العشائر في الرقة بين تعزيزها للأمن الداخلي وتطبيقها لعاداتها

الرقة- مصطفى الخليل – NPA
يُعد النظام العشائري أحد أقدم التنظيمات الاجتماعية التي عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل، و يلعب النسب المشترك الذي يصل في أحيانٍ كثيرة إلى أزمان بعيدة، العامل الأهم في تكريس التفاف أبناء العشيرة الواحدة، أو عدة عشائر مع بعضهم البعض حتى وإن تباعدت أماكن تموضعهم الجغرافي.
وماتزال العشائر العربية في الرقة، تعيش وفق منظومة اجتماعية أخلاقية متوارثة منذ القدم، وتمتاز هذه المنظومة، بمجموعة من الأعراف والتقاليد، التي تضبط شؤون أفراد العشيرة وتهدف إلى خدمتهم و حمايتهم من الأخطار الخارجية و تحقيق الأمن والاستقرار ضمن العشيرة الواحدة و مع باقي العشائر والمكونات الأخرى التي تعيش في عموم المنطقة.
ويقول شيخ عشيرة العفادلة في الرقة، هويدي الشلاش الهويدي لـ"نورث برس"  إن لديهم أعراف وعادات وتقاليد متوارثة منذ مئات السنين، "ينبثق عنها قوانين وتشريعات تشمل مناحي الحياة"
و أشار الهويدي في حديثه إلى أن التشريع القبلي في غالبيته يميل إلى الصلح؛ "للحد من الفتنة ومنع تغلغلها، وكبح عادة الأخذ بالثأر، وعدم تفكك المجتمع، وللمحافظة على الأمن والاستقرار فيه، و تكريس ثقافة العيش المشترك مع الجميع". لافتاً إلى ان "هناك العديد من الأقليات التي تعيش ضمن نطاق عشائرنا ولها مالنا وعليها ما علينا".
وضرب الهويدي مثالاً ليثبت وجهة نظره قائلاً "يعيش بيننا بعض العوائل من أخوتنا الأرمن، وبعد دخولهم إلى الدين الإسلامي أصبحوا يحملون أسماء مثل أسمائنا" مبيناً انه "منذ أيام قليلة كان هناك دفع دية علينا، وقاموا بالاشتراك معنا مثلنا مثلهم".
"كسر العصا"
وأوضح الهويدي في سياق حديثه أن التشريع القبلي غير إلزامي التنفيذ، بمعنى أن الانصياع للقوانين والتشريعات القبلية واجب أخلاقي ولا صفة جبرية له، و لكن الشخص الذي لا يلتزم بهذه الأخلاقيات والثوابت يُعتبر بحكم الخارج عن العرف والعادة، وبالتالي يصبح شخصاً منبوذاً من الناس.
وأضاف "الشخص من أبناء العشيرة الذي لا يلتزم بأعراف وعادات وتقاليد العشيرة تكون عقوبته الازدراء ولن يسانده أحد، لا بل وتتبرأ منه في حال حدث معه أي إشكالية، وهذا يندرج تحت مسمى (كسر العصا) أي انه شق عصا الطاعة عن العشيرة".
صلح عشائري
وتشكلت لجنة الصلح التابعة لمجلس الرقة المدني في نيسان/أبريل 2017  في بلدة عين عيسى شمالي الرقة /65/ كيلومتر لينبثق عنها /7/ لجان رئيسية مؤلفة من /36/  لجنة فرعية.
ويقول فارس الحوران رئيس لجنة الصلح بأنهم أسسوا اللجنة "احتراماً وتوافقاً مع خصوصية أبناء المنطقة العشائرية".
وبين الحوران انهم قاموا بحل عشرات القضايا، من مشاكل الدم و الثأر والإرث، مشيراً في نفس الحين لمشاركة بعض الشخصيات العشائرية "الكبيرة"  في لجنتهم.
وحول اختلاف التقاليد من عشيرة لأخرى بين الحوران أن الأمر نابع من طبيعة "الحياة وطريقة المعاش لكل قبيلة وعشيرة، ولكن بالمجمل هناك قواسم مشتركة بين جميع التشريعات والقوانين القبلية، فجميعها تدعو إلى الصلح والسلم".
"المرأة والصلح"
فيما قالت عضوة لجنة الصلح في مجلس الرقة المدني، خاتون العلي، بأن وجود العامل النسوي في عمل الصلح في غاية الأهمية معتبرةً ذلك أمراً جيداً "للحفاظ على أسرار المرأة واحتراماً لخصوصيتها وعدم البوح بها أمام الرجل".
و ترى العلي ان "العشيرة قادرة على فرض السلم الأهلي والأمان في المجتمع، خاصة؛ عندما تكون العشيرة متكاتفة، من خلال قوانينها وتشريعاتها التي تسير عليها منذ زمنٍ قديم".
وعن دور المرأة في العشيرة قديماً، تقول خاتون:" إنها ليست مضطهدة كما يُقال، أو أن دورها كان هامشياً، إلا إذا كانت جاهلة ولا تعرف هي حقوقها و واجباتها"، وتبين أن المرأة كانت "تتمتع بمكانة رفيعة في الوسط القبلي قديماً؛ و لعبت عدة شخصيات نسائية دوراً كبيراً في قضايا الصلح بين العشائر بعد نزاعات دامية".
بدورها ترى حلا العلي، منسقة منتدى المرأة في منظمة بيت المواطنة في الرقة، ان "الأعراف القبلية هي عائق للمرأة من المشاركة السياسية والعسكرية وإبداء الرأي في القضايا المحورية".
وتضيف حلا، أن منظمات المجتمع المدني العاملة في الرقة "استطاعت توفير مساحة آمنة للمرأة للتعبير عن رأيها بكل حرية" لافتة إلى أن الامر يحتاج إلى وقت أكثر لقياس أثرها على واقع المرأة خاصة، وعلى المجتمع عامةً.
ومن جانبه أشار لورنس البورسان الباحث في المركز السوري للدراسات والحوار، أن العشيرة فرضت نفسها كمؤسسة اجتماعية و كيان مستقل، لها ثقلها، و اعتبارها في موازين القوة، و السطوة و التأثير على المستوى الاجتماعي و
السياسي و الديني و الاقتصادي.
وصنف دور العشائر بالدور "الأساسي" لحفظ الأمن والنظام والأرواح والممتلكات العامة والخاصة
وأضاف البورسان " يأتي هذا الدور للعشائر لما تميزت بهِ من القيم و العادات و الأعراف و التقاليد و الموروث التاريخي، والذي أكسبها القدرة على أن تكون الفاعل الأقوى اجتماعيا، و التحكم بصياغة العلاقات الاجتماعية و السياسية في المجتمع"،
واشار البورسان إلى أن العشيرة توفر "الدعم و الأمان من المخاطر الداخلية و الخارجية، لإسهامها في الضبط الاجتماعي، الذي يتضح من خلال التزام أبنائها بتقاليد العشيرة و أعرافها، خاصة؛ في ظل غياب أو ضعف دور سلطة الدولة: "
يذكر أنه عقدت عدة اجتماعات وملتقيات حضرها العديد من الشخصيات العشائرية في عموم مناطق شمال شرق سوريا ومن باقي المناطق السورية ومن أبرزها ملتقى العشائر السورية الذي جرى عقده في بلدة عين عيسى في أيار/ مايو من العام الحالي، وذلك بهدف استعراض ومناقشة المستجدات السياسية في المنطقة.