من الألف إلى الياء.. هكذا تم احتواء حملة الهجوم على السوريين في مصر

القاهرة- محمد أبوزيد- NPA 
“السوريين منورين مصر”، بهذا الوسم الذي تصدَّرَ “التريند” المصري على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” مؤخراً، عبَّر الكثير من المصريين عن ترحيبهم بالتواجد السوري في مصر، ورفضهم لحملة الهجوم الأخيرة التي اتهم أصحابها السوريين بالكثير من الاتهامات، من بينها غسيل الأموال وارتباطهم بعلاقة تنظيمية مع جماعة الإخوان.
الحملة الشعبية الأخيرة تُسدل الستار عملياً على لغط استمر منذ مطلع الأسبوع الجاري، تعرّض خلاله السوريون إلى جُملة من الاتهامات ومطالب من قبل البعض بـ”ترحيلهم من مصر”. 
وأظهر المتفاعلون عبر هاشتاغ “السوريين منورين مصر” إيماناً بالدور الذي لعبه السوريون في تنشيط الاقتصاد المصري، وتأكيداً على روابط الأخوة والصداقة بين الشعبين. 
ثلاثة مُحركات للأزمة
لم يأت تصاعد الحملة الموجهة ضد السوريين من فراغ؛ ذلك أن ثلاثة محرّكات رئيسية دفعت بها إلى الواجهة مؤخراً، وجعلت ملف التواجد السوري في مصر محل شد وجذب غير مسبوق على رغم تواجد السوريين في مصر منذ 2012 وحضورهم الواسع بالمجتمع المصري.
المُحرك الأول للهجوم ضد السوريين تمثل في تأسيس مطعمٍ يحمل اسم أرطغرل (اسم أول سلاطين العثمانيين) وذلك بمحافظة مرسى مطروح (شمال غرب مصر)، وهو ما أثار لغطاً واسعاً عبر مواقع التواصل لدى تداول اسم الموقع، لاسيما في ضوء توتر العلاقات المصرية-التركية.
وتبيّن لاحقاً أن صاحب الموقع المُشار إليه مصري الجنسية، وليس سورياً، ويُدعى محمود المنوفي، وهو من محافظة المنوفية (شمال القاهرة)، وقد نشر الأخير فيديو عبر صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي حَسَمَ خلاله الأزمة أخيراً بإعلانه عن تغيير اسم مطعمه، بعد تعرضه لـ”ضغوط كبيرة” كما يقول في الفيديو، الذي شدد خلاله على أنه “لا يقصد أي هدف سياسي”، وتم فهمه بطريقة خاطئة.
أما المُحرك الثاني لحملة الهجوم ضد السوريين، فكانت تغريدة متزامنة مع أزمة المطعم، خطّها مؤسس تنظيم الجهاد السابق في مصر الشيخ نبيل نعيم، عبر صفحته بموقع “تويتر”، قال فيها إن “النشاط الاقتصادي للسوريين في مصر من أموال التنظيم الدولي للإخوان، ويمثل عمليات غسيل أموال لبعض الجماعات المسلحة”، على حد قوله.
فيما يقول نعيم، في تصريحات لـ”نورث برس” من العاصمة المصرية “القاهرة” اليوم الأربعاء، إنه “لم يحرض الرأي العام المصري ضد السوريين، وليس لديه من الأدوات ما يمكنه من ذلك، ولا يقصد ذلك.. لكنّه فقط كان يحذر من استخدام وتوظيف التنظيم الدولي للإخوان للسوريين في مصر من أجل تدمير الدولة المصرية”، على حد قوله.
وأضاف: “التقيت عدداً من علماء سوريا، من بينهم المفتي أحمد بدر الدين حسون، والذين شرحوا لي ما فعله الإخوان في سوريا (..) أنا لم أتحدث من فراغ، لقد التقيت عدداً من السوريين الذين ظنّوا أني مؤيد للإخوان، وطلبوا مني التواصل مع الجماعة لمنحهم دعم مُعين، وأبلغوني بانتمائهم للإخوان، من هنا جاء التحذير من خطورة استخدام التنظيم الدولي الإخواني للسوريين في مصر”.
ربط ناشطون بين إطلاق اسم تركي على مطعم يُقدم المأكولات الشعبية السورية، وتغريدة نبيل نعيم، ومن ثمّ جاءت الاتهامات بعلاقة السوريين في مصر بجماعة الإخوان.
المُحرك الثالث الذي عزز الهجوم أيضاً، هو ذلك البلاغ الذي قدّمه المُحامي المصري سمير صبري، والشهير بملاحقته لمعارضي النظام المصري ببلاغات مُتعددة، للنائب العام المستشار نبيل صادق، وهو البلاغ الذي هاجم فيه السوريين في مصر، وقال إنه “لا يجب استقبالهم استقبال الفاتحين ومنحهم مزايا”، وطالب بوضع أطر وإجراءات رقابية على تدفقات أموالهم واستثماراتهم.
سجال
التقط الكثير من المصريين عبر مواقع التواصل، كما التقطت وسائل الإعلام المصرية، تلك الرسائل؛ ما أوجد سجالاً استمر منذ مطلع الأسبوع حول التواجد السوري في مصر، طرفاه مهاجمون شرسون للتواجد السوري يكيلون الاتهامات للسوريين جزافاً (لاسيما اتهامهم بتلقي تمويلات خارجية من تركيا وقطر)، دشّن هؤلاء وسماً يطالب بـ “طرد السوريين من مصر”. بينما الطرف الآخر مُرحب بتواجد السوريين ويدافع عنهم في مواجهة تلك الاتهامات، وقد تفاعل أصحاب ذلك الاتجاه عبر وسم “السوريين منورين مصر”، وانتقدوا ما يكال إليهم من اتهامات.
حاولت وسائل الإعلام المصرية احتواء المواقف وطي صفحة الهجوم على السوريين التي استحوذت على اهتمام واسع عبر “السوشيال ميديا”، وذلك باستعادة تصريحات سابقة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قال فيها عن السوريين “مصر بلادهم.. وربنا يسلم بلادهم”، في إشارة للترحيب المصري بالسوريين، وهو المقطع الذي أعادت إذاعته العديد من وسائل الإعلام المحليّة. 
وعلى سبيل المثال، فإن الإعلامي محمد الباز (المعروف بمواقفه الداعمة للنظام المصري) قد طالب في برنامجه المذاع على قناة المحور، بضرورة سحب البلاغات المقدمة ضد السوريين، باعتبارهم “ضيوف مصر” وليسوا “لاجئين”، وبخاصة أن تلك البلاغات “بلا دليل.. هي بلاغات باطلة”.
رد البرلمان المصري
وفي خضم محاولات احتواء تلك الأزمة، دخل البرلمان المصري على الخط، وأصدر عضو لجنة الصناعة بالمجلس النائب طارق متولي بياناً –حصلت “نورث برس” على نسخة منه- شدد خلاله على أن “مصر لا تنسى أبدا مواقف سوريا معها في كل شدة (..) السوريون لا يعاملون كلاجئين في مصر، بل كمقيمين في بلدهم الثاني السعيد بتواجدهم بالرغم من تمنيات المصريين بشفاء جراح أهل سوريا وعودتهم إلى أوطانهم سالمين وانتهاء كابوس الحرب”.
وتابع: هذه الحملة الممنهجة هدفها إحداث توتر بين الجانبين إلا أن المصريين فطنوا سريعا إلى ذلك، مشيدا بإطلاق (هاشتاغ) يعبر عن حب المصريين لإخوانهم. وأفاد بأن وجود السوريين في مصر أدخل الكثير من الأموال والاستثمارات في مجالات مختلفة إلى مصر، ويقدر عدد المستثمرين بـ/30/ ألفا، ما أسهم في تنشيط الاقتصاد، وإحداث حالة من التنافسية بين المنتجات، تصب في مصلحة المواطن المصري من خلال توفير منتجات عالية الجودة وبأسعار تنافسية، على حد قول النائب الذي شدد على أن مطلقي حملة التشويه قد يكونون من التجار الذين فشلوا في مجاراة النجاح السوري على أرض مصر.
“السوريين منورين مصر”
وفي مؤشر واضح على تجاوز الحملة، دُشنت حملة شعبية مناهضة لحملة الهجوم على السوريين، وتحمل شعاراً “السوريين منورين مصر”، تفاعل مع تلك الحملة العديد من المشاهير (إعلاميون وفنانون ولاعبون وغير ذلك) عبّروا عن دعمهم ومساندتهم للوجود السوري في مصر.
الفنان محمد هنيدي، كان أحد المشاركين عبر الهاشتاغ، وكتب عبر “تويتر”: “كنا دولة واحدة من قبل.. ومهما حصل هنفضل (سنظل) دولة واحدة.. السوريين منورين مصر). وغرّد الفنان أحمد السعدني قائلاً: “السوريين ليهم في مصر زي (مثل) المصريين”.  
وتصدر هاشتاغ “السوريين منورين مصر” التريند على تويتر، ليعلن بذلك عن احتواء وتجاوز حملة الهجوم التي استمرت منذ مطلع الأسبوع الجاري على وقع المُحركات الثلاثة سالفة الذكر.

اقرأ أيضاً عبر نورث برس: