نورث برس تنشر تفاصيل “الآلية الأمنية” التي ضمنها الأمريكيون لحماية شمال شرقي سوريا: تفاصيل اجتماع سري كانيه
شيروان يوسف/ سيماف حسن – NPA
حصلت نورث برس على مقاطع مرئية من اجتماع وفد من التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في 22 آب/أغسطس 2019 مع المجلس العسكري والمجلس المدني لمدينة سري كانية /رأس العين شمالي سوريا، لمناقشة "الآلية الأمنية" التي كان من المزمع إنشاؤها على الخط الحدودي بين سوريا وتركيا في المنطقة الممتدة بين مدينتي تل أبيض/كري سبي ورأس العين/سري كانيه؛ والذي كان يهدف إلى إطلاع الأطراف المسؤولة في المدينتين, على الآلية المزمع إنشاؤها في المنطقة الواصلة بينهما, وآلية ترجمة الخطط التي كانت تهدف إلى حماية المدنيين فيهما من أي غزو تركي من أجل إعطاء المجال للوصول إلى حل سياسي لتطبيق القرار الأممي /2254/ حول سوريا.
وضم الاجتماع مسؤول أمن الحدود من قبل القوات الأمريكية والتحالف الدولي ضد داعش, إسكندر ديب "أليكس", وممثلاً عن الخارجية الأمريكية "جورج" ومسؤول القوات الخاصة الأمريكية في سوريا وأحد المفاوضين عن قوات سوريا الديمقراطية لدى تركيا "الجنرال كارل".
وعقب الاجتماع بيوم واحد, أعلنت القيادة المركزية الأمريكية عبر حسابها على الـــ"تويتر"، "في غضون /24/ ساعة مضت على اتصال هاتفي بين وزير الدفاع الأمريكي ونظيره التركي، حول الأمن في شمال شرقي سوريا، قامت قوات سوريا الديمقراطية بتفكيك تحصيناتها".
وبحسب البيان، فقد أثبتت قوات سوريا الديمقراطية بذلك تمسكها بدعم تطبيق "الآلية الأمنية", لتبدأ بعدها المرحلة الأولى من الاتفاق.
في 24 من آب / أغسطس, ظهر قائد قوات التحالف الدولي في سوريا ونائب قائد التحالف الدولي ضد تنظيم"الدولة الإسلامية" نيكولاس بوند, في الاجتماع السنوي العام لقادة تشكيلات قوات سوريا الديمقراطية وقال فيه "أي هجوم عسكري من قبل تركيا على مناطق شمال وشرقي سوريا سيؤثر على العلاقات والاتفاقيات مع تركيا", مشيراً إلى أن "قوات التحالف الدولي ستستمر في دعم قوات سوريا الديمقراطية لإحلال السلام والقضاء على داعش".
وتزامن الاجتماع مع انسحاب أول مجموعات وحدات حماية الشعب من الشريط الحدودي مع تركيا, قرب مدينة رأس العين وسحب أسلحتها الثقيلة وذلك على مرأى من الطائرات التابعة للتحالف الدولي ضد داعش لآلية انسحاب الوحدات من النقطة الحدودية وتسليمها للقوات المحلية (المجلس العسكري), لتنسحب بعدها الوحدات من نقاطها الحدودية في مدينة تل أبيض بعد أن ردمت الأنفاق التي كانت قد جهزتها إثر التهديدات التركية لشمال وشرقي سوريا، بناء على تفاهمات "الآلية الأمنية".
وبدأت أول دورية أمريكية–تركية مشتركة في 8 أيلول/ سبتمبر 2019 شرق مدينة تل أبيض بالتنسيق مع مجلس تل أبيض العسكري، الذي استلم النقاط التي انسحبت منها قوات سوريا الديمقراطية مع أسلحتها الثقيلة, بعد أن أثنت قوة المهام المشتركة لعملية العزم الصلب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" أهمية الدور الذي تلعبه قوات سوريا الديمقراطية شمالي سوريا, إثر حديث الرئيس التركب رجب طيب أردوغان الذي هدد وقتها أن بلاده ستطلق عملية عسكرية أحادية شمالي سوريا، في حال لم تتمكن قواته من السيطرة على المنطقة الآمنة.
ردود الأفعال التي ظهرت بعد تسيير الدورية المشتركة الأولى أوضحت أن الاتفاق يمضي بشكل ينبئ باستمراره, إذ عقدت قيادة التحالف الدولي اجتماعاً مع رئاسة مجلس تل أبيض العسكري ورئاسة الإدارة الذاتية في تل أبيض, في 15 أيلول/سبتمبر, لبحث آليات التنسيق الأمريكي مع مجلس تل أبيض العسكري ضمن اتفاقية "الآلية الأمنية". وحضره العميد تورنر, نائب قائد القوات الخاصة لعملية العزم الصلب التي يخوضها التحالف الدولي ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا, والرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية بتل أبيض والرئاسة المشتركة لمجلس تل أبيض العسكري, وسلط الاجتماع الضوء على آلية عودة النازحين والمشمولة ضمن اتفاق "الآلية الأمنية" وأكد على ضرورة أن تكون العودة طوعية.
من جانبه أصدر المتحدث باسم قوة العمليات المشتركة – عملية العزم الصلب التابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق والشام- الكولونيل مايلس ب. كاغينس, على هامش الاجتماع, تصريحا لوسائل الإعلام, قال فيه أن التحالف يجد نفسه "ملزماً بإنجاح الآلية الأمنية من أجل الشراكة القوية مع قوات سوريا الديمقراطية." وبدورها أعلنت روسيل زنارين الرئيسة المشاركة لمجلس تل أبيض العسكري التزامهم الكامل ببنود الآلية الأمنية, مؤكدة "نتعاون مع المجلس المدني وقوى الأمن الداخلي على تأمين المنطقة لتعزيز استقرارها."
طائرات مروحية مشتركة بين القوات الأمريكية والتركية كانت تراقب في اليوم التالي, عملية ردم الأنفاق في القرى الغربية لمدينة رأس العين, استكمالا للمرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق الأمريكي – التركي.
المجموعة الأخيرة من قوات وحدات حماية الشعب والموجودة على الشريط الحدودي بين رأس العين وتل أبيض, انسحبت في 21 أيلول/ سبتمبر, وذلك بعد ردم خنادقها في ثلاث نقاط حدودية شرقي تل أبيض, ليبدأ تسيير الدورية الأمريكية – التركية الثانية في الرابع والعشرين من الشهر ذاته.
وفي ظل استمرار التهديدات التركية بالهجوم على "شرق الفرات", تم تسيير الدورية الأمريكية – التركية الثالثة والأخيرة في 4 تشرين الأول/ أكتوبر.
التهديدات المستمرة تزامنت مع تصريحات من قبل وزارة الدفاع والخارجية الأمريكية اللتان أكدتا استمرار عزم واشنطن على الالتزام بالآلية الأمنية مشددتين على استمرار أمريكا بتحقيق هدفها الأساسي في المنطقة وهو القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية".
الاتفاق الأمريكي التركي لم يسر وفق إعلان الدولتين, إذ أن تركيا, التي كانت تود "معالجة مخاوفها" على الحدود, والتي تدعوها الأطراف الدولية بـ"المخاوف المشروعة", بدأت هجماتها العسكرية في 9 تشرين الأول /أكتوبر بتوغل بري وضربات جوية, لم تستهدف فيها "المنطقة الآمنة" فحسب, بل تجاوزتها إلى كل مدن الشمال السوري المتاخمة للحدود, من ديريك/ المالكية في أقصى الشمال الشرقي وحتى عين العرب/كوباني, لتتسبب بجرائم حرب لم تقتصر على التطهير العرقي؛ من خلال إفراغ مدينتي سري كانيه وكري سبي من سكانها فحسب, بل تجاوزتها إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية واستخدام أسلحة محرمة دولياً.
أما الولايات المتحدة والتي كان قد قال ممثل عن خارجتيها "جورج" ضمن اجتماع اتفاق "الآلية الأمنية"، في 22آب/أغسطس الفائت، إنها تتفاوض مع تركيا نيابة عن قوات سوريا الديمقراطية لضمان تمثيل مصالح الأخيرة بأفضل شكل, وكان قد أكد مسؤول قواتها الخاصة "الجنرال كارل" أن "القوات الأمريكية ستبقى في المنطقة في حال جلب تركيا لقواتها العسكرية", مشدداً على أن اتفاق "الآلية الأمنية" لا يسمح بدخول تركيا وأن الاتفاق لا يشمل أي خطوة تسمح بالوجود الثابت لتركيا في سوريا, خرجت بآراء مخالفة عقب الهجمات.
إذ ترافقت الهجمات التركية التي أعقبت المكالمة الهاتفية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في 6 تشرين الأول/ أكتوبر, مع قرارات جديدة من البيت الأبيض من ضمنها انسحاب القوات الأمريكية من المناطق الحدودية, ليتطور الأمر إلى انسحاب القوات الأمريكية من معظم مناطق الشمال السوري وخروج أول قافلة لها من شمال شرقي سوريا إلى إقليم كردستان العراق في 21 تشرين الأول/ أكتوبر, ما دفع مسؤولين كرد إلى اتهام الإدارة الأمريكية بعدم الالتزام بوعودها.
انسحبت القوات الأمريكية من نقاطها في قرية تل أرقم (5 كم غرب سري كانيه), بعد يومٍ من المكالمة, الأمر الذي ولّد خوفاً لدى سكان المدينة التي فرغت من سكانها. لم تتم الاشارة للانسحاب هذا في الاجتماع, وإنما على العكس؛ إذ قال "الكولونيل كارل" أثناء وجوده فيها أن "القوات الموجودة في النقاط القريبة من تل أرقم ستبقى في مكانها" مؤكداً جلب قوات أمريكية إضافية إلى المنطقة من أجل المساعدة في تسيير الدوريات.
يقول الجنرال كارل الذي أكد خلال الاجتماع إن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع قوات سوريا الديمقراطية مبنية على الشفافية والصراحة, إن أي صراع كردي-تركي, يعرض موقف الولايات المتحدة من ملفي حفظ الاستقرار والقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) للخطر, ويضيف أن "موضوع خروج القوات الأمريكية من سوريا لن يكون بالأمر القريب", إذ أن الإدارة الأمريكية قد بدأت بوضع استراتيجيات جديدة من أجل استمرار محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".
إلا أن اسبوعين من الهجمات التركية كانت كافية للتشكيك بمدى جدية مخاوف الولايات المتحدة حول الحرص على عدم عودة التنظيم, إذ أن القصف التركي العشوائي على محيط القامشلي تسبب بهروب عدد من أعضاء التنظيم. والمعارضة المسلحة التابعة لتركيا من جهتها وبعد توغلها إلى مدينة عين عيسى, قامت بإخراج المئات من نساء وأطفال التنظيم من الجنسيات العربية والأجنبية وساقتهم إلى أماكن مجهولة.
وبعد وقوع مئات الضحايا والجرحى, ونزوح مئات الآلاف من مدنهم وتفريغ مدينتي سري كانيه وكري سبي من سكانها, إلى جانب استهداف القصف لمراكز حيوية ومرافق عامة, ينتظر سكان شمال وشرقي سوريا أن ينفذ أحد الأطراف المنخرطة في الأحداث السورية التزاماً, يلملم معه الفوضى التي خلفها اسبوعان من الهجمات.