نساء الدولة الإسلامية يروين قصص خداعهن مطالبين بالعودة

الحسكة – نورث برس

لم تتردد الطفلة المغربية, نسيبة العمراني(13 عاماً)، للمرة الأولى منذ /5/ سنوات للحظة واحدة, عن رفع نقابها أمام شخص غريب, وهو ما كانت تخشاه أثناء تواجدها في مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية”، وذلك في سبيل الخروج أمام عدسة الكاميرا لتناشد حكومة بلدها من أجل إعادتها مع أشقاءها، اللذين باتوا يتامى بعد أن قُتل والداهم في الحرب بسوريا.   وصلت نسيبة مع اثنين من أشقاءها وشقيقتها الكبرى وابنتها المولودة حديثاً إلى مخيم الهول, شرقي محافظة الحسكة ، منذ ما يقارب أربعة أشهر قادمين من بلدة الباغوز, شرقي ديرالزور, آخر معاقل “الدولة الاسلامية”، بعد قضاء قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي على تواجده العسكري بشكل نهائي شرقي نهر الفرات في   23آذار/ مارس 2019.   في القسم المخصص لعائلات مقاتلي التنظيم ضمن المخيم، وافقت الطفلة المغربية “نسيبة” الحديث لـ “نورث برس” عندما كانت تود الذهاب لملئ عبوة مياه، خلافاً عن الأجنبيات من زوجات مقاتلي التنظيم اللواتي تتهربن من الحديث عن ماضيهن في كنف “الدولة الإسلامية”.  

المغربية نسيبة العمراني

ورفضت نسيبة الحديث أمام الكاميرا ضمن المخيم (دون ذكر الأسباب)، ما دفعنا للتوجه إلى أحد المكاتب الإدارية بالمخيم، حيث لم تتردد في رفع النقاب عن وجهها وسرد تفاصيل مجيئها إلى سوريا.   جاءت نسيبة إلى سوريا برفقة والديها وأشقاءها الخمسة، بعد أن خدعهم والداهم في الخروج برحلة سياحية إلى تركيا, حسب تعبيرها.   

تروي الطفلة القادمة من مدينة تطوان المغربية, رحلة المجيء إلى سوريا بالقول “كنت أدرس في الصف الرابع، قبل أن يقول والدي بأننا سنذهب رحلة سياحة إلى تركيا، رفضت أنا وشقيقتي الكبرى ميساء الذهاب إلا أن أمي أخبرتني بأنها لن تعود إلى المغرب مجدداً”. وتضيف،  “مع وصولنا إلى تركيا بقينا عدة أيام في مدينة (لم تتذكر اسمها) قبل أن نذهب إلى إسطنبول، واعتقلنا من قبل الاستخبارات ومنعنا من الذهاب إلى غازي عنتاب، إلى أن جاءنا مهرب وقادنا إلى سوريا وبالتحديد إلى مدينة حلب”.   واستقرت عائلة نسيبة في مدينة الرقة (عاصمة الدولة الاسلامية المزعومة 2014) بعد إمضاء عدة أيام في التنقل بين مضافات مدينتي منبج والطبقة، مشيرةً أن “والدها وشقيقها الأكبر عبدالله /13/ عاماً  قتلا بغارة جوية في الرقة”، بعد شهرين من مجيئهم. وقبل أن حصار قوات سوريا الديمقراطية لمدينة الرقة بداية عام 2017، خرجت نسيبة مع عائلتها صوب مدينة هجين بريف محافظة دير الزور الشرقي، قبل أن ينتقلا مع التنظيم إلى قرى السوسة والشعفة وأخيراً الباغوز.   وعن سبب بقاءهم في كنف التنظيم لهذه الفترة، تجيب “لم يكن يوجد معنا المال لنهرب، فالمهربون يطلبون أموال كثيرة لإخراجنا”.   قتلت والدة نسيبة أيضاً خلال المعارك التي دارت بين قوات سوريا الديمقراطية ومسلحي التنظيم، في الحملة الأخيرة ضد أخر جيوب تنظيم “الدولة الاسلامية” ببلدة الباغوز، وخرجت بعد حادثة مقتل والدتها بيومين إلى مناطق سيطرة  قوات سوريا الديمقراطية.   وتوضح الطفلة، بأنها تواصلت مع جدتها في المغرب لتعود إلى وطنها، وتمضي قائلة “جدتي أخبرتني بأنه علينا المحاولة للعودة لكن لا نعرف كيف نحاول لكي نستطيع العودة”.   وتقول نسيبة في ختام حديثها “لا أريد شيء سوى العودة إلى بلدي لإكمال دراستي”.  

الأوزبكية سعدية أكرم

الشابة الأوزبكية سعدية أكرم التي جاءت برفقة أسرتها قبل /6/ أعوام إلى سوريا، قالت لـ “نورث برس”، “أقنعنا شقيقي الأكبر عبدالباري الذي التحق بالتنظيم بعد التغرير به عن طريق الانترنت عندما كان يعمل في روسيا، وقررنا المجيء إلى سوريا”.  

 وتوضح سعدية أنهم بعد فترة قصيرة من مجيئهم إلى سوريا, انتقلوا إلى العراق بناءً على طلب “زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي”، الذي أصدر تعليمات بنقل كافة عوائل الأجانب من أوزبكستان وأذربيجان إلى العراق, حسب قولها.   وتنفي الشابة القادمة من ولاية أنديجان الأوزبكية، ارتباط عائلتها بالتنظيم, إذ أدركوا “حقيقته المزيفة”، وذلك بعد أن قتل التنظيم والدها واثنين من أشقاءها بتهمة أنهم “خوارج”، حسب قولها.   وتستدرك قائلة:  “التنظيم قتل أغلى شيء أملكه وهو والدي، وذلك أثناء محاولته الفرار من مناطق سيطرته قبل /3/ سنوات، بعده قتل شقيقي عبد العزيز قبل ما يقارب العام ونصف، وأخيراً قتلوا أخي الكبير عبد الباري، بتهمة أن والده قتل بتهمة الخوارج”.   وتعبر سعدية عن ندمها بالمجيء إلى سوريا، قائلة: “كل ما أتمناه أن لا ينخدع أحد مثلنا بتنظيم الدولة الإسلامية، وإن عادت هذه الجماعات مجدداً وسموا أنفسهم الدولة الإسلامية أن لا يصدقهم أحد، لأنهم ظالمون يسجنون الأطفال ويقتلون الرجال بدون سبب”.   وتقول الشابة بأنها تود العودة إلى بلدها، مخاطبة حكومة بلدها “تعبنا كثيراً هنا، نريد العودة بسرعة”.   وحول ما إذ كان أقربائها يدركون بأنهم في سوريا، تجيب “لا أعتقد أنهم يعرفون ذلك، آخر مرة تواصلنا معهم كان قبل /3/ سنوات ووقتها أخبرناهم بأننا في روسيا”.  

الداغستانية فاطمة ماكيمدوفا

بدورها لم تخفي الشابة فاطمة ماكيمدوفا /23/ عاماً، القادمة من جمهورية داغستان الروسية، خداعها من قبل زوجها الذي قتله التنظيم قبل عامين في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي، عند محاولته الفرار من مناطق سيطرته بعد معرفته أهداف التنظيم “الجوفاء”، حسب قولها.   

  وتروي فاطمة التي أمضت /5/ سنوات في أراضي التنظيم، لـ”نورث برس”، بأنها تواصلت مع أهلها ليخرجوها من مناطق سيطرة التنظيم عقب مقتل زوجها، قائلة “جاء والداي إلى سوريا وحاولنا الفرار إلا أننا فشلنا خاصة أن التنظيم أخذ كل النقود التي نمتلكها، كما أننا لم ندرك الطريق صوب مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية”.   وتروي ماكيمدوفا التفرقة التي كان يتبعها التنظيم بين عناصره المحليين (سوريا والعراق) والمهاجرين، وتضيف “الأمراء العراقيون كانوا يملكون كل شيء، كانوا يأكلون ما يطيب لهم، ونحن كانوا يعطوننا الطحين لنعد الخبز على الحطب، لقد ضحكوا علينا وظلمونا”.   الشابة الداغستانية التي تقطن في المخيم منذ /4/ أشهر، تقول بأنها لا تعرف أية معلومات عن والدها بعد الخروج من الباغوز، إن كان معتقلاً أم قتل في الحرب.   وتقول ماكيمدوفا بأن كل ما تريده الآن هو العودة إلى بلدها وإلى منزلها وفتح صفحة جديدة بعد معاناتها من القصف والخوف والجوع.   وداخل خيمتها البدائية، تجلس والدة فاطمة مع إحدى المواطنات الداغستانيات وهي تهز طفل ابنتها الصغير، تقول لـ”نورث برس”، “لا أود الموت هنا، أريد الموت في بلدي”.   فيما تقول المواطنة الداغستانية الأخرى، والتي يناهز عمرها ما يقارب الـ /60/ سنة، بأن زوجها قتل في مدينة كوباني عبر مفخخة انفجرت بسيارته.   وبحسب السجلات الرسمية لإدارة مخيم الهول، ما يقارب /300/ طفل وطفلة من يتامى تنظيم “الدولة الاسلامية” يتواجدون حالياً في المخيم، /113/ منهم ترعاهم المنظمات الإنسانية في مراكز ضمن المخيم، والبقية تبناهم عوائل التنظيم.   ويذكر أن أكثر من /250/ طفلاً فقدوا حياتهم في مخيم الهول نتيجة سوء التغذية والرعاية الصحية، وذلك بحسب ما ورد في المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ مطلع العام الحالي إلى الآن.   ويتواجد في مخيم الهول حالياً /11/ ألفاً من نساء مسلحي التنظيم، من جنسيات مختلفة، حيث تحتل السوريات والعراقيات الصدارة من ناحية العدد، تليهن القادمات من روسيا وآسيا الوسطى وإفريقيا، بحسب إدارة المخيم.   وتوضع النساء الأجنبيات وأطفالهن في قسم خاص في مخيم الهول تحت حراسة أمنية مشددة تفرضها قوات سوريا الديمقراطية، كما أن النساء اللواتي يقصدن السوق يتم مرافقتهن بحراسة من قوى الأمن الداخلي (الآسايش).   وتمكنت الإدارة الذاتية من إعادة المئات من أطفال ونساء تنظيم “الدولة الاسلامية” إلى بلدانهم بعد التوصل مع حكوماتهم، فيما ترفض الكثير من الدول إعادة مواطنيها، وسط مطالب بتشكيل محكمة دولية لمحاكمة عناصر التنظيم الذي يبلغ تعدادهم بالآلاف في سجون الإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا.   وبحسب إدارة مخيم الهول، يحتضن المخيم حالياً ما يقارب /73/ ألفاً بين نازح ولاجئ، بينهم الآلاف من عوائل تنظيم “الدولة الإسلامية” وزوجاتهم إلى جانب المئات من الأطفال اليتامى.

إعداد وتحرير: دلسوز يوسف