عودةُ قياديّ سابقٍ في إحدى الفصائل اللبنانية التي تعاملت مع إسرائيل يفتحُ ملفّ العملاء على مصراعيه

بيروت ـ ليال خروبي ـ NPA
لا يزالُ ملفّ اللبنانيين المبعدين بسبب تعاملهم مع الجيش الاسرائيلي إبان احتلاله للبنان عالقاً منذ عام 2000 تاريخ خروج الإسرائيليين من الشريط الحدوديّ الجنوبيّ، فلبنان لم يجد السبيل لحلّ الإشكاليات القانونية المتعلّقة بعددٍ من الذين غادروا بصحبة عائلاتهم مع الجيش الإسرائيلي وبات الملفُّ أسيرَ تجاذباتٍ سياسية وطائفية كبيرة.
وعادَ اليوم هذا الملفّ وبقوّة ليتصدر المشهد الإعلامي والسياسي والقضائي في لبنان مع عودة عامر الفاخوري القياديّ السابق في فصائل جيش لبنان الجنوبي التي تعاملت مع إسرائيل، عبر مطار بيروت الدوليّ مطلع الأسبوع الماضي، وما رافقَ هذه العودة من صخبٍ شعبيّ وإعلاميّ دفعت بالنيابة العامة العسكرية لتوقيفه يوم الخميس الماضي، والإدعاء عليه بجرم التعامل مع إسرائيل.
وغادر الفاخوري لبنان إلى واشنطن في العام 1998، أي قبل عامين من الانسحاب الإسرائيلي، وصدر في العام نفسهِ حكمٌ غيابيّ بحقّ الفاخوري بالسجن لمدة /15/ عاما مع الأشغال الشاقة بتهمة العمالة.
واتهمت منظمة العفو الدولية "جيش لبنان الجنوبي" الذي كانت إسرائيل تموله وتسلحه في جنوب لبنان بارتكاب أعمال تعذيب منهجية، ولا سيما في معتقل "الخيام" الذي كان يديره الفاخوري، وضم الفصيل نحو /2500/ عنصر، وتشكلت إثر انشقاق وحدة من الجيش اللبناني عن القيادة عام 1976 إبّان الحرب الأهلية اللبنانية بعد أن تمّت محاصرتها في الجنوب، وراحت تقاتل الفصائل الفلسطينية واليسارية آنذاك.
وعلى مستوى المعالجة القانونية أصدر البرلمان اللبناني عام 2011 قانوناً نصَّ على أن "يخضع المواطنون اللبنانيون من ميليشيا جيش لبنان الجنوبي الذين فروا إلى الأراضي المحتلة في أي حين للمحاكمة العادلة ويلقى القبض عليهم عند نقطة العبور من الأراضي المحتلة ويسلَّمون إلى وحدات الجيش اللبناني".
لكن منذ عام 2011 لم يعد إلى لبنان سوى العشرات، وجلهم من عائلات الفارين الذين يلحظ القانون نفسه وضعهم، وينص على عودتهم بشرط تسجيل أسمائهم لدى وحدات الجيش اللبنانيّ.

هل بدأت التسوية السياسية لعودة العملاء؟
يقعُ ملفّ اللبنانيين المبعدين على رأس أولويّات التيار الوطني الحرّ الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل صاحب الطموحات الرئاسيّة والتي يتطلب تحقيقها شعبيّة مسيحيّة واسعة على اعتبار أنّ معظم الذين انتموا لجيش لبنان الجنوبي في الثمانينات والتسعينات هم من المسيحيين.
وقد شكّل هذا الملفّ بنداً أساسياً من بنود ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر التي وقعت في العام 2006 والتي نصّت على أنَّ "حلَّ مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى إسرائيل تتطلّب عملاً حثيثاً من أجل عودتهم إلى وطنهم آخذين بعين الاعتبار كلّ الظروف السياسيّة والأمنيّة والمعيشيّة المحيطة بالموضوع؛ لذلك نوجه نداء لهم بالعودة السريعة إلى وطنهم".
وقد انبرى عددٌ من الكتّاب والمحللّين اللبنانيين إلى الرّبط بين عودة الفاخوري وبوادر طبخة سياسيّة في الكواليس، خاصّةً أنّ اسمه كان قد شُطبَ عن البرقية /303/ الخاصة بالمتعاملين مع إسرائيل عام 2017، كما تثارُ علامات استفهام من قبيل الجهة الفعلية التي قدّمت له الضمانات للعودة وسهلت دخلوه إلى لبنان.
وفي الصّدد أشارت صحيفة المدن الإلكترونيّة إلى أنَّ "عملية عودة الفاخوري كانت منظمة ومرعية من قبل مسؤولين كبار في الدولة، وهذا في جانب منه له مبرره الإنساني والوطني. إذ أن من غادر لبنان مثلاً مع أهله وكان طفلاً في العام 2000 لا ذنب له. لكن في جانب آخر، هناك حسابات انتخابية وشعبية وسياسية تتبدى في تدبير عودة الفاخوري خصوصاً أنه صاحب الصور مع مسؤولين بارزين في الحزب الجمهوري الأمريكي والرئيس دونالد ترامب. وقد تدخلت السفارة الأمريكية وسفارات أخرى لإطلاق سراحه".
كما تزامنت عودة فاخوري مع حديثٍ أمريكي حول احتمال وضعِ شخصياتٍ مسيحية لبنانية مقربة من حزب الله على لائحة العقوبات، ما دفعَ فرضيّة التودد إلى الأمريكيين من باب تسهيل عودة فاخوري قائمة.
لكنَّ الرواية السياسية للقضية لم يوضحها أحدٌ من المعنيين حتى الساعة وتحديداً حزب الله والتيار الوطني الحرّ، وبقيت عودة الفاخوري يتيمة من دون تبنٍ، بوقائع محجوبة عن الرأي العام اللبناني الذي انصرف إلى طرح الأسئلة التي لا إجابة عنها حتى الساعة.