حرب اقتصادية وراء التهديدات التركية المستمرة باجتياح سري كانيه

سري كانيه/رأس العين – حسن عبدالله – NPA
يؤثر التهديد المستمر والاستهداف المتكرر من قبل الدولة التركية لمدينة سري كانيه/رأس العين شمال سوريا، على الظروف المعيشية والوضع الاقتصادي لسكانها.
حيث تكرر ذُكر اسم سري كانيه “رأس العين” أكثر من عشرة مرات في خطابات الوعيد والتهديد باجتياح مناطق شمال وشرقي سوريا وتكرار سيناريو عفرين, شمالي حلب, من قبل قيادات تركية وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان.
تعرضت المنشآت والمباني القريبة من الحدود الفاصلة بين مناطق الإدارة الذاتية والدولة التركية، والعاملون فيها عدة مرات لاستهداف مباشر من قبل الجيش التركي، أصيب على إثرها العديد من السكان وفقد آخرون حياتهم.
تركت الانتهاكات أثراً بالغاً على النشاط والوضع المعيشي والاقتصادي في المدينة، كما أدت إلى تدهور قطاع العقارات وتوقف العمل في عدة منشآت ومشاريع اقتصادية.
نهوض اقتصادي
بعد إخراج المجموعات التابعة للجيش الحر من المدينة وريفها عام 2013، بدأت محاولات من قبل السكان للنهوض بالحياة الاقتصادية، كما قدم إلى المدينة إلى جانب الآلاف من النازحين العشرات من أصحاب رؤوس الأموال، واُفتتحت العشرات من المشاريع الصغيرة والمتوسطة من مولات ومعامل صغيرة ومطاعم ومحلات.
وقد وصل عدد المشاريع الصناعية المسجلة لدى غرفة الصناعة في سري كانيه/رأس العين إلى /650/ مشروعاً، تتوزع على ثلاث فئات أولى وثانية وثالثة.
نشاط تجاري غير مسبوق
تضاعفت الحركة التجارية رغم الحصار بحسب ما صرح به مدير غرفة التجارة والصناعة في سري كانيه/رأس العين, فصيح الأحمد, لـ”نورث برس”، بقوله: “شهدت المدينة من 2015 وحتى منتصف 2018، نشاطا تجاريا غير مسبوق، ووقعت عشرات العقود التجارية”.
وأردف الأحمد “ازدهرت التجارة بسبب ازدياد النشاط الاقتصادي وعودة سكان المدينة ممن كانوا قد لجؤوا إلى دول الجوار وإلى أوربا، كما جذب الأمان في المنطقة النازحين من سكان باقي مناطق سوريا، وقد جلب العديد منهم رؤوس أموالهم معهم، وافتتحوا مشاريع متنوعة في المدينة”. 
    
غير أن التهديدات المستمرة من الدولة التركية منذ أكثر من عام باجتياح المنطقة أدت إلى تجميد الوضع الاقتصادي وتراجعه، كما أدت إلى تراجع التجارة بسبب تراجع الطلب على السلع، واضطر العديد من أصحاب رؤوس الأموال إلى الخروج  من المدينة وإبعاد أموالهم عن “خط النار” وخطر الحرب، بحسب الأحمد.
شل حركة البيع والشراء
حركة البيع والشراء في المدينة هي الأخرى تأثرت نتيجة انعدام الشعور بالطمأنينة لدى المواطنين.
محمد فاضلو، تاجر وصاحب محل ألبسة أوضح أنه اكتفى بثلث كمية البضاعة التي كان يزود بها محله في مثل هذه الفترة من السنة عادة خلال السنوات السابقة.
ويعلل فاضلو سبب خوفه من أن تنفذ تركيا تهديداتها، حينها لن يتمكن من صرف بضاعته، إضافة لقلة الطلب نتيجة هجرة الكثير من السكان والنازحين الذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة بعد التهديدات.
ويبين فاضلو أن التهديدات المستمرة والمظاهر العسكرية خلقت شعورا بعدم الارتياح لدى الباعة والمستهلكين على حد سواء، مما أثر على حركة البيع والشراء.
ويرى طاهر عزو، صاحب بقالية، أن التهديدات التركية أدت إلى شلَ حركة البيع والشراء في المدينة مقارنة بما قبلها في الأعوام الثلاثة السابقة.
وأثرت التهديدات التركية باجتياح المدينة بشكل ملحوظ على  المشاريع الاقتصادية والصناعية التي تزايدت بين عامي 2018-2015، فقد توقف تنفيذ العديد من المشاريع عن العمل لمدة طويلة، واضطر أصحاب بعضها إلى نقلها لمكان آخر تحسباً لنشوب حرب أو اجتياح تركي  للمنطقة.
 
يقول عمار عبدو صاحب شركة تجارة عامة لـ”نورث برس”: “منذ أكثر من عام ونحن غير قادرين على استكمال تجهيز معملنا بسبب التهديد التركي وشعورنا الدائم بالخطر، لقرب المعمل من الحدود التركية، ونخشى على مصيره الذي كلفنا الملايين”.
تعرضت الآليات عدة مرات لإطلاق النار من قبل الجيش التركي أثناء قيامها بإنجاز بعض الأعمال الضرورية للمعمل، مما أدى إلى توقفها عن العمل لعدم جرأة سائقي الآليات من الاقتراب من المعمل.
يضيف صاحب معمل البرغل، عمار عبدو: “توقفنا عن العمل، ومنذ عام ونصف ونحن غير قادرين على التحرك لإنجاز أعمالنا”.
استهداف مباشر للمعامل
يروي مصطفى مسلم، صاحب معمل بلوك على طريق تل حلف سري كانيه/رأس العين، أنه منذ عشر سنوات يحصل على رزق عائلته من هذا المعمل، بيد أن معمله صار هدفا لنيران الجيش التركي منذ عام ونصف العام، فتوقف عن العمل واضطر لإبعاد العمال لفترات طويلة ولعدة مرات كلما تم استهدافهم.
ويقول مسلم إن “التهديد المستمر واستهداف الأماكن المدنية والعمال من قبل الجيش التركي خلق لديهم خوفا دائما بأن يتكرر استهدافهم، على الرغم من أنهم مجرد عمال يعملون من أجل تحصيل رزق عوائلهم وأطفالهم”.
ويحكي بكري عوني، سائق شاحنة، قصة ابن عمه محمد الذي كان عاملا ينقل مواد البناء في إحدى المعامل حين قنصه  الجيش التركي قبل عام: “قنصوه بينما كان يحمل البلوك على صدره ليؤمن رزق أطفاله”، بحسب تعبيره.
 
ويضيف عوني، بأنهم لا يشعرون بالأمان منذ بدء التهديدات التركية باجتياح المنطقة، ويخافون من أن يستهدفهم الجيش التركي أثناء نقل الطلبات من المعامل القريبة من خط الحدود.
هذا فيما امتنع أصحاب العديد من المشاريع القريبة من الحدود عن الظهور على الإعلام، كون منشآتهم ومنازلهم مكشوفة من الطرف التركي، ويرون أن مجرد ظهورهم وشكواهم للإعلام سيعرضهم للخطر أكثر وستدفع الجيش التركي إلى العودة لاستهداف منازلهم ومنشآتهم.
تراجع قطاع العقارات  
بالإضافة إلى المنشآت الصناعية والتجارية طال تأثير التهديدات التركية قطاع العقارات أيضا، إذ ترتبط حركة النشاط العقاري مباشرة بالوضع الأمني والظروف الاقتصادية.
 
يقول مصطفى زعيم، تاجر عقارات وصاحب مكتب الزعيم للعقارات في سري كانيه/راس العين: “التهديدات التركية أثرت كثيرا على العقارات في المدينة، وتراجعت حركة سوق تجارة العقارات، كما تراجعت حركة البناء إلى أقل من النصف مقارنة ب 2015 وحتى منتصف 2018.
ويضيف زعيم: “لم يعد المهاجرون من أبناء المدينة يستثمرون أموالهم في العقارات، لأن المدينة أصبحت مهددة باجتياح تركي، فتراجعت الأسعار، وخسرت العقارات نحو 50% من قيمتها”.
 
إلى جانب الأبنية والمنشآت تُركت عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية المتاخمة للحدود بين مناطق الإدارة الذاتية وتركيا دون زراعة، فلم يُسمح لأصحابها بالاقتراب منها و زراعتها لتكرر استهدافهم بنيران الجيش التركي، فخسر أصحابها إنتاج  الموسم الزراعي الحالي. 
يبدو أن التهديدات التركية المستمرة بشن حرب ضد مناطق شمال وشرقي سوريا تتجاوز البعد العسكري والحرب النفسية، وتحقيق انجازات سياسية إلى السعي لضرب أي محاولة للنهوض بالوضع الاقتصادي المثقل أصلاً بتبعات الحرب المستمر على جغرافيا البلاد منذ ثمانية أعوام.
 إذ ما لبثت مدينة سري كانيه/رأس العين – كـ”نموذج” – أن تخلصت من  بعض تبعات الحرب والمعارك التي جرت بين وحدات حماية الشعب من جهة والجيش الحر وجبهة النصرة و”الدولة الاسلامية” من جهة أخرى، فمضت سنوات عدة واعدة، نشطت خلالها الحركة الاقتصادية، وازدهرت التجارة وحركة العمران، إلى أن هددت الدولة التركية باجتياح عسكري مشابه لاجتياح منطقة عفرين، فأثرت تأثيرا كبيرا في الوضع الاقتصادي والمعيشي  في المدينة والمنطقة بشكل عام.