ريف رميلان – إبراهيم إبراهيمي/عباس علي موسى – NPA
رغم بلوغه من الكِبَر عتيّا، و تخطّيه الاثنين والسبعين عاماً من العمر, يحمل أسعد محمد حسن حقيبة على كتفه, تحتوي قفصي صيد لطيور الحجل, يتجول بها في مناطق عدة من سوريا, حيث قضى أكثر من خمسة وثلاثين عاماً من عمره في مهنة الصيد, ونام لأجل مهنته في الكهوف، وبقي لأشهر بعيداً عن أهله.
ينحدر الصياد أسعد من عائلة مارست صيد طيور الحجل؛ فتعلّمها من أخيه الذي يكبره, خارجاً للصيد مع قدوم كلّ شتاء, يقول أسعد لـ”نورث برس” “أدرّب طائريّ بين الحين والآخر على أجواء الصيد, وعندما يحلّ الموسم أبقى خارج المنزل لأربعة أشهر, أصطاد خلالها طيور الحجل وأنام في الكهوف”.
طريقة الصيد
يصطاد أسعد في مناطق شمالي سوريا, في تلال المصطفاوية شمال مدينة رميلان, و في جبل عبد العزيز, وفي مناطق شرقي سوريا عند بلدة السخنة بدير الزور, وفي جبال تدمر وسط سوريا, وفي منطقة الكسوة بدمشق, وفي منطقة كولك القريبة من جبال سنجار العراقية.
وتتكوّن عدة الصيّاد العجوز من محمل للأقفاص, وأقفاص الحجل, وخيط قوي كخيط المسابح, وعيدان مربوطة بالخيط، تُصنع من السنديان أو من خشب الرمان أو من النايلون, موضوعة كلها في حقيبة على كتفه.
يستيقظ أسعد الصيّاد قبل شروق الشمس, لينصب فخاخه, ويجهّز الحجل, فيغرز الأعواد في الأرض, ويجعل الخيط المربوط بالعيدان على شكل عُقد مفتوحة, وتكوّن العُقد هذه في مجموعها شِراكا صعبة المِراس، من الصعب أن تفلت منها طيور الحجل.
يُصدِر زوجا الحجل في أقفاص أسعد صوتاً يُسمّى النقّ، وهو صوت يُنذر أكوام الحجل في المنطقة المحيطة بقدوم طير غريب إلى مستقرّها، فتهاجِم الطير الغريب عبر سرب، وهي عدة مجموعات تصل إلى عشرة طيور من الحجل وأحيانا أكثر، وذلك كي يخرجوا الطير الغريب من المكان، فتكون الفِخاخ التي نصبها الصيّاد لهم بالمِرصاد، حيث أنّ العُقد المُحكمة تعقِد أقدامها.
يشرح أسعد طريقة عمل عُقد فخاخه التي لا يستطيع الحجل الفريسة الإفلات منها، وغالبا ما تقع مجموعة من الحجل في كلّ مرة تصل إلى خمسة أو ستة طيور يقول “كلما حاولت الطيور الإفلات يشتد الخيط على أرجلها أكثر, فتكون صيداً لنا”.
حياة طائر الحجل
للحجل أنواع, يسمّيها العرب بالحجل الرملي, والصخري, والمغربي, والنوبي, والتهامي, أمّا أسعد فيشرحها على طريقته وطبقاً لخبرته في سنيّ الصيد، قائلاً “يتميّز الحجل في كلّ منطقة بلونه عن الآخر, فحجل جبل عبد العزيز شمالي سوريا ومنطقة سنجار العراقية أبيض اللون وهو النوع واللون المفضّل, بينما حجل المناطق المحاذية للحدود التركية أسود اللون”.
يُبدّل الحجل ريشه مرة واحدة في السنة, وتستغرق العملية حوالي ثلاثة أشهر, وتبيض الحجلة الأنثى في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل /20/بيضة، وهو موسم التكاثر بالنسبة لها في عشها، والذي يتكون من حفرة في الأرض بين الأحراج والأشجار, وترقد على بيضها/21/يوما حتى تفقس.
ويأكل الحجل الأليف النباتات والحنطة, وحبات القنبز (بذور تقدم كطعام للطيور)، فيما تتناول البرية منها الحشرات حيث يعتبرها العلماء صديقة للبيئة ومساعدة في التوازن البيئي؛ فتأكل الحشرات التي تضرّ في محيطها الأخضر عادة.
ويُباع الحجل الصغير بمبلغ/50/ ألف ليرة سورية (حوالي83 دولار), والكبير المُصارع بـ/500/ ألف (حوالي833 دولار), أما الحجل الذي يستخدم للصيد فسعره حوالي /100/ ألف(حوالي166 دولار), وهذه الأسعار هي للسوق المحلية، وترتفع حين تُصدّر للأسواق المجاورة كتركيا والعراق وبخاصة بعض الأنواع كالحجل الأبيض والمُصارع، إلا أنّ الصيّاد أسعد يقول “حالياً يُمنع تصدير طيور الحجل عبر الحدود”.
الحرب والحجل
وتُعتبر طيور الحجل من الطيور المستوطنة والمهاجرة في آن, ففي موسم الهجرة يطير بعضها من مكان إلى آخر, ويبقى البعض في موطنه, ويتعرّض الحجل كغيره من الطيور في الكثير من البلدان لعمليات الصيد الجائر, فآفة الحرب في سوريا عرّضت طيور الحجل في بعض الأماكن للانقراض, فقلّ طائر الحجل في جبل عبد العزيز بسبب الصيد الجائر خلال سنيّ الحرب, فيما ازداد في منطقة تدمر.
ويعلّق الصيّاد أسعد محمد حسن على ذلك قائلاً، لأنّ “الصيادين كانوا ولا يزالون خائفين من الذهاب إلى تدمر في سنوات الحرب, فقد تكاثر هناك”.
يقولها الصيّاد العجوز متحسّرا “يقولون بأنّ الحجل يمشي كقطعان الماشية هناك، لكنّها الحرب، فماذا نفعل؟!” فيما يتحسّس شِراكه التي نصبها حيث يدرّب طيوره تحضيراً لموسم الصيد القادم.