لقاء “حماس”-إيران الأول منذ 2012: ماذا أسّس؟

الضفة الغربية ـ NPA
واكبت الصحافة الإسرائيلية بكثير من التساؤلات والتحليلات ذلك اللقاء الذي جمع مؤخرا، قيادة حركة "حماس" مع قيادات إيرانية على رأسها المرشد العام للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي؛ فكانت زيارة هي الأولى بهذا المستوى الرفيع منذ عام 2012.
وذهبت وسائل إعلام إسرائيلية للزعم بأن "حماس" طلبت من إيران صواريخ دقيقة، وأن الحركة بانتظار الرد، فيما تحمست جهات لتروج لاتفاق "دفاع مشترك" بين الطرفين.
تكهنات.. لا معلومات
رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لـ"حماس" وسام عفيفة قال لـ"نورث برس" إن ما ذكرته المصادر العبرية حول ذلك عبارة عن "تكهنات، لا معلومات"، موضحاً أن تفاصيل اللقاء الدقيقة وخاصة بما يتعلق بالبعد العسكري تبقى في الغرف المغلقة.
والواقع، أن إسرائيل حاولت إسقاط طبيعة ومستوى العلاقة بين حزب الله اللبناني وإيران، على تلك المتطورة بين "حماس" وإيران، وذلك من خلال إثارة مسألة الصواريخ الدقيقة، ليقال إن هناك محاولات لتزويد غزة بها، على غرار حزب الله.
الحقيقة، هناك صعوبة لوجستية في عملية نقل السلاح لغزة في السنوات الأخيرة بسبب الدور المصري الذي أصبح أكثر تشديداً في المساحات التي كانت متاحة سابقا، سواء بإغلاق الأنفاق أو إقامة مناطق أمنية عازلة، ومروراً بإسرائيل التي تراقب كل شيء بمحطات مختلفة وبما يشمل البحر، وفق ما يؤكده مصدر مطلع من "حماس" في حديثه لـ"نورث برس".
نقل خبرات ومعلومات
يقول المصدر إن الدعم الإيراني بهذا الخصوص يكون غالباً من خلال نقل الخبرات والمعلومات عن كيفية تطوير الصواريخ الدقيقة في قطاع غزة، وليس نقلها من الناحية المادية، فضلاً عن تقديم الدعم المالي اللازم لهذا التطوير. بالمجمل، لم تنفِ حماس ولا إيران تطور العلاقة بينهما بعدما شابها هبوط في السنوات الماضية، بسبب دعم الحركة "للثورة السورية" ضد الحكومة السورية، عقب اندلاعها عام 2011.
ويقول وسام عفيفة إنه تم الاتفاق خلال لقاء طهران الأخير، على الدعم والإسناد العسكري والمالي لـ"حماس"، ولكن التفاصيل تبقى طي الكتمان حتى اللحظة، وحتى فيما يتعلق بـ"الساحات المقصودة لدعم المقاومة".
توافق لا دفاع مشترك
وحول ما صرح به أحد قيادات "حماس" الخارجية حول التوصل لاتفاق "دفاع مشترك" بين "حماس" وإيران، أوضح عفيفة أن الحديث لا يدور عن "دفاع مشترك" لأن لكل من الطرفين خصوصيته وظروفه فضلاً عن أن جبهة غزة لها معطياتها ومقاربتها المختلفة تماماً عن الجبهات الأخرى. ولكن يتم الإشارة إلى الاتفاق بينهما على مستوى عالٍ من التنسيق والتوافق المشتركين، للحيلولة دون "الاستفراد بحماس" ووضعها بين "فكي كماشة"، إسرائيل وأطراف عربية في المنطقة.
منع مشاركة هنية
مصدر آخر من "حماس" متواجد في غزة يؤكد لـ"نورث برس" أن مصر رفضت السماح لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية المشاركة في لقاء طهران الأخير، مبيناً أنه "منذ تولي هنية رئاسة المكتب السياسي للحركة لم يتمكن من إجراء أي جولة خارجية وتحديدا لدول مساندة للمقاومة مثل إيران"، على حد تعبيره.
ورغم أن الحركة لم تعلن رسمياً أي رفض رسمي بهذا الخصوص، إلا أن المصدر المذكور يشدد على أن اسماعيل هنية لم يتجاوز الحدود المصرية منذ توليه منصبه. ويتساءل المصدر "هل هو قرار مصري بحت، أم أنه يعود لأطراف دولية وإقليمية، بحيث أن الأخيرة طلبت وضع عوائق تحول دون تمدد حماس وتواصلها بشقها الغزي مع أطراف خارجية وضمن حسابات معينة لمحاولات تقويضها وحشرها في الزاوية؟!".
تجفيف المنابع المالية
ويكشف المصدر المطلع لـ"نورث برس" أن خشية حماس من حشرها في الزاوية من أطراف إقليمية، كانت أحد الأسباب لإعادة تقوية علاقتها مع الجمهورية الإسلامية؛ ذلك أن "الحركة تتعرض لتضييق كبير بموازاة تجفيف منابعها المالية من خلال منظومة عربية إسرائيلية أمريكية مشتركة". وشكلت هذه "المنظومة الثلاثية عامل تجفيف لمنابع المقاومة الفلسطينية المالية"، وفق قوله.
ويضيف "تم فرض ما يشبه ستاراً حديدياً في المنطقة وتحديداً في دول الخليج ضد محاولات دعم المقاومة على المستوى الرسمي والشعبي، وبالتالي تأثرت حماس كبقية الفصائل الفلسطينية من انخفاض قنوات الدعم والتمويل".
ويوضح المصدر سبباً آخر لتقوية العلاقة مع إيران؛ يتمثل بإعادة التموضع في سياق الاستقطابات والمحاور التقليدية بالمنطقة، حيث فرضتها صفقة "القرن" وورشة البحرين الاقتصادية، وما وصفها "حالة التماهي الخطيرة مع الاحتلال الإسرائيلي في إطار موضوع التطبيع"، وبشكل دفع أطرافاً عربية إلى احتساب "حماس" على محور معين والتعامل معها بعداء شديد، الأمر الذي أعطى مؤشرات خطيرة لـ"حماس"، كما يقول المصدر.
تقوّيض التمدد الخارجي
تقر مصادر متطابقة في "حماس" في حديثها لـ"نورث برس" أنه ضمن الصراع الإقليمي في المنطقة، تواظب مصر على إبعاد قيادات حماس في غزة بشتى السبل عن دائرة التأثير الإيراني، لكن قيادات حماس الخارجية لا سيما نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح لعاروري المتواجد في بيروت هو الذي يتولى صلة الوصل بين "حماس" وإيران.
وتتابع المصادر "مصلحة مصر أن تحتكر العلاقة مع حماس بمفهومها للقيادة المتمركزة في غزة، خاصة وأن ثقل حماس القيادي هو في الداخل وليس في الخارج، على الرغم من أن العلاقة بين الحركة والنظام المصري هي مبنية على المصلحية.. فلا خصومة ولا تحالف.
وبناء عليه، تُبقي القاهرة على المحافظة على مستويات علاقة جيدة مع حماس، ولكن من مصلحتها "ألا تتمدد حماس مع الخارج". 
وحول ما إذا كان يقصد مما تم ذكره سالفاً، تأكيد وجود قيادات في الحركة مقربة من النظام المصري، وأخرى مقربة من إيران، يقول القيادي في حماس لـ"نورث برس"، إنه "بالمجمل أمر طبيعي، فتوزيع القيادات على الساحات، يضمن تأثيرها ولعب أدوار محورية ورئيسية مع بعض الدول ومن مصلحة الحركة أن تستفيد من هذه العلاقات المتناقضة لقياداتها لتذليل العقبات من كل المحاور والأنظمة للمصلحة التنظيمية وللقضية الفلسطينية".
ولهذا، يرفض هذا القيادي تسمية هذه الحالة من العلاقات الجيدة والمتباينة لقياداتها مع المحاور، بوجود تيارات أو صراعات خفية، مشيراً إلى أن الحركة توزع الأدوار والمهام، وهي معطيات الضرورة المفروضة على حماس التي فُرضت أيضاً على تنظيمات فلسطينية أخرى سابقاً.