غانتس لا يختلف جوهرياً عن نتنياهو فيما يخص الفلسطينيين والإقليم!
رام الله ـ NPA
منذ سطوع نجم تحالف "أزرق أبيض" بزعامة الجنرال الإسرائيلي المتقاعد بني غانتس في الحادي والعشرين من شباط/فبراير الماضي أي قبل سبعة أشهر، دخلت الدولة العبرية بمرحلةٍ سياسيةٍ جديدةٍ لم تُبقِ اليمين الحاكم منذ عشرة سنواتٍ مرتاحاً كما ذي قبل، بل بات مهدداً بقوة منافسة.
الحق، أنّ الأمر يختلط كثيراً على الإعلام الدولي والمراقبين من بعيد حينما يذهبون إلى وصف تحالف بني غانتس باليساري أحياناً.. بل على العكس هو يميني ولكنه (وسطي وليبرالي) حاول أن يطرح نفسه كـ"مُنفَتحٍ" على اليسار والعرب واليهود الإثيوبيين في إسرائيل، كضرورةٍ حتميةٍ لمواجهة سطوة نتنياهو على الحكم، رغم أنّ غانتس يحمل- بالمحصلة- نفس النهج العسكري والسياسي الذي ينتهجه نتنياهو إزاء ما تسمى بـ"المخاطر الإقليمية" في سوريا ولبنان والعراق واليمن، إضافةً إلى قطاع غزة.
ناهيك عن "ثبات" غانتس على "اللاءات" ذاتها التي يتمترس خلفها اليمين الحاكم بزعامة نتنياهو في إطار أي اتفاق للسلام مع الفلسطينيين، ألا وهي "رفض الانسحاب من الأغوار، وبقاء المستوطنات في الضفة الغربية، والقدس عاصمةً موحدةً لإسرائيل، ورفض عودة اللاجئين".
غانتس استفاد كثيراً من انقلاب حزبٍ يميني على نتنياهو، كان حليفاً للأخير حتى قبل أشهرٍ فقط، ألا وهو حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة افيغدور ليبرمان، والذي بسببه أُعيدت الانتخابات التي جرت في نيسان/أبريل الماضي، بعد ما يزيد عن خمسة أشهر، كوسيلةٍ للخروج من مأزق تشكيل الحكومة في ظل عدم الحسم المُريح لأي من المُعسكرين. وها هي الانتخابات الثانية تؤدي إلى الإشكالية والأزمة نفسها أيضاً بسبب "حالة اللا حسم".
إن التقارب الشديد بين معسكري اليمين "المتشدّد" ويمين الوسط-يسار، وإن تقدم حزب "كاحول لافان" الذي يقوده غانتس بمقعدين، يُظهر أنّ اليمين لم يمت بعد، كما أنّ اليسار نفسه لم يمت بإسرائيل، وهذا ما أكّده عضو الكنيست الإسرائيلي السابق يوسي بيلين في مقال نشره بصحيفة "إسرائيل اليوم".
قلوب مع اليسار
في صفوف "أزرق أبيض" يوجد عددٌ غير قليلٍ من أعضاء الكنيست قلوبهم مع اليسار، المكان الذي ناضلوا فيه من أجل تقليص الفجوات الاجتماعية وإعطاء فرصٍ متساويةٍ.. أشخاصٌ يؤمنون بأنّه لا يمكن الكلام عن دولة يهودية غير ديمقراطية، ويدركون أنّ لـ"الجيران الفلسطينيين" الحقوق نفسها التي لدى الإسرائيليين، وأنّ من الأفضل للطرفين أن يتمتع الفلسطينيون بهذه الحقوق في دولةٍ خاصةٍ بهم لا في دولةٍ مشتركةٍ لا تقدر أن تكون دولةً يهوديةً.
ولهذا يرى يوسي بيلين في مقاله أنّ حلّ الكونفدرالية الإسرائيلية – الفلسطينية بين دولتين مستقلتين وذاتي سيادةٍ يمكن أن يكون الحلّ الأمثل بالنسبة إلى الطرفين. ويبدو أنّ نتيجة الانتخابات الإسرائيلية قد عزّزت كثيراً ومجدداً هذا الطرح "المرن" من يوسي بيلين وكذلك أصواتٌ إسرائيليةٌ محتملةٌ ستصب بهذا الاتجاه بعد غيابٍ، مقارنةً بسياسة حكومة تل أبيب "الاحتلالية" في عهد اليمين المتطرف.
وهذا الأمر فتح الباب أمام إمكانية إعلاء صوت هؤلاء على صوت الأشخاص الذين وصلوا إلى أزرق أبيض من عمق اليمين، الذين يتكلمون بلغة الضم والإقصاء. إذا لم يتحقق هذا الأمر، فإن حزب "كاحول لافان" سيتحول إلى حزب زائل، والأصوات التي صبّت لمصلحته ستعود إلى الأحزاب التي تركتها.
ويعني هذا أنّ حزب بني غانتس، يبدو منفصماً في ظل وجود أشخاصٍ متعددي التوجهات المتضاربة بين يسارية ويمينية.. ولكن، ربما هذه الوسيلة المتدحرجة والتراكمية التي تخرج إسرائيل رويداً رُويداً من حُكم اليمين؛ ذلك أنّ إنهاء حكم اليمين المتشدّد لن يُلجَم دون هذه المرحلية المتمثلة بـ"ظاهرة كاحول لافان".
حتى أنّ المجتمع الدولي نفسه بات يُريد هذا التدحرج لإنهاء حكم اليمين الإسرائيلي، باعتباره يوتر المنطقة بسبب سياساته وممارساته. ولا ننسى أنّ الإدارة الأمريكية التي منحت نتنياهو العديد من الهدايا لتثبيت حكمه في الفترة الماضية من قبيل "هدية القدس" و"هدية الجولان" هي الأخرى باتت تفكر بطريقةٍ جديدةٍ الآن على ضوء نتائج انتخابات الكنيست.
وتجلّى هذا بتصريح ترامب في معرض تعليقه على نتيجة انتخابات الكنيست، قال فيه "لست قلقاً من النتيجة، فعلاقتي مع إسرائيل وليس مع نتنياهو". كما وهناك مؤشرٌ بتفكير هذه الإدارة باتجاه بلورة حكومةٍ إسرائيليةٍ موسعةٍ تشمل الليكود "وأرزق أبيض" وجهات أخرى دون وزراء متشدّدين، ما سيساعد على تقليل حجم المعارضة في سياق حكومة من هذا النوع لخطة السلام الأمريكية المعروفة إعلامياً باسم "صفقة القرن" حينما تُطرح خلال الفترة القريبة.
ولهذا جاء مبعوث الرئيس الأمريكي جيسون غرينبلات مُهرولاً إلى إسرائيل مساء الخميس، في أعقاب النتيجة، في محاولة منه للتأثير باتجاه المساعدة على تشكيل حكومة موسّعة تضم الجميع، من أجل إنجاح "صفقة القرن".
وفي السياق، يقول مصدرٌ واسع الاطلاع لـ"نورث برس"، إنّه علم من دوائرٍ استراتيجيةٍ مُهمّة في الولايات المتحدة، تقديرها أن الحلّ للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي سيكون مُمكناً في مرحلةٍ معينةٍ خلال السنوات الثمانية القادمة؛ ما يعطي انطباعاً أنّ هذه الدوائر الأمريكية تعوّل على متغيراتٍ سياسيةٍ ما، في إسرائيل والسلطة الفلسطينية وكذلك إقليمياً، من شأنها أن تخلق مُناخاً ممكناً لتطبيق هذا الحلّ.