معتقلان كرديان منتميان لتنظيم الدولة يرويان تجربتهما لـنورث برس

الحسكة – دلسوز يوسف – NPA
محمد ملا حسين من القامشلي في سوريا ومحمد بختيار من مدينة ديار بكر (آمد) بتركيا، مسلحان انخرطا ضمن صفوف التنظيم قبل أكثر من ثلاثة أعوام، رغم إدراكهما لحقيقة أعمال “الدولة الاسلامية” المتطرفة، ساعدا التنظيم بحسب القدرات التي يمتلكانها، ورفضا الإصغاء لنداءات عوائلهم بالخروج من مناطق سيطرة التنظيم (حسب قولهما) لينتهي بهما المطاف في معتقلات قوات سوريا الديمقراطية.
وعلى غرار آلاف المعتقلين من مسلحي تنظيم “الدولة الاسلامية” في سجون قوات سوريا الديمقراطية بشمال وشرقي سوريا، ينفي المسلحان مشاركتهما في أي أعمال قتالية إلى جانب التنظيم، بالرغم من بقائهما لسنوات عدة في مناطق سيطرة التنظيم، وكلهم أمل أن تسامحهما القوات الكردية على محاربتهم وتسمح لهم بالعودة إلى ذويهم.
يقبع المعتقلان في أحد المعتقلات بريف مدينة الحسكة الجنوبي، شمالي سوريا، الذي يخضع لحراسة أمنية مشددة، ويضم الآلاف من مسلحي “تنظيم الدولة” معظمهم قُبض عليهم في الجيب الأخير للتنظيم بقرية (الباغوز) شرقي الفرات.
لم يُسمح لـ “نورث برس” تصوير المعتقل من الخارج والداخل للضرورات الأمنية، بل سُمح فقط بأجراء اللقاءات في إحدى الغرف الإدارية ضمن المعتقل.
وأوضحت إدارة المعتقل بأنه يوجد عدد لا بأس به من المعتقلين الكرد ومن الأجزاء الأربعة لكردستان لديهم، دون الكشف عن أعدادهم بشكل دقيق، ما دفعنا للقاء عدد منهم لمعرفة الأسباب التي دفعتهم إلى الانخراط في صفوف التنظيم المتشدد، ولا سيما محاربة أبناء جلدتهم من الكرد السوريين.
محمد عبدالله ملا حسين
ينحدر محمد ملا حسين (30 عاماً) من مدينة القامشلي، ولد في العاصمة دمشق التي ترعرع فيها، ودرس طب الاسنان حتى السنة الرابعة.
مع بداية اندلاع الأحداث في سوريا، توجه محمد برفقة عائلته المؤلفة من ثلاثة أشقاء وشقيقة إلى لبنان خشية إجبار الحكومة السورية لشقيقه الأكبر من سوقه إلى الخدمة الإلزامية، وبعد مكوث ثلاثة أشهر في لبنان توجه إلى تركيا.
وبالرغم من أنه طبيب ومن عائلة ليست بالمحافظة كثيراً، إلا أنه أنخرط في صفوف التنظيم بعد مشاهدته لإصدارته المنشورة على الإنترنت، اعتقاداً منه أن من يطبقون الدين الإسلامي بالشكل الصحيح حسب تعبيره.
ويقول ملا حسين لـ “نورث برس”، أنه دخل إلى سوريا من منطقة تل أبيض/ كري سبي شمالي محافظة الرقة، إلا أنه تناقض في سياق حديثه بأنه عبّر إلى سوريا عبر ولاية كلس الحدودية إلى السورية والتي تقابلها في الجانب السوري مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، مدعياً بأنه لا يعرف الجغرافية السورية كثيراً.
ويشير ملا حسين إلى أنه أنضم إلى صفوف التنظيم في منتصف عام 2015 أي بعد معركة كوباني/عين العرب الشهيرة، بالرغم من انتشار صيت التنظيم حينها بارتكابه أعمالاً متطرفة.
ورداً على سؤال لماذا اخترت التنظيم في وقت تدرك مدى تطرفه، يجيب الشاب الكردي وهو يتلعثم ومرتبك “لم أكن أدرك ذلك حقيقة، قالوا لي هم على الدين الصحيح، وبعد انضمامي ندمت ولم أعد قادراً على الخروج من مناطق سيطرته خوفاً من السجن أو القتل”.
وحسب قوله، أنه بعد مرور عام على تواجده في مناطق سيطرة التنظيم، ونظراً لكونه الأبن المدلل لدى عائلته؛ فهو الأصغر بين أشقائه الذكور، قام بأقناع والدته بالمجيء إليه على عكس والده وشقيقيه الذين توجهوا إلى السويد للعيش هناك، بينما تزوجت أخته في تركيا واستقرت هناك.
وخضع محمد فور التحاقه بصفوف التنظيم إلى دورة عسكرية لمدة ثلاثة أسابيع في البادية السورية حسب قوله.
ويتناقض محمد في روايته، حيث ينفي انخراطه في أي قتال ضد الجهات العسكرية المتواجدة في سوريا بل أقتصر مهامه على المساعدات الطبية، ليعود ويقول أصبت في كتفي أثناء تواجدي في البادية خلال أحدى المعارك لأنقل بعدها إلى الرقة (عاصمة التنظيم حينها).
ويضيف محمد بأن عمله كان فيما يسمى بـ”دار الاستشفاء” وهي غرفة صغيرة للإسعافات الأولية والجراحية بشكل متنقل، مهمتها مساعدة جرحى الحرب. 
ويشير محمد أنه ظل في الرقة إلى ما قبل فترة حصارها من قبل قوات سوريا الديمقراطية عام 2017، لينتقل بعدها إلى مدينة الميادين بريف دير الزور، ومن هناك انتقل إلى مناطق يسميها التنظيم (الجزيرة) وتضمنت كل من (هجين، الشعفة والسوسة وآخرها الباغوز) شرقي نهر الفرات.
وخلال فترة تواجده في مناطق التنظيم، تزوج محمد من فتاة دمشقية هي أيضاً كانت منضمة إلى التنظيم، ولديه طفلة تبلغ من العمر قرابة العامين، متواجدة حالياً مع والدتها في مخيم الهول بريف مدينة الحسكة.
وحول ما شاهده ضمن التنظيم من أعمال متطرفة، يخاف محمد من البوح ما في جعبته، إلا أنه يقول رأيت الكثير من الظلم، ليعود ويدافع عن التنظيم بالقول “التنظيم كان يعلم الإنسان على الدين الصحيح مثل الزكاة والصوم والصلاة وهكذا أمور”.
كما يتحدث ملا حسين عن تعاون الدولة التركية مع التنظيم في أمور العبور إلى سوريا، بالقول “عندما أتيت لم ألقَ صعوبة في اجتياز الحدود، حيث قمت بتسليمهم مستلزماتي التي جلبتها ليعيدوها لي كما كانت وهم على دراية بأنني ذاهب للتنظيم، لأن الشخص الذي تواصلت معه قام باستلامي من الحدود مباشرة”.
وعن موقف والده وشقيقيه من انضمامه للتنظيم، يقول “على الدوام كانوا يقولون لي تعال إلى هنا إلى أوربا، لكن لم تُتح لي الفرصة للذهاب، وأمنيتي الآن الخروج من المعتقل والذهاب لهم لأكمل حياتي وافتح عيادة لطب الأسنان”.
ويعبر عن ندمه لانضمام للتنظيم، إلا أنه وبحسب قوله كان راضياً في العيش بكنف التنظيم وكان يساعدهم طبياً.
وقال مسؤول المعتقل لدى قوات سوريا الديمقراطية لـ”نورث برس” بأن الشاب محمد ملا حسين كان مسلحاً بين صفوف التنظيم ضمن كتيبة المسلحين الأكراد.
وخرج الشاب الكردي برفقة زوجته ووالدته مع أفواج المستسلمين لقوات سوريا الديمقراطية من بلدة الباغوز خلال شهر آذار/ مارس الفائت.
محمد بختيار
الشاب الكردي الآخر والذي راوغ في الحديث حول خلفية ماضيه في كنف التنظيم، محمد بختيار (30 عاماً) من قرية (كركرا) التابعة لولاية ديار بكر التركية أو كما يسميها الكرد مدينة (آمد في الجزء الشمالي من كردستان)، متحدثاً لهجة زازا (لهجة كردية يتحدث بها بعض الكرد في تركيا).
درس محمد المرحلة الإعدادية، وبسبب الحالة المادية الضعيفة لعائلته أجبر على ترك الدراسة وتوجه إلى إسطنبول للعمل برفقة أفراد أسرته.
وينحدر محمد كغيره من العوائل في تركيا لعائلة محافظة  دينياً، حيث يقول عن ذلك “في إسطنبول قرأت الكثير من الكتب، ورأيت بأن الله هو خالق الكون، ويجب أن يتم حكم العالم وفق تعاليم الدين الإسلامي وهذا كان السبب في انضمامي للدولة الإسلامية أيضاً”.
ويشير بأنه عندما اختار تنظيم “الدولة الإسلامية”، كان يقول لنفسه بأنه “في مناطق سيطرته هناك أكراد أيضاً وسننشر الدين الإسلامي بلغتهم بينهم”.
وتعرف بختيار على التنظيم عن طريق بعض رفاقه الذين كانوا يعملون معاً في إسطنبول.
ويتحدث عن انضمامه للتنظيم قائلاً “عند انضمامي للتنظيم، هربت من المنزل، بسبب معارضة أهلي، وبعد أن دخلت سوريا تواصلت معهم، فطالبني أهلي بالعودة إلى تركيا إلا أنني كنت أخشى من السجن، وقالوا لي دخولك للسجن أفضل لك من البقاء مع هؤلاء الذين لا يخافون الله”.
ويقول بأن عند مجيئه لسوريا تلقى دورة عسكرية على عدة أسلحة (كلاشينكوف، بي كي سي، قاذف آر بي جي)، “إلا أنني قلت لهم أنني أخاف من الصوت العالي، ورغم ذلك أصروا على أن أطلق عدة طلقات لإزالة حاجز الخوف لدي”.
وأردف “بعد انتهاء الدورة قالوا لي يجب الذهاب للرباط في النقاط العسكرية، لكنني رفضت لكونني أخاف، ليتم تعيني كحارس على مستودعين للآليات في منطقة القائم العراقية على الحدود مع سوريا”.
ونوه بأنه حاول الذهاب إلى الرقة إلا أنهم رفضوا “قالوا يجب أن تذهب للعراق إلا أنني رفضت كوني كنت أقبض /50/ دولاراً شهرياً وهو راتب لا يكفي لسد حاجات الطعام”.
“ظلم ضد الكرد”
ورغم ارتكاب التنظيم للعديد من الأعمال التي تصنف ضمن خانة “جرائم الحرب” حسب القانون الدولي، إلا أن بختيار يرفض التشهير بالتنظيم واعتباره سيئاً حيث يقول “أعمالهم تطبيق لشرع الله”.
ويروي الشاب الذي أطلق على نفسه أسم “أبو ياسر الآمدي” بين التنظيم، أنه في إحدى المرات في مدينة البوكمال بريف دير الزور على الحدود السورية – العراقية، قصفت إحدى الطائرات مناطق تواجدهم وعلى إثره قتل عدد من رفاقه في التنظيم.
 ليحاول بعدها الذهاب إلى العراق نظراً لوجود عدد من رفاقه هناك، لكن قيادات التنظيم رفضوا طلبه وقالوا له “إما عليك الذهاب إلى تدمر أو الخروج من أراض التنظيم والذهاب إلى كوباني”.
وفي سياق آخر يناقض محمد روايته السابقة عن حسن معاملة التنظيم فيقول “كان هناك تمييزٌ ضد الأعضاء الكرد؛ فكانوا يعينونا في أعمال النظافة والخدمة، بينما المسلحين الآخرين من الجنسيات الأخرى، كانوا يتولون مناصب قيادية وفي مواقع القرار بالتنظيم”.
وينفي بختيار كباقي المسلحين المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية، انخراطه في أي أعمال قتالية ضد القوات التي كان يحاربها التنظيم، ومن بينهم قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الكرد نسبة كبيرة فيها، ليقول عن ذلك “لقد تعرضنا للخيانة من قبل أولئك الذين جلبونا إلى هنا، اوهمونا بوجود الحرية والديمقراطية والإسلام الحقيقي، ولم يكن في نيتنا محاربة أبناء جلدتنا”.
ويبدي بختيار استغرابه وإحساسه بالخداع من قبل قيادات التنظيم، الذين أمروهم بالاستسلام لقسد و سيتم الافراج عنهم بعد فترة، بالقول “في الباغوز قادة التنظيم قالوا لنا أذهبوا وسلموا أنفسكم لقوات سوريا الديمقراطية وسوف يقومون بالتحقيق معكم لمدة شهرين وبعدها سيفرج عنكم، نحن مسجونون منذ ثلاثة أشهر ولم يفرج عنا”.
ويعبر المسلح الكردي عن ندمه في الانضمام للتنظيم، ليبرر ذلك بالقول “لقد كتب الله لنا نحن الأكراد أينما حللنا أن نتعرض للظلم”.
يذكر أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، اعتقلت الآلف من أعضاء التنظيم سواءاً خلال المعارك التي خاضتها ضد التنظيم أو الذين سلموا أنفسهم في المعقل الأخير لهم ببلدة الباغوز شرقي  دير الزور. 
وطالبت تلك القوات المجتمع الدولي بإنشاء محكمة دولية لأعضاء التنظيم على الأراضي السورية التي تسيطر عليها شمال وشرقي سوريا.