تعديل وزاري مُرتقب.. السلطات المصرية أمام نُذر تنازلاتٍ “مؤقتة” لتمرير الأزمة

القاهرة- NPA
لا شك أنّ الأزمة الأخيرة التي واجهتها السلطات المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبوصفها أزمةً غير مسبوقةً منذ تولي السيسي الرئاسة، سوف تفتح الباب أمام قراراتٍ ومعالجاتٍ مغايرةٍ لعديد من القضايا والسياسات الرئيسية؛ لمواجهة واحتواء غضب قطاعٍ عريضٍ من الشارع المصري، وتأثره بسياسات الحكومة الحالية، في محاولةٍ لتمرير الأزمة، ولو بشكل مؤقت، ومن أجل إعادة ترتيب الجبهة الداخلية، التي جاء اشتعالها الأسبوع الماضي مفاجئاً من خلال كسر حاجز الخوف في ظل القبضة الأمنيّة الواسعة التي تشهدها مصر.
مسألة إعادة السلطات المصرية النظر في سياساتها – ولو بشكلٍ مؤقت – ليست في سياق التوقعات أو الحديث عما يجب أن يحدث لتمرير الأزمة، لكنها على ما يبدو صارت أمراً يدخل بالفعل حيز التنفيذ تدريجياً، وهو ما يُمكن استنباطه من تصريحاتٍ عديدٍ من المسؤولين الرسميين في الدولة، بدايةً من رئيس الجمهورية الذي خرج، مساء الأحد الماضي، بتغريدات يغلب عليها اللهجة الودّية والاستمالية، والتي أعلن فيها متابعته بشكلٍ دقيقٍ لمتاعب وهموم مشكلات المواطنين، بخاصة البسطاء. وتطرق بالحديث عن أمر يلمس كثيراً من المصريين وهو مسألة "الدعم" وتحديداً "البطاقات التموينية" مُلمحاً لإعادة النظر فيها، وعلاج أوجه القصور التي شابت المنظومة مؤخراً، والتي أدت لحرمان الكثير من الأسر منها.
تصريحات السيسي الوديّة، الهدف منها استمالة قطاع عريض جداً من الشعب المصري من البسطاء ومحدودي الدخل، الذين ربما هم أكثر المتضررين من سياسات الحكومة الاقتصادية ومن الإجراءات الصعبة التي تتخذها الدولة، وهم أكثر من يمكن استمالتهم لمناوئة السلطات المصرية، والذين أيضاً راهن عليهم الداعون للتظاهرات الأخيرة، عندما استغلوا الوضع الاقتصادي المتردي لهؤلاء تحديداً، في التحريض على السلطات المصرية بزعم أنّ الدولة بينما تمارس عليهم ضغوطاتٍ اقتصاديةً تتوسع هي في مشاريعٍ فاخرةٍ وقصورٍ رئاسيةٍ تشوبها شبهات فسادٍ وإهدار مالٍ عام.
جسّدت تلك التصريحات نذر مراجعة طفيفة لسياسات الحكومة الصارمة، وسياسة "الأمر الواقع" التي تفرضها، بما ينذر أيضاً بمراجعاتٍ وتراجعاتٍ عن بعض السياسات للتخفيف عن كاهل المواطنين، في انحناءةٍ بسيطةٍ لتيار الغضب الجارف كي لا يطيح بالسلطات المصرية، بعد أن أظهرت الفعاليات الاحتجاجية الأخيرة اتساع رقعة الغضب، ومن ثمّ كانت تلك الانحناءة وما يتلوها من مراجعات ضرورية لعلاج الموقف في الجبهة الداخلية، وتفويت الفرصة على المتربصين من المعارضين بالداخل والخارج، والذين بدت قوتهم في الحشد مؤخراً وتأليب الرأي العام المحلي، في خطٍ متوازٍ مع معاناة الكثيرين تحت وطأة الضغوطات الاقتصادية المختلفة، والارتفاعات الجنونية في أسعار السلع والخدمات.
تتلو تلك الخطوة التمهيدية (خطوة مراجعة مسألة الدعم) خطواتٌ أخرى حتمية، في محاولاتٍ مرتقبةٍ من الحكومة لاستيعاب تصاعد الضغوطات الداخلية والأعباء التي أثقلت كاهل المواطن العادي.
وفي إطار مراجعة السياسات، ذكرت مصادرٌ قريبة الصلة من الحكومة، أنباءً عن "إجراء الجهات الرقابية تقييماً شاملاً للوزراء، تمهيداً لإجراء تعديلٍ وزاريٍ موسّعٍ في الفترة المقبلة".
يُرجّح أن يكون ذلك التعديل المُرتقب ضمن وسائل السلطات المصرية لتهدئة الشارع المصري واحتوائه، والتغطية على الدعوات المناوئة التي ظهرت بقوةٍ خلال الفترة الأخيرة.  وفيما لم يتسن لـ"نورث برس" التأكد من المعلومة من مصادرها الرقابية، إلّا أنّ مصادر برلمانية سرّبت تلك الأخبار. ونقلت تقارير إعلامية مصرية محليّة عن مصادر برلمانية قولهم إنّ تعديلاً وزارياً مرتقباً قد يشمل ثمان حقائب وزارية مرتبطٌ عملها ارتباطاً وثيقاً بالمواطنين.
وضمن رسائل الطمأنة التي يتم تداولها إعلامياً، وتنذر بتنازلاتٍ حكوميةٍ لتمرير الأزمة، ما ردّدته تقاريرٌ إعلامية خلال الساعات القليلة الماضية بشأن نذر إقرار الحكومة لخفضِ أسعار المواد البترولية بدايةً من الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بعد ربطه – من خلال آلية التسعير التلقائي- بسعر صرف الدولار، الذي يشهد تراجعاً في مصر حالياً.
كما ترددت أنباءٌ عن اتجاه الحكومة المصرية لإرجاء زيادةٍ مقررةٍ للشرائح الكهربائية. لكنّ الدكتور أيمن حمزة، المتحدث الرسمي لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، نفى في تصريحات إعلامية له وجود قرار رسمي بشأن زيادة الأسعار أو موعدها. لكنّه في الوقت ذاته تحدث عن استراتيجية الدولة في رفع الدعم نهائياً عن الكهرباء خلال عامين، ولكن "ستساهم الدولة في دعم الفئات الأقل استهلاكاً عن طريق منظومة الدعم التبادلي بين تلك الفئات المستهلكة ووزارة الكهرباء".
تشكل تلك الأنباء المتواترة والتي يتناقلها الإعلام المحلي، إشارةً لنذر المراجعة الداخلية التي يصفها البعض بـ"الحتمية" في ظلّ الأوضاع الراهنة؛ لاحتواء الشارع، من خلال تقديم تنازلاتٍ مؤقتةٍ عن بعض السياسات التي يعاني منها المواطن اقتصادياً.
واتبعت السلطات المصرية سياسةً اقتصاديةً اعتمدت على تنفيذ الإجراءات "الصعبة" التي ابتعد عنها رؤساء مصريون سابقون، ممثلة في تعديل منظومة الدعم، وزيادة الضرائب، وتعويم الجنيه المصري، وهو ما كان له أثر مباشر على ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ومن ثم زيادة الأعباء على المواطنين، في مرحلة وصفتها السلطات المصرية بـ"مرحلة بناء الدولة الحديثة، والتي تتطلب تضحيات وصبر حتى يجني الشارع ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي".