المواقف العربية من الملف السوري… تغيُّرات جذرية وشيكة

القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
مرّت المواقف العربية من النظام السوري بمراحلٍ مُختلفةٍ، بدايةً من العام 2011 عقب انطلاقة شرارة الحرب الداخلية، وهو العام نفسه الذي تم فيه تجميد عضوية سوريا بجامعة الدول العربية، قبل أن يتم منح مقعد سوريا للمعارضة (الائتلاف) خلال قمة الدوحة في العام 2013، حتى بزوغ مواقف مرنة تدريجياً من الحكومة السورية منذ نهايات العام الماضي بشكل خاص، على وقعِ التطورات الميدانية والسياسية التي طرأت على الملف.
لم تكن المواقف العربية من الحكومة السورية موحَّدةً بشكل كامل؛ ذلك أنَّ دولاً كانت داعمةً لتجميد عضوية سوريا وترفض سياسات الحكومة السورية، ومن تلك الدول من دّعمت المعارضة بصورة مباشرة وعلنية، ومنهم من كان يرفض تجميد العضوية ويدعو لدعم الحكومة السورية؛ لبسط سيطرتها حفاظاً على أمن ووحدة سوريا، وطرف ثالث صاحب مواقف رمادية من الملف السوري، حاول في بعض الأحيان لعب دور الوسيط.
وعلى هذا الاختلاف، كان القرار العربي الحاسم –لاسيما بعد أن رجَّحت المواقف الخليجية الكفة في بداية الحرب- بتجميد عضوية سوريا، إلى أن حملت الشهور الماضية سلسلة متصلة من التطورات التي أظهرت مواقف عربية مرنة من الحكومة السورية، بعد التطورات الميدانية والعسكرية على الأرض في سوريا، ربما بدأت تظهر بقوة من خلال زيارة الرئيس السوداني (آنذاك) عمر البشير لسوريا ولقائه نظيره الأسد قبل نهاية العام 2018، علاوة على إعادة دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 2018 فتح سفارتها في دمشق، ثم البحرين، وما تلى ذلك من تطورات كاشفة عن تغيُراتٍ بمواقف عربية كانت شديدة الرفض للحكومة السورية، وصولاً إلى المشاركة الإماراتية الكبيرة مؤخراً في معرض دمشق الدولي.
مؤشرات
المشاركة الإماراتية في معرض دمشق الدولي، والتي جاءت على رغم العقوبات التي تلوِّح بها الولايات المتحدة الأمريكية بوجه كل من يتعامل مع الحكومة تجارياً، وإن جاءت معبرةً عن انفتاح إماراتي على دمشق، فهي في الوقت ذاته تحمل مؤشرات عن تغيُراتٍ أوسع على نطاق المواقف العربية التي اُتخذت سابقاً ضد سوريا. حتى أنَّ الرسائل الواردة من المملكة العربية السعودية تُوحي بأنَّ ثمّة تغيراً نسبياً في تعاطي الرياض مع الملف السوري؛ فالمملكة التي كانت سبّاقةً ومبادرةً بسحب السفير من سوريا، تتناقل تقارير إعلامية عنها الآن عدم ممانعتها التعامل مع حكومة دمشق، وتخليها عن فكرة "إسقاطها" التي لطالما نادت بها.
يقول دبلوماسي عربي "مسؤول" بجامعة الدول العربية، رفض ذكر اسمه، في تصريح لـ"نورث برس" عبر الهاتف من العاصمة المصرية "القاهرة"، إنَّ "الحديث حول مصير مقعد سوريا في الجامعة، وكذا العلاقات العربية – السورية دائماً ما يكون مطروحاً وبقوة خلال الاجتماعات المختلفة، وقد كان مطروحاً في الاجتماع الأخير أمس الأحد، سواءً على مستوى المندوبين أو مستوى وزراء الخارجية والاجتماعات التحضيرية… هناك دولٌ كانت تُمانع تماماً تطبيع العلاقات مع سوريا ودولٌ أخرى تؤيد، وأمام هذا الخلاف كان الرأي الأغلب على استمرار التجميد".
الجامعة العربية
وبخصوص مواقف أكثر مرونة من الحكومة السورية اتخذتها دول عربية وما إن كان ذلك مؤشراً لتعاطي الجامعة بشكل مختلف مع الملف السوري، قال: "لكل دولةٍ الحق في تحديد سياستها الخارجية وعلاقاتها ومواقفها إزاء القضايا المطروحة… لكن الموقف الثابت الآن أنَّ الجامعة العربية التي تعبر عن رغبة أعضائها، هي مع وحدةُ وسلامةُ واستقرارُ سوريا، وتدعم الجهود المبذولة من أجل الحل السياسي، بينما تظل عودة سوريا مرتبطة برغبة الدول الأعضاء الذين يقررون حال طرح الأمر من جديد… أعتقدُ بأنَّ المسألة مرهونةٌ بما سوف يتم تحقيقه ميدانياً وعلى صعيد الحل السياسي".
وأفاد بأنَّ المُعضلة الرئيسية تكمن في العلاقات السورية – الإيرانية، على أساس أنَّ "الدور الذي تقوم به إيران، وتهديداتها لعواصم عربية مختلفة، يجعل من التوصل لإجماعٍ على عودة سوريا أمراً صعباً بعض الشيء، وتنادي تلك الدول بضرورة ابتعاد سوريا عن إيران"، في إشارة للموقف السعودي على وجه التحديد، ولما تمثله المملكة العربية السعودية من ثقلٍ وتأثيرٍ داخل الجامعة العربية.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قُبيل أيامٍ قليلةٍ، في تقرير لها، أنَّ "الولايات المتحدة الأمريكية هي من تملك قرار عودة النظام السوري لشغلِ مقعدِ سوريا بالجامعة العربية من عدمه". وهذا ما أكّده أيضاً محلّلون من بينهم الكاتب والمحلّل السوري جميل الحمو، الذي ذكر أنَّ عودة العلاقات العربية السورية مرهونةٌ بالقرار الأمريكي أيضاً.
دعوة عراقية
وجدَّد العراق، أمس الأحد، خلال أعمال الدورة العادية الـ/ /152لمجلس الجامعة، الدعوة إلى إعادة سوريا للجامعة وممارسة نشاطها بشكل طبيعي. ذلك في الوقت الذي وصف فيه رئيس جمعية الصداقة المصرية السورية اللواء أركان حرب طيار السيد خضر (في تصريحاتٍ إعلاميةٍ) عودة سوريا إلى الجامعة بأنَّها "مسألةٌ حتميةٌ".
الدعوة العراقية الأخيرة رحَّبت بها الحكومة السورية، وذلك من خلال تصريحاتٍ أدلى بها القائم بالأعمال السوري بمصر، باسم درويش، جدَّد خلالها التأكيد على ما سبق وأكَّدته الحكومةُ في وقت سابق بأنَّ دولاً عربيةً تسعى لتطبيع العلاقات وعودة سوريا إلى الجامعة، إدراكاً لأهمية سوريا ودورها المحوري في العمل العربي المشترك.
حتمية عودة سوريا جاءت من منطلق الانتصارات التي تحققها القوات الحكومية على الأرض والاختراقات التي تسعى إليها أطراف دولية وإقليمية في سبيل الحل السياسي، ما يجعل من عودة سوريا "مسألة وقت ليس أكثر". وطبقاً لمساعد وزير خارجية مصر الأسبق السفير رخا أحمد حسن، فأنَّ "مسألة تجميد مقعد سوريا في الجامعة سابقاً كانت بالأساس "قرارٌ خاطئ"، متسائلاً: "هناك دول عربية عديدة تشهد اضطرابات ومشاكل داخلية، لماذا لم يتم تجميد عضويتها إن كانت الاضطرابات الداخلية تؤدي لتجميد النشاط؟".
مقعد سوريا
وأفاد بأنَّه على رغم أنَّ الدعوات العربية والأصوات المطالبة بعودة العلاقات العربية- السورية، وعودة مقعد سوريا بالجامعة جاءت بعد سنواتٍ من تجميد المقعد، شهدت تلك السنوات غياباً نسبياً للدور العربي الفاعل في الأزمة السورية في مقابل حضور إقليمي ودولي كبير، وشهدت خراب سوريا، إلاّ أنّها تظلُ خطوة ضرورية في الوقت الحالي، وأن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي أبداً.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، قد رهن في نيسان/أبريل الماضي، عودة مقعد سوريا بالجامعة بـ"الابتعادِ عن إيران". لكّن اللافت أنَّ دولاً عربيةً على مشاكل واسعة مع إيران (مثل الإمارات) تُقدمُ على تطبيع العلاقات مع سوريا بصورة طبيعية. وفي الشهر ذاته وصف أبو الغيط عودة سوريا بـ"الأمر المُبكر" في إشارة لعدم حدوث تفاهمٍ عربيٍ بين الدول الأعضاء على عودتها.
دور الجامعة
وفي خطٍ متوازٍ مع التساؤلات الدائرة حول مصير مقعد سوريا، والعلاقات العربية السورية، تُثار تساؤلاتٌ أخرى حول مدى فاعلية دور الجامعة نفسها في مستقبل سوريا.
ويقول الباحث السياسي السوري يمان دابقي، في تصريح خاص لـ"نورث برس"،  إنَّه لا يمكن أبداً التعويل على دور جامعة الدول العربية في مستقبل سوريا، لعدة اعتبارات؛ أولها أنَّ الجامعة تُعتبر معطلةً من حيث استقلالية القرار السيادي العربي بشكل مستقل، ولها فقط هامش مُتاحٌ بسيط من قبل بعض الدول التي لها ارتباطات مع دول مؤثرة وفاعلة في الملف السوري.
وثاني الأسباب –التي تدفع بحتمية عدم التعويل على دور الجامعة في سوريا طبقاً للباحث السياسي السوري- مرتبطة بعدم ثقة "الشعب السوري" في الجامعة، ذلك أنَّها "حينما قامت بمحاولة ممارسة دور فاعل في الملف السوري مارست دوراً سلبياً ضدَّ تطلعات الشعب، وتماهت بقراراتها مع الدول الداعمة للنظام السوري"، مشدِّداً على أنَّ دولاً مثل مصر والجزائر والعراق هي التي تقود محاولات الضغط على الجامعة العربية لإعادة عضوية سوريا بالجامعة المتوقفة منذ العام 2011.
وذكر أنَّ "روسيا قامت في وقت ما بممارسة ضغوط على دول عربية، بخاصة من أجل إعادة التطبيع مع الحكومة السورية وتعجيل العجلة الاقتصادية"، في إشارة إلى اعتبار دور الجامعة ليس مستقلاً تماماً أو محايداً في الملف السوري. واصفاً في السياق ذاته الجامعة العربية بأنَّها "صارت كياناً هلامياً ليس له تأثير في الساحة العربية، نتيجةً حتميةً لتراجع الدور العربي في المنطقة، وإضعاف الدول العربية بسبب ارتهانها للمجتمع الغربي في تحديد علاقاتها وتخصيص مقدراتها".