مبتورو الأطراف في الرقة… معاناةٌ مستمرةٌ رغم انتهاء الحرب
الرقة- مصطفى الخليل- NPA
سبَّبت الألغام التي زرعها عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وخاصةً قُبيل خسارتهم المعركة أمام قوات سوريا الديمقراطية 2017، بفقدانِ البعض من أهالي الرقة لحياتهم، كما بُتِرت أطراف العديد منهم نتيجة انفجار تلك الألغام بهم، ما أدى إلى تعرضهم لتشوّهاتٍ جسديةٍ خطيرةٍ، أثرت على حياتهم، وحالتهم النفسية.
وتُعد فئة الأطفال الأكثر تضرراً بالألغام، كونهم أقل احتياطاً و حذراً من الكبار، وكانت مشكلة الألغام من أكثر المشاكل التي عانى منها أهالي الرقة لدى عودتهم إلى المدينة بعد انتهاء الحرب، ومن أبرز التحدّيات التي واجهت مجلس الرقة المدني المُشكَّل في عين عيسى شمالي الرقة/65/ كم في الشهر أيار/مايو 2017، والذي عمل على الكشف عنها وإزالتها، من خلال فِرقٍ خاصةٍ تتبع له.
وقبل تلك الفترة عانى الأهالي من الأحكام و العقوبات القاسية لعناصر التنظيم، والتي كان من ضمنها عقوبة بتر الأطراف أيضاً، بواسطة السيوف والأدوات الحادة، إضافةً لعقوباتٍ أشد قسوةً ومنها؛ قطع الرؤوس، والرجم، و إلقاء الأشخاص من أماكن شاهقة الارتفاع.
ولم تكن طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن بمنأى عن التسبب بالقتل وبتر الأطراف، بسبب الشظايا التي تتناثر هنا وهناك أثناء عمليات القصف، وخاصة في الفترة الممتدة من حزيران/ يونيو إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2017.
"أحكام داعش"
عمر الحمدان، شاب من مدينة الرقة، يسكن في حي الانتفاضة، غربي المدينة، بترَ عناصر التنظيم يده اليمنى وقدمه اليسرى.
يتحدث عمر لـ"نورث برس" وهو مصدومٌ، ويتساءل بين الحين والأخر أثناء المقابلة معه، "هل هذا هو الإسلام؟ لم يقم عناصر التنظيم بتخديري إلا بعد أن نقلوني إلى المستشفى، وبقيت عظامٌ مكسورةٌ عالقة بقدمي، أدت إلى التهاباتٍ ما زلت أعاني منها حتى اليوم".
ويتابع عمر" في أيام داعش الأخيرة كان التنظيم مضطرباً جداً، و كان التوتر بادياً على العناصر، ترافق ذلك مع اشتداد الحصار و الحرب، و صاروا ينفذون أحكاماً قاسية جداً، ولا يتورعون عن قتل أي شخص لأدنى مخالفة وإن كانت بسيطة".
وعن تفاصيل بتر قدمه و يده يقول عمر " في السابع عشر من شهر رمضان 2017، وعند شارع (23شباط)، وسط مدينة الرقة، قام عنصران من عناصر التنظيم بقطع يده، أحدهما كان سورياً من مدينة حلب، ويُدعى أبا رمضان، والآخر كان عراقياً ويُدعى أبا إسلام، كان يضع أحدهما الساطور عند معصم يدي اليمنى، والأخر يضربها بمطرقة حديدية قوية، و بنفس الطريقة بتروا قدمي اليسرى من عند الكاحل" مبيِّناً أنَّ القاضي الذي أصدر حكم البتر به، كان سعودي الجنسية، ويدعى أبا أنس الجزراوي.
هكذا تغيرت حياة عمر، وانقلبت رأساً على عقب، وراحت الأنامل، مع قبضة اليد؛ التي كانت تلف صندويشات الفلافل، وتقدِّمُ الفول والحمص، لزبائنه في مطعمه الصغير الكائن في المنطقة الصناعية شرقي الرقة، و بُترت تلك القدم التي كانت تسعى بحيوية كل صباح إلى ذاك المطعم مصدر رزقه الوحيد، وتحول عمر إلى شخص عاطل عن العمل.
"لو كانت أوضاعي المادية جيدة لعالجت نفسي على نفقتي الخاصة"، يصمت عمر قليلاً، ويتابع: "ولكني لم أعد أقوى على فعل أي شيء، اليوم أخوتي يقومون بمساعدتي مادياً".
ويكشف عمر الأسباب التي دفعت عناصر تنظيم بتر طرفيه" مشاجرة بسيطة مع الجوار، تطور الخلاف بيننا، أدى لتهجمي عليهم داخل بيتهم، في اليوم الثاني، ألقى عناصر التنظيم القبض علي، بعد شكاية من جارنا ضدّي، وعندما تقابلت معه عند القاضي، قال له، أريد تطبيق شرع الدولة الإسلامية بحق عمر، عندها قال القاضي: يا عمر، يُطبَّق عليك حد الحرابة في الإسلام، وهو قطع اليد والقدم".
وعن العلاج الذي يتلقاه عمر حالياً، قال:" منذ شهرين راجعت منظمة صنَّاع الأمل في الرقة، وقاموا بالتكفل بإجراء عملية جراحية لتصحيح البتر في قدمي اليسرى، و معالجة الالتهابات، آملاً بتركيب طرف صناعي لرجلي المبتورة، ولكن نتيجة عدم وجود دعم للمنظمة لم يحدث ذلك، وأقوم كل يوم خميس بمراجعتهم للكشف عن وضع العملية الجراحية".
"طائرات التحالف "
ولم تكن أحكام التنظيم السبب الوحيد لفقدان العديد من ابناء الرقة لأعضائهم، بل كانت الأعمال الحربية سبباً آخر لذلك، ولا سيما قصف طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
عبد العزيز عبد اللطيف/38/ عاماً، عامل، من أهالي حي رميلة شمال شرق مدينة الرقة، يقول:" في 16 آذار/مارس عام 2017، وأثناء قصف طائرات التحالف الدولي للرقة، تعرَّضت ابنتي خولة البالغة من العمر/7/ سنوات لشظية أدت لبتر قدمها اليسرى".
يضيف عبد العزيز "قامت منظمة صنَّاع الأمل منذ أكثر من عام، بتركيب طرفٍ صناعيٍ لخولة، تستطيع الآن المشي على قدميها والذهاب إلى المدرسة، ولكنها لا تستطيع اللعب مع أقرانها؛ مفضلة العزلة على ذلك".
الألغام
الشاب محمد حسن سيفو (17 عاماً)، من أهالي حي دوار حزيمة شمالي مدينة الرقة، بُتر مِشطُ قدمه اليمنى نتيجة تعرضه لانفجار لغمٍ أرضيٍ، في منزل أهله.
يقول محمد:" هوايتي المفضلة ممارسة لعبة كرة القدم، اليوم؛ لم أعد أتمكن من ممارسة هذه الهواية".
و يضيف متعالياَ على جراحه بابتسامة:" ولكن أذهب مع أصدقائي لمشاهدتهم أثناء قيامهم بلعب كرة القدم، ويسرني ذلك كثيراً، أشعر أنني ما زلت قادراً على ركل الكرة بقدمي اليمنى هذه".
يقول محمد "في 15 آذار/مارس 2018، وبعد تحرير المدينة من داعش، قرَّرنا العودة لبيتنا، وحينما هممتُ بفتح أحد أبواب الغرف محاولاً الدخول إليها، لم أشعر إلا وقد انفجر لغمٌ أرضيٌ زرعه عناصر داعش، وراء الباب، أدى لبتر مشط قدمي اليمنى، ولم يتبقى منها سوى الإصبع الصغير؛ الخُنصر".
وأوضح محمد أنَّه يعاني الكثير من الصعوبات في حياته، ومنها نمو في عظام أصابع قدمه اليمنى المبتورة، أضف إلى أنَّه لم يجد من يقبل بتشغيله كعامل، نتيجة إصابته.
"مساعدات بلدية الشعب"
و على يمين الرصيف المحاذي لمستشفى التوليد غرباً، في منطقة الفردوس وسط مدينة الرقة، يقع( كشك صغير) بجانبه خيمة بسيطة للغاية، مغطاة بقطع قماشٍ لا تمنع حرارة الصيف ، ولا برد شتاء الرقة، يسكنها رجل مبتور القدم اليسرى، يدعى حسن الصايل (39 عاماً)، من حي المشلب شرقي المدينة.
يقول حسن "أقطن وعائلتي المكونة من/8/ أشخاص في هذه الخيمة، وأبيع في هذا الكشك، الشاي والقهوة وأغذية الأطفال، ومنحتني بلدية الشعب ترخيصاً لفتح هذا الكشك، والإقامة في هذه الخيمة".
وعن السبب وراء بتر قدمه، يقول حسن " كان لدي كشك صغير بجانب حاجز لداعش في الجهة الشرقية من حي المشلب، حيث كنت أقيم هناك وعائلتي في بيتنا، وبسبب قصف طائرات التحالف الدولي، للتحصينات التي أقامها عناصر التنظيم في تلك المنطقة، تعرضت للإصابة بشظية أدت لبتر قدمي اليسرى من فوق الركبة، و قلع عيني يسرى".
وأشار حسن، أنَّه لم يحصل على أية مساعداتٍ من قبل المنظمات الإنسانية العاملة في الرقة، مبيّناً أنَّ الجهة الوحيدة التي ساعدته هي بلدية الشعب فقط، ويأمل من رئاسة البلدية الحصول على وظيفة له، أو لزوجته.
وحول مساهمة بلدية الشعب في التخفيف من معاناة هؤلاء المبتورين اعضائهم، قال الرئيس المشارك لبلدية الشعب في المدينة، المهندس أحمد إبراهيم: "قدَّمت البلدية الدعم للعديد من العوائل الفقيرة و المتضررة من الحرب، وخاصة فئتي ذوي الإعاقات ومبتوري الأطراف".
وأوضح الإبراهيم أنَّه تم منح /85/ رخصة لفتح أكشاك البيع، لمتضرري الحرب من مبتوري الأطراف، وممن أصيبوا بإعاقاتٍ وممن تهدَّمت بيوتهم، موزَّعة على أرجاء المدينة.
وأشار أنَّ قسم الضابطة في البلدية يغض الطرف عنهم، في المخالفات والتجاوزات على الأرصفة، مراعاةً لأوضاعهم الإنسانية، وانطلاقاً من واجب البلدية الأخلاقي تجاههم، على حد تعبير الإبراهيم.
و بيَّن الرئيس المشارك، أنَّ البلدية قدَّمت لهذه العائلات الفرش والأثاث والأواني المنزلية، وأنَّهم قاموا بتوظيف البعض منهم، في عدة قطاعات ومكاتب تتبع البلدية قائلاً:" افتتحنا صندوق ائتمان اجتماعي، لدعم الحالات المرضية، وتقديم الأدوية والعلاجات اللازمة للموظفين، على اعتبار أن كافة أهالي الرقة تعرضوا لأضرار نتيجة الحرب".
" صنَّاع الأمل"
وتُعد منظمة (صنَّاع الأمل) أول منظمة مجتمع مدني تقوم بتركيب الأطراف الصناعية في الرقة، و تهدف لمساندة متضرري الحرب، وإعادة دمجهم في المجتمع، حيث باشرت أنشطتها في 24 كانون الاول/ ديسمبر 2018.
و أشار محمود الهادي، المدير التنفيذي للمنظمة، أنَّ فكرة تأسيس المنظمة جاءت عندما تداول ناشطون في آب/ أغسطس 2018 على شبكات التواصل الاجتماعي صورةً تُظهر طفلاً بُتر طرفاه السفليان نتيجة انفجار لغم أرضي به.
وعن عدد عمليات التركيب التي قاموا بها حتى تاريخه، بيَّن الهادي قال الهادي" تم تركيب أطراف صناعية سفلية لـ/51/ شخصاً، و أجرينا /43/ عملية جراحية لتصحيح بتور، وبلغ عدد الأطفال الذين حصلوا على أجهزة تعويضية /33/ طفلاً، و /5/ أشخاص حصلوا على مُعينات حركية، وتم تركيب جهاز تثبيت خارجي ليد أحد الأشخاص، وتركيب صفيحة معدنية لشخص واحد فقط.
وعن الخدمات الاخرى التي تقدمها المنظمة اوضح الهادي "يوجد لدينا قسم المعالجة الفيزيائية، ونقوم بإجراء جلسات علاج فيزيائي لمتضرري الحرب من كبار وصغار وبشكل مجاني"، لافتاً إلى أنَّ كل ما يقومون به من برامج ودعم يُقدَّم "مجاناً للناس".
وعن الجهات الداعمة للمنظمة، قال الهادي" نعمل بدون دعم من أية جهة كانت، أنَّما من جهود أعضاء الفريق القائمين على المنظمة، وجميعهم يعملون بشكل تطوعي".
وبيّنَ الهادي أنَّهم راسلوا العديد من المنظمات العالمية والإنسانية وبرامج الدعم، ولكن برامجهم وخططهم لا تدعم فئة مبتوري الأطراف موضّحاً أنَّ " إن هدف تلك المنظمات دعم الاستقرار، وتركيب الأطراف الصناعية لا يدخل ضمن هذا الإطار".
وبحسب الهادي فإنَّ عدد مبتوري الأطراف في الرقة يصل حتى/1300/ شخص.
يُذكر أنَّه تم افتتاح قسم الأطراف الصناعية، في المشفى الوطني في الرقة أول أمس، بعد أن كان القسم مقتصراً على المعالجة الفيزيائية فقط، و قد قام بتركيب أطراف صناعية لـ/6/ حالاتٍ.