السلطة الفلسطينية تقبل أموال “الضرائب” من إسرائيل منقوصة لخشيتها من الانفجار

رام الله – NPA
ترجمةً لما كشفه مصدر مطلع قبل نحو شهر، حول تقدم سنشهده في أزمة أموال "الضرائب" بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بعد انتخابات الكنيست، أعلن وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ- في أعقاب لقائه بوزير المالية الاسرائيلي موشيه كحلون- عن الاتفاق على تحويل تل ابيب دفعة مالية من مستحقات السلطة المحتجزة لدى إسرائيل، مع بقاء الخلاف على مستحقات "عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين".
فبعدما تم الاتفاق على جباية السلطة ضريبة "البلو" (المحروقات) بشكل مباشر دون تدخل إسرائيلي، تم الإعلان قبل أيام قليلة عن تطور جديد يقضي بالاتفاق على تسلم الأموال الفلسطينية المحتجزة، دون حل لقضية مستحقات "اهالي الشهداء والأسرى".
غير أن الشيخ حاول أن يدافع أمام الرأي العام الفلسطيني-ضمناً- عن هذه الخطوة من السلطة؛ باعتبار أنها "لم تتنازل بشأن رواتب عائلات الشهداء والأسرى، والدليل التأكيد على استمرار السلطة بدفعها مهما كان الثمن".

"السلطة وإسرائيل قررا النزول عن الشجرة"
لا أحد ينفي أن السلطة الفلسطينية نزلت عن الشجرة وإن لم تستجب لشروط إسرائيل بخصوص مستحقات أهالي "الأسرى والشهداء"، لكن إسرائيل نفسها وفي سياق الحوار الثنائي بين الطرفين، نزلت هي الأخرى عن الشجرة بمستوى يساعد السلطة أن تفعل ذلك أيضاً للخروج من الأزمة التي يعني استمرارها الإضرار بمصالح السلطة وإسرائيل معاً- كما يقول مراقبون ل"نورث برس".
وفي السياق، يقول مصدر مطلع على الحوار الفلسطيني-الإسرائيلي ل"نورث برس" إنه توجد مصلحة متبادلة بين السلطة في رام الله وإسرائيل في تجاوز الخلاف القائم بخصوص اقتطاع إسرائيل للأموال التي تذهب كرواتب لعائلات "الشهداء والأسرى".
ويبين المصدر أن مخاوف إسرائيل من أن تؤدي أزمة اموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها تل ابيب، والتي بدأت في شباط/ فبراير الماضي لانفجار الشارع الفلسطيني، باتت تتعاظم، خاصة على ضوء وقوع عملية تفجير قرب رام الله قبل ما يزيد عن شهر أدت لمقتل شابة إسرائيلية، وقبلها عملية قتل إسرائيلي شمال الخليل وعمليات إطلاق نار أخرى.
كما وتعززت المخاوف الإسرائيلية من مآلات أزمة "المقاصة" التي اضطرت السلطة الفلسطينية بسببها لدفع أنصاف رواتب لموظفيها طيلة الأشهر الماضية بموازاة تعطيل عجلة الاقتصاد في الضفة الغربية, بعد صدور تقارير أمنية لدى الدولة العبرية مفادها "أنه تم إحباط نحو مئة عملية تفجير في الأشهر الأخيرة فقط.. وهذا يمثل دليلاً واقعياً على تنامي الغضب في الشارع الفلسطيني".
ووفق المصدر، فإن عملية التفجير التي وقعت قرب رام الله، والتقارير الأمنية التي تحذر من تفجر الميدان بشكل يؤثر على مكانة السلطة وقدرتها على السيطرة على الأمور، وخاصة في ظل اشتداد الخناق الاقتصادي عليها، اضطرت للنزول عن الشجرة ولو لدرجة معينة؛ بغية مواجهة هذه المحاذير.
فبدت العملية التفجيرية قرب رام الله وإحباط عشرات اخرى، فضلاً عن عوامل ظرفية وموضوعية أخرى، قد سرّعت من نزول رئيس السلطة محمود عباس عن الشجرة؛ فهو لطالما يرفض نهج العمليات العسكرية ضد إسرائيل.
فالسلطة الفلسطينية على الأقل حتى هذه المرحلة تنازلت عن موقفها بعدم تسلم أموال "المقاصة" منقوصة، لتقول "إنها قبلت باستلام مبلغ كبير من أموال المقاصة المحتجزة مع استمرار قضية رواتب عائلات الشهداء والأسرى".
لكنها تعود وتقول على لسان قيادي رفيع ل"نورث برس" إن تراجع السلطة لم يكن له ثمن سياسي، بل أن "التزامها اتجاه عائلات الأسرى والشهداء سيبقى ثابتا ومتواصلا."
وأضاف هذا القيادي أن ما جرى جاء بعد انتزاع موافقة إسرائيلية بإرجاع العمل باجتماعات اللجان الفنية المشتركة بين الجانبين والمتوقفة منذ عام 2000، حيث أن الحكومة الإسرائيلية انتهزت الفرصة على مدار تسعة عشر عاماً لتقوم بكتابة الفواتير على مزاجها، وتنفذ خصومات غير شرعية من أموال الشعب الفلسطيني.
ويعني هذا، وفق القيادي الفلسطيني، أن الاجتماعات ستجري بين "دولة ودولة"، وليس فقط على مستوى "الإدارة المدنية" التابعة للجيش الإسرائيلي، وهو ما اعتبره "إنجازاً" وانتصارا".
ولهذا، باشرت هذه اللجان المشتركة اجتماعاتها، الأحد، فتح كل الملفات الاقتصادية والمالية العالقة مع إسرائيل, ليس فقط الضرائب، بل الصحة والمعابر والاتصالات، ومراجعة كل الاتفاقيات، معتبراً أن هذا "تطور مهم" .
ويتحدث القيادي في السلطة الفلسطينية عن مبرّرين آخرين لتراجعها عن موقفها بقبول أموال المقاصة منقوصة؛ الأول، أن السلطة ذاهبة نحو التحكيم الدولي، وهذا يحتاج إلى تقديم قضية بأموال محددة.. ليس كل الأموال، وإنما فقط مستحقات الشهداء والأسرى التي تحتجزها إسرائيل.
وأما المبرر الثاني، فهو بمثابة إقرار رسمي بعدم مقدرة السلطة على تحمل أزمة المقاصة أكثر من ذلك لأن المحاذير يعني تهديد وجود السلطة والنظام السياسي القائم؛ حيث أن عجلة الاقتصاد تعطلت منذ بداية العام الجاري، وهناك مستحقات متراكمة على الحكومة لصالح القطاع الخاص والبنوك والمستشفيات، وغيرها.. ولهذا، فإن استرجاع السلطة نحو مليار وثمانمائة مليون شيكل، سيساعد على "صمود الفلسطينيين"، وتحريك الاقتصاد الوطني، وفق قول الجانب الرسمي.
وبذلك، يتبقى لدى إسرائيل نحو مليار وثمانمائة مليون شيكل، بينها نحو 420 مليون شيكل منذ بداية العام التي توازي ما تحتجزه من مستحقات "عائلات الشهداء والأسرى"، بمعدل 43.2 مليون شيكل شهرياً لصالح هذه المستحقات.
الواقع، أنه لا يُعرف إن كان التفاهم المبدئي الفلسطيني-الإسرائيلي يعني أن السلطة ستسلم كل شهر أموال "المقاصة" من إسرائيل منقوصة، أم أن الحديث يدور فقط عن تحرير تدريجي لمليارات فلسطينية سابقة عن الأشهر الماضية؟!..
الحقيقة، أن ما فهمته "نورث برس" من مصادر متطابقة في هذا المضمار هو أن الحديث يدور عن استمرار الحوار بدلاً من القطيعة، وإذا تقدم الحوار ستأخذ السلطة كامل الأموال.
وتشدد المصادر على ضرورة أن يتم تحرير الأموال الفلسطينية أولاً، ثم تكون الخطوة القادمة بالحوار مع إسرائيل، وهذا الحوار يجب أن يأخذ بعين الاعتبار عدد من المتغيرات في المجتمع الاسرائيلي- بحسب ما يقوله مصدر فلسطيني ل"نورث برس"؛ إذ أن الانتخابات الإسرائيلية أفرزت نتيجة جديدة شكلت ضربة لنتنياهو بطريقة أو بأخرى، وفتحت أفقاً امام إمكانية تغييره، ومجيئ الجنرال السابق بني غانتس.. ولحين أن يتحقق ذلك، يكون قد فُتح حوار فلسطيني إسرائيلي.
وبحسب المصادر، فإن الحل المبدئي بين السلطة وإسرائيل ليس فيه نتيجة قاطعة تقول "ماذا سيحدث الشهر القادم؟"، لكن.. نتحدث حتى الآن عن حل بشأن الأموال المحتجزة عن الأشهر الفائتة، وربما تقع متغيرات بالسياسة الإسرائيلية تفتح آفاقاً أمام حل جديد.
ووفق إفادات سياسية ل"نورث برس" فإن رسائل وصلت للسلطة قادمة من غانتس، يطمئنها فيها بأنه في حال تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فإنه سيغير التعامل مع السلطة والشعب.. ولهذا، فإن وجهة نظر لدى أوساط قيادية فلسطينية في رام الله ترى أنه ليس خطأ أن تتم محاولة ابقاء الحوار على نار هادئة ولكن دون التوصل لموقف يغير أي من شروط الطرفين.. فكل طرف متمسك بموقفه وكل ما هناك انه تم فتح باب جديد للحوار بدلاً من القطيعة، وتم تحرير قسم من الاموال المحتجزة لدى إسرائيل، تضيف هذه الأوساط.
ومع ذلك.. يبدو ان المواطن الفلسطيني "غايب طوشة"؛ إذ تتعالى أصوات في الشارع الفلسطيني وحتى من مراقبين، لتتساءل: "ماذا جرى حقاً حتى تراجعت السلطة عن شرطها بشأن أموال المقاصة, وهل إرهاق الموظف الفلسطيني وإرباك عجلة الاقتصاد طيلة الأشهر الفائتة فقط مقابل تفعيل اللجان المشتركة؟!".