مخاطر إفشاء الأمية بين أطفال النازحين واللاجئين السوريين
إبراهيم إبراهيمي
نتج عن الحرب الدائرة رحاها في سوريا منذ ما يقارب التسعة أعوام، نزوح وهجرة الملايين من السوريين الذين هربوا من جحيم الدمار الذي طال أماكنهم في المدن والأرياف، وما زالت أعداد النازحين واللاجئين السوريين في ازدياد، يبتعدون عن مساكنهم، ويستقرون مع أطفالهم الذين انقطعوا عن مدارسهم في دول الجوار أو مخيمات الداخل والخارج.
نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها العالمي 2019، ضمن أحداث سوريا للعام 2018، بأنه "يوجد أكثر من مليون لاجئ سوري مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في لبنان، وحتى أيار/مايو 2018، سجلت تركيا /3.6/ مليون لاجئ سوري تقريبا في البلاد، وحتى حزيران/يونيو 2018، سجل الأردن حوالي 666.294// لاجئاً سورياً.
وبعد مرور عام على هذه الإحصاءات انخفضت هذه الأرقام نتيجة عودة البعض إلى أماكن الاستقرار في سوريا، لكن أعداد اللاجئين في دول الجوار لا تزال بالملايين.
وبحسب آخر إحصائية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والتي نشرت في فبراير 2019، يتواجد في العراق وإقليم كردستان 252451// شخص، منهم94387// يعيشون في المخيمات؛ أي بنسبة /37/%، ومنهم158064// شخص يعيشون خارج المخيمات؛ أي بنسبة /63/%.
فيما تستثني هذه الإحصاءات الموجات الأخيرة من اللاجئين، التي نزح ضمنها أكثر من /330/ ألف شخص من مناطق العمليات العسكرية التركية الأخيرة في شمال سوريا، إضافة للجوء ما يقارب /12/ ألف إلى كردستان العراق.
الكثير من الأسر استقرت في داخل المدن الكبيرة لدول الجوار، وباتت منهمكة في تأمين قوت عيشها، والبعض من هذه الأسر، استقرت في المخيمات التي تديرها على الأغلب المنظمات الدولية، وتفتقر إلى بيئة مؤهلة للتعليم.
هذا الوضع أبقى ملايين الأطفال محرومين من مقاعد الدراسة خلال أعوام الحرب، وأُميّين دون تعليم، حيث ينتظرهم مستقبل مجهول بين أيادي التنظيمات الراديكالية التي تجنّد الشباب في الحرب الداخلية المستعرة.
وضع أطفال النازحين واللاجئين
تعاني مخيمات اللجوء من نقص الاهتمام بالتعليم، حيث تهتم المنظمات الإنسانية بالمستلزمات الطارئة كالفرش والغذاء فقط، ويأتي موضوع التعليم في السلّم الأخير لاهتماماتها، عدا بعض المنظمات التي تقوم بنشاطات ترفيهية فقط.
حيث يُهدر جُلّ وقت الطفل في التسكع ما بين الخيم، وتلقي الكلمات البذيئة، وتعلّم الألعاب المؤذية، بدلا من أن ينساق أو ينقاد نحو المدرسة.
كما يمضي الطفل وقته في المساء على وقع قصص الحرب التي يبنيها ويسردها الكهول؛ قصصٌ هي ليست من شأن الطفل، لكنه يتلقاها، فتنزرع في روحه أفكار الثأر من طفولته السجينة في المخيم.
في حين يعاني التعليم في المخيمات من ضعف التمويل، حيث يعاني ملايين الأطفال السوريين النازحين واللاجئين مع ذويهم من التبعات الفادحة للحرب الطاحنة التي تزداد شراسة وتعقيداً باطِّراد.
وتفتقد المنظمات الدولية المهتمة بالتعليم لبرامج ودعم التعليم المناسب للأطفال اللاجئين في دول الجوار السوري، كما وتُقصّر المنظمات في تقديم التمويل لبناء المدارس وتجهيزها في المخيمات، ومن دون برامج تعليمية مناسبة ودعم التعليم، لن يتمكن الأطفال السوريين النازحين واللاجئين مع ذويهم من التوجه إلى المدارس.
حيث صرحت المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف، السيدة هنرييتا فور، في الـ 22 أكتوبر من العام الجاري، قائلة "مع دخول الربع الأخير من عام 2019، تبلغ الفجوة التمويلية /46%/ من التمويل المطلوب.
وأضافت أنه في سوريا، بلغت فجوة التمويل/30/ مليون دولار، ومن الممكن أن يخسر /2.1/ مليون طفل أنشطة التعليم الرسمي وغير الرسمي الضرورية.
وأردفت أنه في البلدان المجاورة لسوريا (تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر)، والتي تستضيف /2.5/ مليون لاجئ سوري، ثمة فجوة تمويلية تبلغ /249/ مليون دولار، مما يعني أن /460000/ قد يخسرون أيضاً الأنشطة التعليمية.
أي بحسب المديرة التنفيذية لليونيسف، ما مجموعه 2.560000// من أطفال السوريين، قد يخسرون أنشطة التعليم الرسمي والغير رسمي، ويبقون رهن الأمية، وفي بيئات مشتتة في الداخل ودول الجوار، ويبقون معرضين لتلقي الأفكار السلبية والانخراط في متنها.
مستقبل الأطفال النازحين واللاجئين
ينتظر الأطفال النازحين واللاجئين السوريين الذين عاصروا سنين الحرب، مستقبل غامض، وسط نشاط غير مسبوق للتنظيمات الراديكالية، وعدم تدبير جيد من قبل المنظمات المهتّمة بالتعليم، فمن كان في العام 2011 في الصف الأول؛ أي بعمر/ 6 /سنوات، بات عمره الآن/ 14 /عاما، وقريباً من سن الرشد، ومن كان في الصف السادس وكان عمره حينها /12/ عاماً، بات عمره الآن /20/عاما، ومؤهلا لحمل السلاح والدخول في آتون الحرب، ما يعني توفّر كم هائل من الموارد البشرية للتنظيمات الراديكالية التي باستطاعتها جلبهم إلى صفوفها وتجنيدهم.
كما أن مجالات الانحراف الخُلقي ومزالق الذهاب إلى ممارسة المهن المشبوهة، لن تكون بعيدة عن متناول أيدي هذا الجيل الأُمي –ذكورا وإناثا-، فمن الإتجار بالمخدرات إلى كل الأعمال التي يتم الترويج لها في الأسواق السوداء، ستكون بانتظار هؤلاء الشباب والشابات، ما يعني تفتيت الأسرة السورية النازحة واللاجئة، والتراجع في الحالة الاجتماعية للشعب السوري.
هذا الواقع الذي ينتظر الجيل الجديد من الأطفال السوريين النازحين واللاجئين، يفرض على الجهات المعنية خوض جدل واسع حوله؛ لما يحمله من مخاطر حقيقية قد تمسُّ مصير كافة مجتمعات العالم.
ويتوجب على الجهات الفاعلة – ونخصُّ هنا هيئة الأمم المتحدة والدول الكبرى- المساهمة في الدفع نحو تدارس المشكلة، وتهيئة البيئة المناسبة لتأهيل الأطفال السوريين وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة، وزيادة دعم وتمويل برامج التعليم المخصص لأطفال النازحين واللاجئين السوريين في دول الجوار والمخيمات، وذلك بغية تدارك مخاطر إفشاء الأمية بين الملايين من أطفال السوريين، وقطع السبيل أمام تلقي أفكار التعصّب وثقافة الانتقام، ومنع تدهور البيئة الاجتماعية للشعب السوري مستقبلا، والذي قد ينعكس سلبا على دول ومجتمعات العالم.
أيضاً يتوجب على الجهات المعنية بالتعليم، وضع مناهج تعليمية تهدف بالدرجة الأولى إلى رفع سوية الطفل علميا، وإزالة آثار الحرب من ذاكرة الطفل، وغرس روح التسامح والتعايش في مجتمع يعانى من الحرب الأهلية، و قد حان وقت دقّ ناقوس الخطر، وتنبيه المعنيين بخطورة الوضع، وفتح ملف تعليم أطفال النازحين واللاجئين السوريين أمام تدارس وتدارك المشكلة.