذي أنشأته روسيا.

 

ملف المعتقلين

 

إن ملف المعتقلين هو الأبرز والأكثر تعقيداً، ولم يتم حلّه حتى الآن، على الرغم من وعودٍ قدمها قادة أمنيون كبار من الحكومة السورية.

لكن بحسب صفحاتٍ معارضة فإن عمليات الإفراج عن المعتقلين اقتصرت على نحو /100/ معتقل فقط، منذ توقيع اتفاق التسوية، وما يزال نحو /4000/ معتقل من أبناء المحافظة في سجون الحكومة.

وأشارت هذه الصفحات إلى أن عدم الإفراج عن المعتقلين كان السبب الرئيسي لعودة التظاهرات المناهضة للحكومة السورية من جديد، في مناطق عديدة من المحافظة، وعودة الكتابات على الجدران وتوزيع المنشورات المطالبة بإسقاط الحكومة.

الجدير بالذكر أنّ الحالة الأمنية في محافظة درعا باتت متوترةً بشكلٍ كبير، في الآونة الأخيرة، ويتوقع العديد من المتابعين والناشطين من أبناء المحافظة أن تنفجر الأمور من جديد، وتتحول إلى مواجهات بين القوات الحكومية وفصائل معارضة جديدةٍ كلياً، معلّلين ذلك بالانتهاكات المستمرة من قبل القوات الحكومية من جهةٍ، وعدم قبولهم بوضع التسوية من جهةٍ أخرى.