رحلتان للجهاد في سوريا.. أسترالي تجول بين المدن السورية بحريةٍ (4/5)

روج موسى/جيندار عبد القادر – NPA
من أستراليا مروراً بتركيا وإلى الأراضي السورية التي جال فيها شرقاً وغرباً, محطات عبرها الأسترالي جميل أحمد شقير (35 عاماً), لتحط به الرحال في سجن من كان يسميهم التنظيم بـ"الروافض".
لم تبدأ "رحلة جهاد" شقير في سوريا داخل أراضي "الدولة الإسلامية" ككلِ مواطنيه الذين التقتهم "نورث برس", إذ بدأها من ريف إدلب بدايات عام 2013, منخرطاً مع فصائل المعارضة المسيطرة عليها حينها, لتنتهي رحلته في أقصى شرقي سوريا, بالباغوز سنة 2019.
ويقبع شقير الجهادي الأسترالي ذو الأصول السورية والذي سمى نفسه بـ"أبو بكر الشامي"، في أحد سجون قوات سوريا الديمقراطية  شمال شرقي سوريا، في غرفةٍ منفردةٍ تعزله عن باقي سجناء المهاجع الجماعية.
وكانت لقصة رابع الجهاديين الأستراليين الخمسة الذين التقت بهم "نورث برس"، التي سردها منعطفات عديدة، أبرزها انضمامه لجبهة النصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة، قُبيل توجّهه ليصبح مترجماً لتنظيم "الدولة الإسلامية" مع
الوافدين الأجانب لسوريا والعراق.

بدايةً من القاعدة
بدأت رحلة الجهاد لشقير بالانضمام لجبهة النصرة، التي كانت حينها أحد فصائل المعارضة السورية المسلَّحة، و كانت تتلقى دعماً تركياً سرياً حينها، ويقول بأنَّه "كانت هناك تسهيلاتٌ لعبور الحدود".
مثل أغلب الجهاديين المهاجريين الذين انضموا لتنظيمي الدولة الإسلامية وجبهة النصرة, كان شقير أحد الجهاديين الذي دخلوا عبر تركيا، مُعتبراً نفسه قادماً لـ"مساعدة الناس".
بقي لفترة في ريف إدلب الغربي في مضافات جبهة النصرة، ليشارك بعدها في معارك ريف حلب الشمالي، ويتخذ من أحد معامل الأقمشة بمدينة الشيخ نجار الصناعية، التي كانت تسيطر عليها النصرة مقراً له.

الدافع
وربط شقير سبب انضمامه لجبهة النصرة بالضخ الإعلامي الكبير عن الأزمة السورية في الفترة بين عامي2011 2012-, قائلاً "تذهب للمسجد الكل يتحدَّث عن سوريا، تجلس مع أصدقائك يتحدَّثون عن سوريا، في كل مكان كان يتم التحدُّث عن سوريا" مستبعداً وجود أي ميول دينية متشدّدة.
"لم أكن انضم لمظاهراتٍ لكن كنت انضم لولائمٍ خيريةٍ" في إشارة منه إلى أنَّ الولائم الخيرية التي كانت تحدث في أستراليا كانت تشجّع على القدوم لسوريا.
وشرح الجهادي أنَّ هناك عاملاً ثالثاً دفعه للمجيئ الى سوريا وهو المساندة في الحرب، معتبراً أنَّ أستراليا أجملُ من أن تتركها وتأتي إلى سوريا، دون دوافع قويةٍ.

حصار حمص
الجهادي الأسترالي، الذي كان يتجول بين المدن السورية وكأنَّها سيدني وملبورن، انتقل فيما بعد لمدينة حمص مع زوجته الأسترالية، لكي يشاركا بالقتال لجانب جبهة النصرة اثناء تعرضها للحصار في مدينة حمص،  ذلك الحصار الذي فرضته القوات الحكومية على مناطق سيطرة المعارضة المسلَّحة في المدينة والريف.
كان حصار حمص، آخر محطات الجهادي المهاجر مع جبهة النصرة، حيث قرَّر حينها ألّا يسلّم نفسه للحكومة السورية بل انتقل إلى الرقة عبر مهربين، ليدخل أوائل عام 2014 مدينة الرقة.

جهادي عتيق
يُعتبر شقير من الجهاديين القدماء لدى التنظيم، فهو من المهاجريين الذين انضموا للتنظيم حتى قبل إعلان الخلافة في 29 حزيران/يونيو 2014.
رحلة جهاده مع تنظيم الدولة الإسلامية لم تكن موفَّقةً في البداية ولم تكن بسهولة انضمامه لجبهة النصرة، التي استقبلته من الحدود السورية التركية، يقول "الانضمام للدولة ليس بالأمر السهل، لابد أن يكون لديك معارفاً داخل التنظيم".
يكمّل شقير سرده لقصته، ويقول بأنَّه دخل التنظيم عبر شخص تعرَّف عليه في الرقة، وانتقل لدير الزور لكي يعمل كمقاتل في التنظيم، الأمر الذي يقول شقير بأنَّه لم يعجبه، مما دفعه للخروج من دير الزور ليصبح مترجماً في معسكرات تدريب الجهاديين المهاجريين الوافدين لسوريا.
"واحد متلي ما بيقدر يشوف قيادات كبيرة" يجيب باللهجة العامية وباقتضاب, مضيفاً أنَّه لم يلتقِ بقيادات الصف الأول من التنظيم، قائلاً "شاهدت اشخاصاً في التنظيم لم يكونوا مشهورين، كانوا قياداتٍ في الصفوف الاخيرة مثل ابو عمر الشامي و خطاب الشامي كانوا أمراء للمعسكرات".

الإيزيديات
الجهادي أثناء اللقاء كان يتحدَّث بلغةٍ دبلوماسيةٍ متينةٍ، تدل على معرفته بمفاصل الأمور داخل التنظيم، لكن تخوّفه من أي محاكمةٍ مستقبليةٍ تمنعه من الحديث بصراحةٍ، فبخصوص المجازر التي ارتكبها التنظيم بحق الإيزيدين في شنكال/سنجار شمالي العراق قال "لا أعلم ماهي الدوافع التي دفعت التنظيم لارتكاب مجازر بحقهم".
"نحن محسوبون على الدواعش لذلك بلكي رأيي ما يعجبك" يقولها في إشارة إلى إنَّه لا علاقة له بشيء في التنظيم، وبأنَّ أيّ كلمةٍ سيتفوه بها في اللقاء هي محسوبةٌ على التنظيم المتشدّد.
يستدرك شقير الحديث ليقول بأنَّه إذا كان هناك حقاً إسلامياً بما فعله التنظيم بالإيزيديين فلن يخالفه، مؤكّداً في الوقت ذاته، بأنَّه طوال فترة بقائه في أراضي الخلافة، وتجوله في المعسكرات التدريبية كـ"مترجم" لم يصادف سبايا إيزيديات، منوهاً إلى أنَّه كان يسمع بأنه يتم بيعهنَّ وشرائهنَّ.

دولتا الجولاني والبغدادي
فضَّل شقير تنظيم الدولة الإسلامية على جبهة النصرة، حيث قال بأنَّه انضم في بداية الأمر لجبهة النصرة بدون أيّ إطلاع عليهم، على عكس التنظيم الذي اعتبر شقير "خلافته" الدافع الرئيسي لجلب المتشدّدين والناس العاديين، على عكس النصرة.
يزعم شقير أنَّه كان يتقاضى /50/ دولار امريكياً شهرياً، أي ما يعادل /25/ ألف ليرة سورية، والذي يعتبره مبلغاً زهيداً لشخص واحد، يعيش في مناطق محاصرةٍ وتنحسر مساحتها يوماً بعد يوم، نتيجة عمليات القصف المستمر، ولكن شقير كشف بأنَّه جلب معه أموالاً من أستراليا وكانت حالته ميسورة.

العقوبة
رغم إقراره بأنَّ التنظيم يطبّق شرع الله وهو يتبع أموراً صحيحةً دينياً، لم يرغب شقير العودة للتنظيم في حال عودته عسكرياً مرة أخرى.
"مرينا بأشياء صعبة بحياتنا يعني خبرية صعبة، يلزم التفكير والتريث" يقول شقير وهو يعصر يديه, وعيناه تمتلئان بالدموع.
لم يطلب شقير مثل الجهاديين الأستراليين الآخرين بأن يتم تخفيض حكمه أو إرساله لأستراليا، حيث قال " لا يهم أين أُسجن هنا أو في أستراليا، هي عقوبة بالأخير" مشيراً لعدم معرفته كيف ستتعامل معه الحكومة الاسترالية، التي خمَّن بأنها ستكون معاملةً صعبةً.
وفي نهاية حديثه كشف شقير أنَّه تعرَّف على الجهاديين الثلاثة الآخرين، وأنَّهم تعرفوا على بعضهم البعض في الأيام الأخيرة ببلدة الباغوز قبل قدومهم إلى السجن.

(يُنشر هذا اللقاء ضمن إطار ملف حول جهاديين أستراليين قاتلوا ضمن صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية")