أكثر من 3 مليون سوري مهددون.. شهادات خاصة عن الجحيم الذي ينتظر السوريين في تركيا!
القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
"السجون معباية، عم ياخدوا العالم بكمية كبيرة"، مشهد يروي جزءًا من تفاصيله اللاجئ السوري السابق في تركيا قصي الحميدي، والذي تم ترحيله قبيل أيام قليلة إلى سوريا من قبل السلطات التركيّة، تزامناً مع القرارات والإجراءات الجديدة التي تستهدف الوجود السوري في اسطنبول بشكل خاص، وفي تركيا عموماً، وحالة التصعيد والتضييق ضد اللاجئين السوريين.
يقول قصي (شاب في أوائل العشرينات من عمره، من عربين، ولجأ إلى تركيا قبيل سنوات مع اشتعال الأزمة بالداخل) إنه كان يعمل بمحال تجارية وصناعية عامة في اسطنبول، يكسب منها عيشه بالحلال، وقبل أسابيع قليلة ولدى ذهابه إلى العمل في اسن يورت (إحدى مدن اسطنبول) فوجئ بعناصر من الشرطة المدنية يوقفون الحافلة التي كان يستقلها، وقاموا بمراجعة "الكملك"(بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة باللاجئين السوريين في تركيا) للاجئين السوريين الذين معه.
ويشير إلى أنه تم اقتياده وآخرون رفقة الشرطة إلى اسطنبول الآسيوية، وهناك تم حبسهم لمدة ثلاثة أيام، قبل أن يخرجوهم في فجر اليوم الرابع ليوقعوا ويبصموا على تعهدات مكتوبة باللغة العربية, لم يُسمح لهم بقراءتها أبداً, وفي اليوم التالي تم تصويرهم، ثم حبسهم لمدة أربع أيام أخرى، قبل أن يخبروهم بأنه سوف يتم الإفراج عنهم في اليوم التالي، وهو ما لم يحدث، إذ تم اقتيادهم لمسافة طويلة حتى معبر باب الهوى، ومن ثم ترحيلهم إلى سوريا.
جاء ذلك على وقع أن بطاقة الكملك الخاصة به ليست على اسطنبول، وقد حصل على تنبيه مرّة للالتزام بمكان الكملك وبإذن السفر، وفي المرة الثانية تم ترحيله، وهو مصير يلاقيه الكثير من السوريين في تركيا.
وطبقاً لشهادة قصي فإن "السجون التي قضى فيها قرابة الأسبوع، مملوءة بالشباب من مثل حالاته، وهناك كثير يُجرى ترحيلهم إلى سوريا، ويتم القبض على كثير من السوريين لمخالفة الكملك وإذن العمل والسفر".
جانب من معاناة السوريين في تركيا في الفترة الحالية، على وقع السياسات التركيّة الجديدة التي تستهدف الحد من وجود اللاجئين السوريين في تركيا، وهي الإجراءات التي لها العديد من الأبعاد السياسية الداخلية والخارجية (لمزيد من التفاصيل عن تلك السياسات، يمكنكم أيضاً الإطلاع على: باحث في الشأن التركي: تحول اللاجئون السوريون بتركيا من ضيوف إلى شبه أعداء).
أسر فقيرة وعاملون بمطاعم ومحال مفروشات وخياطة وأغذية ومشروعات متناهية الصغر أخرى، ينفقون من دخلها المتواضع على أسرهم، جميعهم صاروا مهددين في مهب رياح تغيير السياسات التركيّة، وعدم الترحيب التركي بالوجود السوري في الوقت الحالي مع تصاعد اللهجة الشعبية ضد السوريين.
غرامات كبيرة
وفي السياق، يروي أبو عُدي (اسم حركي) وهو سوري مقيم باسطنبول ويعمل في "سوبر ماركت" إن موظفين من المالية رفقة عناصر من الشرطة في اسطنبول بدأوا في شن حملات على محال السوريين، بخاصة في الحي الذي يُعرف بين العامة والسوريين باسم "حي السوريين" بوسط اسطنبول القديمة، يتم خلال تلك الحملات تحصيل غرامات على المخالفين ممن لا يحملون إذن عمل في تلك المحال والمتاجر السورية، إضافة إلى التأكد من أن بطاقة الكملك الخاصة بالعامل على اسطنبول وليست ولاية أخرى.
ويشير في الوقت ذاته إلى أن العامين وأصحاب المحال في ذلك الحي لديهم مجموعة عبر تطبيق التراسل الفوري "واتس آب" يقومون فيها بمشاركة أوضاعهم ومشاكلهم، ومؤخراً عبر تلك المجموعة انتشرت العديد من الشكاوى الخاصة بملاحقات الشرطة وضغوطاتها غير المسبوقة على العاملين في تلك المحال، فقد تم توجيه إنذارات مطلع الأسبوع لتلك المحال؛ من أجل الحصول على إذن عمل لكل العاملين فيها، وبعد يومين تقريباً بدأت الشرطة في تطبيق الغرامات دون الانتظار لفرصة كافية من أجل استخراج أذونات العمل، التي هي أيضاً تُحمل صاحب العمل أعباءً شهرية قد تصل إلى 700 ليرة على العامل الواحد، فضلاً عن صعوبات استخراجها.
ويشير أبو عُدي، في اتصال هاتفي مع "نورث برس"، إلى أنه "في السنوات الماضية كان يتم التغاضي عن تلك الأمور، حتى أنه كان يتم التغاضي عن ضرورة امتلاك كل مؤسسة أو شركة أو محل سوري رقم ضريبي ورخصة، لكن الآن هناك تشديد واسع في هذا الأمر، وصار القانون يُطبق بشكل فوري وحاسم، دون إعطاء مُهلة لتوفيق الأوضاع لأصحاب المحال".
ويلفت في السياق ذاته، إلى أنه "حتى الآن لم يحصل شيء جديد بالنسبة لوضع غالبية المحال الموجودة بهذه المنطقة، لكن إذا بقي الوضع على ما هو عليه فكتير من المؤسسات ستغلق؛ لأنها لن تقدر على هذ الأعباء أبداً (..) مصاريف تشغيل وتراخيص وخلافه".
شبح الإغلاق
وصارت أشغال السوريين في تلك المطاعم والمتاجر مُهددة إلى حد كبير، ويواجهها شبح الإغلاق بسبب الإجراءات الأخيرة التي تستهدف الضغط على السوريين الموجودين في اسطنبول بصورة خاصة، والمتواجدين في الولايات التركيّة بشكل عام، في ضوء ما شهدته الأسابيع القليلة الماضية من تصاعد اللهجة ضد الوجود السوري في تركيا، ومع السياسة التركيّة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمام الاجتماع الأخير لحزبه الأسبوع الماضي، والتي تتضمن "تشجيع اللاجئين على العودة".
أحدث الأرقام الرسمية الصادرة عن الداخلية التركية تؤكد أن عدد السوريين في تركيا في تناقص منذ بداية العام الجاري 2019، وذلك بعد أن بلغ عددهم الآن /3.605/ مليون تقريباً، بينما كانوا في العام 2018 حوالي /3.561/ مليون لاجئ، وذلك بعد عودة نحو /42/ ألف لاجئ إلى سوريا وترك تركيا.
"نحنا بمطعم (…) زارتنا المالية مرتين، أول مرة كانوا بيقبضوا وجايين يسترزقوا، أخدوا اللي في النصيب، وبالمرة التانية كانوا جايين أربع أشخاص عم يدوروا على أذونة العمل، وما دققوا على موضوع الكملك.. كتبونا مخالفة لخمس موظفين، وعن كل شخص 5200 ليرة"، يقول صاحب أحد المطاعم في مدينة اسطنبول، رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنيّة خشية تعرضه لأي مضايقات إضافية.
ويشير إلى أن "المنطقة التي يوجد بها المطعم مملوءة بمطاعم ومتاجر السوريين، ولم يكن يتم التدقيق في أذونات عمل العمال في تلك المطاعم، وكان أفراد من المالية يحصلون على إكراميّات من المطاعم، وكانت الأمور تسير بشكل طبيعي، إلا أن حدثت التطورات الأخيرة، وصار هناك تشديد على وضع العمال، ودفع المطعم مؤخراً غرامة قدرها 26 ألف ليرة، بسبب مخالفة خمسة عمال وعملهم بدون إذن عمل في اسطنبول"
ويوضح أنه قبل تطبيق الغرامة بيومين كان هناك تعميماً بضرورة حصول العاملين على أذونات عمل حتى لا تُطبق عليهم الغرامة، وبعد يومين فقط ودون منح أية فرصة تم تطبيق تلك الغرامات، التي تثقل كاهل أصحاب المحال من السوريين، حتى مع توفيق الأوضاع يظلون مرتبطون بسداد مبالغ شهرية نظير كل عامل، وفي المحصّلة النهائية تكون المبالغ كبيرة ومبالغ فيها تدفع لخسارة تلك المصالح السوريّة، لاسيما الصغيرة والمتوسطة منها.
اقرأ أيضاً:
قائد عسكري بشمالي سوريا: لا نسعى لحرب مع تركيا لكننا مستعدون للرد على أي تهديد
الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تدعو تركيا إلى الحوار بدل التهديدات العسكرية
بالأرقام.. هكذا أثرى السوريون اقتصادات دول اللجوء