العنوسة وارتفاع سن الزواج.. مفرزات جديدة للحرب تهدِّد استقرار مجتمع السويداء

السويداء- NPA
دفع تردّي الوضع الاقتصادي والتوتر الاجتماعي نتيجة الفوضى التي خلفتها الحرب بسوريا، ظاهرة ارتفاع سن الزواج والعنوسة للظهور بشكل واضح في مجتمع السويداء.
فمع اعتبار المجتمع أن تكوين الأسرة أساس في استقرار الشبان والفتيات، فإن فرص زواج الفتاة وحظوظها في تكوين عائلة، تكون أقل كل ما قاربت الثلاثين من العمر لحين أن يعمد المجتمع لنعتها بـ”العانس”.
الحديث في موضوع التأخر في الزواج يشكل مسألة محرجة لكثير من الفتيات اللواتي بلغن الثلاثينيات من العمر، إذ تحدثت هيام.ج، خريجة كلية الأدب الإنكليزي، لـ “نورث برس”، أنه “ينظر للفتاة التي تجاوز عمرها /25/ عاماً ولم تتزوج كأن لديها نقصاً ما”.
وأردفت بأن المجتمع وبخاصة السيدات المتقدمات في العمر “يبدين شفقتهن عليها مع الإكثار من الدعوات” للرجل الذي يصفن سبب قدومه بـ”سترها”.
ولخصت هيام نظرة المجتمع للفتاة بـ”حصر حلمها بعد الدراسة في انتظار العريس وتكوين الأسرة” لافتة إلى أن هذا “الحلم يتلاشى عاماً بعد آخر بعد أن تتجاوز الفتاة الثلاثين من العمر”.
كما تشير لدور المجتمع في دفع الشاب “لاختيار الفتاة الأصغر عمراً، فهي غالباً أكثر خصوبة”، مؤكدة أن الحرب دفعت الشبان لـ”إلغاء فكرة الارتباط بسبب تحولهم للاجئين أو محاصرين في مناطقهم، مع غياب فرص العمل”.
سعاد.ب (58 عاماً)، سيدة أخرى تعمل في خياطة الملابس، تقول لـ”نورث برس”: لم يشأ النصيب أن أتزوج، ومنذ سنوات طويلة قررت أن أتابع حياتي بعيداً عن فكرة الزواج، والحمد الله أني أعمل ولست بحاجة لأي من أشقائي مادياً، بل غالبا ما يستدينون مني.
وأضافت سعاد أن خيارات الزواج لديها عقب الثلاثين انحصرت بأصناف هم “أرامل ومطلقون لديهم أطفال ورجال متقدمون في السن” وذكرت لـ “نورث برس” أن “أكبر العرسان المتقدمين كان قد تجاوز السبعين من العمر، ويحتاج إلى ممرضة أكثر من احتياجه لزوجة”.
أما على صعيد الذكور فإن الشبان في السويداء يعانون كالبقية من سوء الأوضاع الاقتصادية مع إغلاق أبواب العمل خارج سوريا في وجههم نتيجة الظروف الراهنة عقب أن كان سكان المحافظة يقصدون دول الخليج والدول المجاورة لسوريا للعمل.
هذه الأوضاع إلى جانب محاصرة عشرات آلاف الشبان جراء فرارهم من الالتحاق بالخدمة الإلزامية والاحتياطية وارتفاع نسبة البطالة وتدني الأجور وتردي الوضع المادي تسبب في تأخر سن الزواج لدى أبناء المحافظة.
إذ تحدث رامز.ع، مهندس سُرّح من الخدمة العسكرية قبل عدة أشهر، بعد أن قضى في الخدمة أكثر من /8/ سنوات، موضحاً لـ”نورث برس” أنه “بلغ من العمر /36/ عاماً، وموظف براتب لا يصل إلى /50/ ألف ليرة، لا يملك منزلاً ولا مصدراً آخراً للدخل، فأي زواج يمكن التحدث عنه”.
وتابع أن أي عائلة تحتاج مبلغاً يصل لـ /300/ ألف حتى تعيش بالحد الأدنى من الكرامة في حين راتبه لا يكفي كمصروف شخصي لذا “يستبعد فكرة الزواج ويعيش حالياً مع عائلته”.
أما الناشط الاجتماعي علاء معروف، حذّر من الانعكاسات السلبية لارتفاع سن الزواج بمعدل /10/ سنوات، عما كان عليه، فالأسر التي تكوَّنت بعد 2011، تكتفي بطفل أو طفلين على الأكثر، ما تسبب بـ “بتراجع نسبة النمو السكاني من /1,7/ إلى /1,2/%”.
وأشار معروف إلى هذا الأمر “من الممكن أن يؤثر على الواقع الديمغرافي لسكان المحافظة الذين سيستغرقون حتى /100/ سنة ليتضاعف عددهم”.
وأضاف “اليوم أحد أهم الملفات التي تشغل الكيانات الدينية والاجتماعية، هو دفع الشباب  للزواج، ومحاولة تخفيف تكاليف حفلات الزواج، التي على أقل تقدير أصبحت تكلف مئات آلاف الليرات”.
كذلك فإن معروف بيَّن أن هذه الكيانات تعمل على دعم الشباب بالتوجه إلى المشاريع التنموية والمشاريع الصغيرة في محاولة لدعم الواقع الاقتصادي المتردي لأهالي المحافظة المتردي.
وبين السن المناسب للزواج والتأخر فيه للوصول إلى “العنوسة” للذكور والإناث على حد سواء، تبقى هناك فجوة بحاجة لحل، ألا وهي ضعف القدرة المادية لدى الشبان في السن المناسب للزواج، من الفتيات اللواتي يجبرن على الانتظار تحت وطأة الظروف الاقتصادية وتأثيرات الحرب التي أفقدتهن حلم تكوين عائلة.